افراسيانت - بقلم أشرف الصباغ - شهدت عاصمة قبرص نيقوسيا الأربعاء 29 أبريل/نيسان قمة مصرية يونانية قبرصية بحث رؤساء الدول الثلاث فيها التعاون الاقتصادي فيما بينها، وقضايا أخرى تتعلق بتشكيل ملامح "محور" إقليمي.
جاءت القمة الثلاثية المصرية – اليونانية – القبرصية (بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس القبرصي نيكوس أنستاسيادس ورئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس) لمتابعة نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في القاهرة في نوفمبر/تشرين ثاني عام 2014 والتي أعطت قوة دفع جديدة للتعاون القائم بين الدول الثلاث وأتاحت الفرصة أمام مصر لتعزيز التعاون مع كل من قبرص واليونان في مختلف المجالات وبما يتناسب مع التنسيق السياسي بين الدول الثلاث في المحافل الإقليمية والدولية.
وتركزت القمة الثلاثية الحالية على سبل تعزيز العلاقات على المستويات السياسية والاقتصادية كافة وتعزيز التنسيق بين مصر وقبرص واليونان في المحافل الدولية لصالح تحقيق الاستقرار والأمن في منطقتي الشرق الأوسط والبحر المتوسط ومكافحة الإرهاب في المنطقة.
ويرى مراقبون أن القمة الثانية جاءت لتضع النقاط على الحروف بشأن عدد من القضايا التي يمكن أن تنقسم إلى قسمين رئيسيين. الأول، دفع التعاون الاقتصادي على المستويين الثنائي والثلاثي وترسيم الحدود البحرية. والثاني، تشكيل ملامح محور إقليمي – متوسطي.
وفي الوقت نفسه، يرى قطاع آخر أن هذه القمة يمكن وضعها تحت عنوان القمة "المتوسطية"، نظرا لتركيز السيسي على "أن البحر المتوسط يجمع بين مصر وقبرص ويحفز البلدين على العيش المشترك"، بينما أعرب رئيس الوزراء اليوناني عن أهمية "استثمار العلاقات المتميزة التى تجمع بين بلاده وكل من مصر وقبرص لدفع العلاقات المتوسطية قُدما، سيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب ومواجهة كل التحديات التى تشهدها منطقة المتوسط".
وتم خلال القمة بحث سبل تعزيز التعاون المشترك في عدد من المجالات، خصوصا النقل والتجارة والسياحة والطاقة. وتم الاتفاق على اقتراح رئيس الوزراء اليوناني بتشكيل لجنة فنية لدفع التعاون فى المجالات الاقتصادية المختلفة، وأخرى لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، وأهمية استشراف آفاق جديدة للتعاون فى مختلف المجالات على المستويات الثنائية من خلال اللجنة المشتركة بين البلدين. وتم الاتفاق أيضا على المقترح اليوناني برفع مستوى اللجنة المشتركة لتكون برئاسة رئيسي وزراء البلدين.
من الصعب الحديث عن إحداث طفرة في العلاقات الاقتصادية بين الدول الثلاث لأسباب كثيرة، على رأسها الأوضاع الداخلية في كل منها، والمشاكل الاقتصادية التي تتفاوت حدتها في مصر واليونان وقبرص، إذ تواجه مصر الكثير من الصعوبات الاقتصادية التي تدفع القاهرة لطلب المساعدات والقروض.
كما تواجه اليونان، عضو الاتحاد الأوروبي، محن اقتصادية واجتماعية تهدد ببقائها داخل الاتحاد الأوروبي. ما يدفعها إلى التوجه شرقا، حيث أعلن رئيس الوزراء اليوناني مؤخرا عن إمكانية الحصول على 3 مليارات دولار من روسيا، ولكن هذه المليارات القليلة لن تكفي لإخراج الاقتصاد اليوناني من محنته.
وفي الوقت نفسه، تعيش قبرص أزماتها الخاصة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية وسط تغيرات سريعة في منطقة البحر المتوسط.
متابعون للشؤون المتوسطية يرون أنه على الرغم من المشهد الاقتصادي المثير للقلق لدى الدول الثلاث، إلا أن الإرادة السياسية يمكن أن تلعب دورا مهما في تطوير مسار العلاقات بين مصر واليونان وقبرص وترفعها إلى مصاف المركز المستقبلي لعلاقات متوسطية جديدة لها آفاق واعدة.
ولا يشك المراقبون في أن الدول الثلاث سوف تنجح في ترسيم الحدود البحرية التي أثارت لغطا شديدا في الفترة الأخيرة بعد اكتشاف ثروات مختلفة ومتنوعة على تلك الحدود. ولكنهم يشيرون في الوقت نفسه إلى وجود كل من تركيا وإسرائيل في المنطقة المتوسطية. بمعنى أن الأمور لن تسير على خط مستقيم، بل يجب إشراك قوى أخرى في المنطقة. وهو ما يستدعي العمل السياسي والدبلوماسي لتقريب وجهات النظر والمواقف.
إن مصر تستثمر تاريخها المشترك مع كل من اليونان وقبرص لتشكيل ما يشبه المحور في ظل التغيرات المتسارعة في المنطقة من جهة، ونظرا لوجود أزمات سياسية من جهة أخرى، سواء بين مصر وتركيا، أو بين تركيا واليونان. وهي أزمات وخلافات تاريخية من الصعب حلها على المديين القريب والمتوسط.
وليست مصادفة أن يشيد رئيس وزراء اليونان "بالدور الرائد الذى تلعبه مصر على الصعيدين العربي والإسلامي، وحرص بلاده على زيادة التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين خلال المرحلة المقبلة". وهو ما فسره مراقبون بالارتياح الشديد في العلاقات بين القاهرة وأثينا، وأن الثانية تمنح الأولى ثقة تاريخية لتعويض دور ما يمكن أن تقوم به تركيا. أو بالأحرى سحب أي دور في المجالين الإسلامي والعربي لتركيا وإسناده إلى مصر.
كثير من المراقبين يعربون عن تفاؤلهم بإمكانية تطوير هذا المحور بما يتسق والتحولات الجديدة في منطقة المتوسط على المستويين الأمني والاقتصادي، وبالذات في مكافحة الإرهاب وتأمين خطوط نقل الطاقة، والتعاون المتبادل مع دول مثل روسيا، ولكن البعض يخشى من أن يكون هذا التقارب ما هو إلا شهر عسل عابر يمكن أن ينتهي أو تنخفض درجة حرارته بنتيجة الأزمات الاقتصادية في تلك الدول، أو بنتيجة النزاعات والأزمات المتفاقمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهو الأمر الذي يراه قطاع لا بأس به من المراقبين سببا وجيها للتقارب مع روسيا ودعمها في مساعيها لحل النزاعات بالطرق السياسية، واعتماد صيغ جماعية لمكافحة الإرهاب، وأساليب أكثر ديمقراطية للعلاقات الدولية.