افراسيانت - بقلم: إيهاب شوقي - شهدت فترات الحرب الباردة اعلاما موجها تميز بالدعائية والديماجوجية تارة وبالتحريض الصريح المباشر تارة اخرى، الا ان الالتباس العالمي الذي صاحب نهايتها الاولى – حيث اعيد احياؤها الان- تولد معه نوع جديد من الاعلام اصبح اكثر احترافية في الدعاية والتحريض وتمرير القناعات بشكل غير مباشر. هذا الاعلام نوع مدارسه وخلق امبراطورياته التي تربع على عرشها اباطرة تنافسوا على الارباح والاقتراب من السلطة العالمية ومواقع التأثير بها ولم يختلفوا او يفترقوا على القيم او المهنية.
نقل موقع قناة "سي إن إن" الامريكية باللغة العربية خبرا لافتا وجديرا بالتأمل والتحليل، ومصدر الالتفات له انه خبر من النوع الملغوم. سي ان ان والتي انطلقت عام 1980 م بواسطة تد تورنر هي إحدى أقسام منظومة تيرنر للبثّ والتي تملكها شركة تايم وارنر، المؤسسة الإعلامية الأكبر في العالم، والتي رفضت عرض الاخطبوط الاعلامي مردوخ لشرائها مقابل مبلغ خيالي وهو 80 مليار دولار ويبدو الرفض بسبب خلاف على عدد المقاعد في مجلس ادارة فوكس المملوكة لمردوخ، ولعدم انفراد مردوخ بالقرار لامتلاك غالبية الاسهم، وليس خلافا مع هذا الاخطبوط المسيطر على الاعلام العالمي، والذي يصفه المراقبون بانه عرّاب الخط الإعلامي التجاري والصحافة الصفراء في العالم، ويلقبه الكثيرون بالشيطان الذي لوث الصحافة، ويعتبرون أن نجاحه أدى إلى تحويل الصحافة الملتزمة وبرامج التسلية النوعية إلى مواد سوقية تافهة، والذي تجاوزت الحكومة الأمريكية للمرة الاولى عن قوانين الهجرة وشروط منح الجنسية الأمريكية وعقد إجتماع عاجل لمجلس الشيوخ لمنح هاذا الرجل الجنسية الأمريكية بعد طلبه لها بأيام.
تفيد التقارير ان السمعة العالمية لقناة CNN الأخبارية تحسنت في عام 1991 من خلال تغطيتها لأحداث حرب الخليج حيث كانت تتناقل القنوات الأخرى ما تعرضه من تغطية مباشرة لمعارك قوات التحالف في الكويت حتى تم تحريرها ولم تتمكن قناة CNN من الحصول على هذه التغطية المباشرة إلا من خلال تعاون وثيق مع الحكومة الأمريكية والذي أدى بالتالى إلى توجيه إتهامات إلى القناة بأنها لم تحاول التحقيق في الإدعاءات التي إدعتها الولايات المتحدة أثناء الحرب مقابل التغطية المتميزة لأحداث الحرب.
وبالعودة للخبر الملغوم فقد جاء نصه كما يلي: (كشف مصدر بالاستخبارات الأمريكية، عن آخر نتائج الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يُعرف بـ"داعش،" لافتا إلى أن مقاتلي التنظيم لا زالوا متماسكين وقدراتهم الأساسية لم تتغير.
وقال المصدر في تصريح لـCNN إن التنظيم لا زال لديه مواقع كثيرة ليحتمي بها ولينفذ عمليات التدريب والتخطيط وتنفيذ هجماته إلى جانب حرية تنقل مقاتليه بين العراق وسوريا. وتابع قائلا إن من أهم العوامل المساعدة لداعش هو مواردها، وباعتبارها أغنى تنظيم إرهابي في التاريخ، فلديهم الملايين من الدولارات التي تساعدهم على تجنيد عناصر جديدة والقيام بدعاية تجلب للتنظيم المال والمجندين الجدد.
على الصعيد الآخر قال المصدر إن الضربات الجوية التي تشنها الدول المشاركة في التحالف الدولي أفقدت التنظيم الزخم الذي كان يتحرك به في السابق وأن المعدل الذي كان التنظيم يستغرقه للسيطرة على أراض جديدة قد تراجع عما كان في السابق، إلا أن بصمته في سوريا لا تزال كما هي. الأمر الإيجابي الآخر بحسب المصدر هو أن داعش يعاني من صعوبات في إيصال بعض الخدمات إلى عدد من المناطق، إلى جانب أن هناك عدد من القبائل قد ثارت ضدهم.
وبالنسبة للمقاتلين الأجانب، قال المصدر إن هناك نحو 18 ألف مقاتل أجنبي منخرطين في القتال إلى جانب عدد من الجماعات في سوريا والعراق، ثلاثة آلاف منهم قدموا من دول غربية.) انتهى نص الخبر. واللافت هنا هو ان مصدر بالاستخبارات الامريكية يمكنه ان يدلي بتصريحات ومعلومات في اتون معركة مع عدو مفترض، ليس فقط هذا، وانما اللغم الاول يتمثل في انها تصريحات ترفع من روح هذا العدو المعنوية، فهل هذه التصريحات موجهة له ام تأتي في إطار الحرب النفسية للدول التي تعاني من ممارسات هذا التنظيم؟!
واللغم الآخر يتمثل في تقدير اعداد هذا التنظيم والذي يقول التقدير ان الاجانب فقط هم 18 الف مقاتل ليترك العدد مفتوحا للخيال وللرعب من اعداد هذا التنظيم والذي سبق وصفه وفقا للتصريحات نفسها بانه "اغنى تنظيم في التاريخ"، وهو ما يضفي هالة مرعبة وصورة اسطورية تغطي طبيعة هذا التنظيم وحقيقته وعلاقته بالاستخبارات الغربية وفي مقدمتها الامريكية حيث يتم تكريس صورة استقلالية له وان مصدر قوته هذه نابعة من العدد والعتاد والاموال وليست من الدعم اللوجستي والتكنولوجي وتجنيد المحترفين من المرتزقة.
واللغم الثالث الغير منفصل عن اللغمين السابقين هو الايحاء بعالمية هذا التنظيم وانه مشكل من تحالف دولي من جميع الجنسيات وان الغرب هو اقل الجنسيات تمثيلا فيه، وهو المطلوب لخدمة اكثر من هدف وهو توزيع المسؤولية العالمية لحربه من جهة وابعاد الشبهات عن الاعداد الحقيقية للمرتزقة الغربيين به من جهة اخرى، وما حربه التي يقودها التحالف الا وضع اقدام استعمارية جديدة وذريعة حديثة لاستعمار كلاسيكي وحربا جديدة بالوكالة في ذات الوقت.
قد تكون التحليلات لالغام هذا الخبر بعضها مستند على معلومات وتسريبات وبعضها مجرد استنتاجات وربط للشواهد تفتقد للدليل المادي. الا ان ما يبث من تقارير اعلامية وما ينقل عن مصادر استخباراتية مجهلة لقنوات ذات صلة بها يفتقد ايضا للدليل المادي اضافة الى افتقاده للمنطق والاقناع!