افراسيانت - أ.د. إبراهيم ابراش - اسعدنا كثيرا استجابة رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني والرئيس أبو مازن للدعوات المطالِبة بتأجيل دورة المجلس الوطني على أن يتم عقدها خلال الثلاثة شهور القادمة ،وهي استجابة إن دلت على شيء فإنما على إحساس القيادة بخطورة المرحلة وضرورة الإعداد الجيد ، ولسحب البساط من تحت اقدام من يريد توظيف الدعوة المتسرعة لعقد دورة المجلس الوطني للتشكيك بنوايا القيادة ،وللتهرب من مسؤولية المشاركة في استنهاض منظمة التحرير والمشروع الوطني.
كانت أهداف غالبية الوطنيين المطالبين بتأجيل دور المجلس الوطني – وخصوصا الموقعون على بيان الألف توقيع (نحو مجلس وطني يعيد بناء الوحدة )- تنطلق من الحرص على الإعداد الجيد لهذه الدورة التي تأتي في أسوء الظروف التي تمر بها القضية الوطنية ،وينتظر منها الشعب حلولا جادة لحل أو على الأقل التوافق على خطة طريق وطنية أو استراتيجية وطنية شاملة لحل الاستعصاءات ومواجهة التحديات ،سواء على مستوى الانقسام أو عملية التسوية أو المقاومة أو للرد على العدوان الإسرائيلي المتواصل استيطانا وتهويدا في الضفة وعدوانا عسكريا وحصارا في قطاع غزة الخ .
مثل هكذا قضايا وتحديات كبرى لا يمكن لمجلس وطني ينعقد بسرعة بمن حضر من أعضاء المجلس الوطني وفي طل حالة الالتباس حول استقالة أعضاء اللجنة التنفيذية وفي ظل تحركات مشبوهة وخطيرة لبعض الطامعين في الوصول لمواقع قيادية للتغطية على فشلهم بل وتآمرهم على الشعب ... ، لا يمكن لهكذا مجلس أن يستنهض الحالة الوطنية بل ربما أدى انعقاده إلى إطلاق رصاصة الرحمة على المشروع الوطني وعلى منظمة التحرير بما هي البيت المعنوي للشعب الفلسطيني وممثلة الوحيدة ومحل رهانه المستقبلي في ظل عجز بل وفشل السلطة وكل الكيانات السياسية في استنهاض الحالة الوطنية أو وقف الاستيطان الصهيوني . بل وستجد بعض الاطراف الفلسطينية في عقده فرصة لتبرير تهربها من الوحدة الوطنية ومن الاندماج في منظمة التحرير .
كثيرة الأقاويل التي راجت حول الهدف من سرعة الدعوة لعقد المجلس الوطني وغالبيتها اقاويل بنيت على تخوفات يمكن تفهم بعضها واستبعاد أخرى – وقد كتبنا عن ذلك في حينه - . لا شك في وجود نوايا طيبة وصادقة عند قيادات وازنة ومحترمة في منظمة التحرير كانت تريد عقد المجلس الوطني بسرعة لأهداف لا علاقة لها بالتخوفات المُشار إليها ، إلا أنها لم تكن واضحة في تحديد الهدف من الدعوة المتسرعة للمجلس الوطني . بالفعل كان من الضروري والملح جمع المجلس الوطني بسبب الموجبات التالية ،كلها أو بعضها :
1. أن الرئيس كان يريد من وراء دعوة المجلس الوطني للانعقاد تقديم استقالته من رئاسة المنظمة ليخفف من عبء المسؤولية – مع احتفاظه برئاسة السلطة لحين من الزمن - .
2. رغبة الرئيس أبو مازن في تبليغ رسالة للعالم وخصوصا المعنيين بعملية السلام في المنطقة بأنه لن يبقى أسير اتفاق أوسلو والسلطة بدون سلطة وأنه سيُعيد الامانة إلى أصحابها ،منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني .
3. قطع الطريق على ما يُحاك من مؤامرات لفصل غزة عن الضفة وتنطع حركة حماس للتفاوض مع إسرائيل كممثلة للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة من خلال زعمها أن فوزها في الانتخابات التشريعية في هاتين المنطقتين يمنحها الحق بالتفاوض نيابة عن سكان هذه المناطق .
4. عدم رهن استنهاض منظمة التحرير بما تؤول إليه جهود المصالحة المتعثرة ، من منطلق أن استنهاض منظمة التحرير بمكوناتها الراهنة لا يتعارض مع اتفاقات المصالحة وخصوصا مع الإطار القيادي الموحد ، بل إن استنهاض منظمة التحرير وكل فصائلها شرط ضرورة قبل الدخول في الإطار القيادي الموحد ، وخصوصا إن لم تكن هناك نوايا صادقة عند حركة حماس بالوحدة الوطنية الحقيقية في إطار مشروع وطني فلسطيني جديد.
مقابل ذلك هناك مسئولون في منظمة التحرير والبعض من خارجها ممن تسللوا لمواقع قيادية في السلطة وفي بطانة الرئيس أبو مازن كانوا يهدفون من وراء التسرع بعقد دورة المجلس إلى إعادة تموقعهم في مواقع قيادية حتى تُشكل مواقعهم القيادية شبكة حماية لهم، معتقدين أنها ستحميهم في حالة إخراجهم من مراكز المسؤولية ،من محاسبة الشعب لهم عن مسؤوليتهم عن ما لحق بالشعب والقضية من دمار وخراب في ظل وجودهم في مواقع قيادية عليا في السلطة وفي دائرة المفاوضات خلال عقدين تمكنت إسرائيل خلالهما من تكثيف مشاريعها الاستيطانية والتهويدية ومن تمرير مخطط فصل غزة عن الضفة بل وفي تحويل السلطة إلى سلطة شكلية بدون سلطة وبدون رؤية واضحة ، وبعض قادة فصائل منظمة التحرير كان هدفهم الحلول محل الممثلين السابقين لفصائلهم في اللجنة التنفيذية للمنظمة. بل هناك للأسف من كان يريد استمرار الأمور على حالها في المنظمة أو عقد دورة متسرعة تؤمن استمرارهم في مواقعهم في اللجنة التنفيذية وفي المواقع الأخرى في المنظمة حتى يحافظوا على الحياة المريحة ماديا التي يعيشونها وأبنائهم دون حسيب أو رقيب ،وبعضهم يهدف فقط من خلال احتفاظه بموقعه لاستمرار تكفل المنظمة بمصاريف علاجهم وعنايتهم الطبية بعد أو وصلوا من العمر عتيا ! .
للحقيقة والإنصاف لم يكن كل من انتقدوا القيادة لسرعة دعوتها لعقد دورة المجلس الوطني ينطلقون من نفس المنطلق والأرضية السياسية أو يهدفون لنفس الأهداف . بعض هؤلاء كانوا صادقين في دوافعهم وحريصين على منظمة التحرير والمشروع الوطني ، وآخرون كان انتقادهم ورفضهم ينطلق من منطلق المناكفة السياسية للقيادة ومحاولة منهم للبحث عن دور في المرحلة القادمة ، وآخرون ،وهم الأخطر ، لم تكن نواياهم صادقة إطلاقا ، ولم تكن دوافعهم تنطلق من الحرص على الإعداد الجيد لدورة ناجحة للمجلس الوطني ، بل كانوا يهدفون إلى إعاقة أي جهود لاستنهاض منظمة التحرير والطعن بالقيادة وكسب الوقت لتمرير مخططات خاصة بهم على انقاض منظمة التحرير والمشروع الوطني .
ولكن ، وقد تم تأجيل الدورة حسب ما يريد ويشتهي المطالبون بذلك ، فماذا هم فاعلون خلال الثلاثة أشهر القادمة ؟ وهل لديهم الرغبة والإرادة بالفعل في توظيف هذه المهلة الزمنية ليرتبوا أوضاعهم ويعيدوا النظر في مواقفهم استعدادا لاجتماع المجلس ؟ وهل عندهم خطة تحرك مشترك ورؤية مشتركة خلال مرحلة الإعداد للمؤتمر وما بعدها ؟ أم سيجلسون وينتظرون من الرئيس وقيادة المجلس الوطني ، المتهَمون بالتواطؤ، أن يرتبوا هْم الاوضاع حسب مشيئتهم ؟ .
تأجيل دورة المجلس الوطني فيه مصلحة لكل الاطراف الوطنية ،وإن كانت تبدو وكأنها استجابة لضغوط المطالبين بالتأجيل إلا أنها في نفس الوقت ورقة مهمة في يد الرئيس الذي بلَّغ من خلال الدعوة المتسرعة للمجلس رسالة للعالم بأنه قد يُقدِم على خطوات غير مسبوقة في اجتماع المجلس الوطني ،وتأجيل عقد المجلس يمنح هذه الأطراف الدولية فرصة لاتخاذ خطوات عملية للضغط على إسرائيل . ووطنيا فإن التأجيل يعني رمي الكرة في ملعب الداعين للتأجيل ، وستكون فترة الثلاثة شهور القادمة اختبارا وتحديا حقيقيا لهذه الاطراف لتثبت مصداقيتها ،أكثر مما هي اختبارا وتحديا لرئاسة منظمة التحرير.
لقد نزعت قيادة منظمة التحرير الذرائع من المطالبين بالتأجيل ، وعلى هؤلاء أن يتحركوا مباشرة للإعداد للمؤتمر ، وهذا يتطلب :
1. أن يقوم المثقفون والمستقلون والسياسيون وكل من وقع على بيان الالف توقيع بخطوات عملية تصب في نفس الاتجاه من خلال طرح حلول ومقاربات عملية حول القضايا الاستراتيجية ذات العلاقة باستنهاض منظمة التحرير وإعادة بنائها .
2. على أحزاب وفصائل منظمة التحرير أن يرتبوا أوضاعهم الداخلية أولا ويتصالحوا مع ذواتهم ويتوافقوا على رؤية وموقف واحد داخل الحزب حول القضايا الرئيسية وحول من سيمثلهم في المجلس الوطني وفي اللجنة التنفيذية وفي الإطار القيادي . عليهم أن يستنهضوا أنفسهم وأحزابهم قبل أن يستنهضوا منظمة التحرير .
3. أن تتوافق قوى اليسار على رؤية مشتركة وخطة عمل مشتركة ، حيث يُفترض أن ما بينهم من مشترك أكثر مما بين أي منهم وبقية الأحزاب والحركات .
4. أيضا يتطلب الأمر أن تحدد جماعات الإسلام السياسي ،وخصوصا حركة حماس ،إن كانت تريد بالفعل أن تكون جزءا من الحالة الوطنية الجامعة ، وهو الامر الذي يتطلب منها تحدد موقفها بوضوح من المشروع والهوية والثقافة الوطنية ، وما إن كانت راغبة بالفعل ان تكون جزءا من منظمة التحرير ام إن لها مشروعها الخاص ؟ وعليها أيضا إسقاط أوهام دويلة غزة التي تشتغل عليها أو ورطتها بها اطراف خارجية منذ سنوات ، دولة لن تكون في حالة قيامها إلا مشروعا يؤدي وظيفة أمنية وسياسية استراتيجية للاحتلال ،ويتطلب أيضا وقف محاولتها تسويق نفسها ممثلا عن الشعب الفلسطيني وعن أهالي قطاع غزة خصوصا .
إن أخشى ما نخشاه أن تتحول الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني من فرصة على الجميع اهتبالها لإعادة اللحمة الوطنية وتوحيد الشعب لمواجهة المخاطر المحيقة بالقضية الوطنية ، إلى ساحة جديدة من ساحات المناكفة والخلافات السياسية وأن تنقضي الشهور الثلاثة دون أي تقدم يُذكر ، وآنذاك إما أن يتم التأجيل مرة أخرى ،أو أن تقوم قيادة المنظمة بعقد دورة المجلس حسب رؤية وحسابات قيادة منظمة التحرير ،الأمر الذي سيؤدي لاستمرار الخلافات والتشكيك في المجلس الوطني ونتائجه وبالتالي إلى تعميق الانقسام .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.