افراسيانت - عماد عنان - أسدل الستار على زيارة الرئيس الأمريكي دونالد لترامب للمملكة العربية السعودية والتي استغرقت يومين كاملين ووصفت بـ"التاريخية"، حيث شهدت العديد من الفعاليات واللقاءات التي أسفرت عن إعلان ما أطلق عليه "الرؤية الاستراتيجية المشتركة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية".
الزيارة التي تمخضت عن توقيع حزمة من الاتفاقيات الثنائية، إضافة إلى ثلاث قمم جمعت الوفد الأمريكي بكل من الجانب السعودي وقادة دول التعاون الخليجي، فضلاً عن القمة الإسلامية الأمريكية التي حاضر فيها ترامب عن الإسلام بحضور ممثلي 55 دولة إسلامية.
العديد من علامات الاستفهام باتت تطل برأسها مع نهاية الزيارة ورحيل الرئيس الأمريكي متوجهًا إلى "العاصمة الإسرائيلية تل أبيب"، عن الرابح والخاسر في هذه الجولة الخاطفة التي كانت محط أنظار العالم أجمع، وانعكاسات النتائج التي حققتها على خارطة الصراع في الشرق الأوسط من جانب، وعلى مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية من جانب آخر، وهل سينجح التوافق الخليجي الأمريكي العربي الإسلامي (كما يبدو) في إيجاد حل للأزمات المتفاقمة في سوريا واليمن وليبيا؟ أم أن الرئيس ترمب سيكتفي بالدعم العسكري عن بعد؟
أمريكا.. الرابح الأكبر
تصدرت الولايات المتحدة قائمة الرابحين من خلال هذه الزيارة وذلك من خلال محورين: المحور الاقتصادي، حيث إبرام مجموعة من الصفقات والاتفاقيات في مختلف المجالات، بلغت قرابة 34 اتفاقية بقيمة 380 مليار دولار، شملت الطاقة والبتروكيماويات والخدمات الصحية والعقارات والاستثمارات التقنية والتكنولوجية والتعدين، إضافة إلى اتفاقيات التسليح والتعاون العسكري والتي تحتل النصيب الأكبر من بين هذه الصفقات.
بهذه الصفقات نجح ترامب في توفير ما يقرب من ثلث المبلغ الذي طالب بتوفيره خلال ولايته الرئاسية الأولى من أجل تطوير البنية التحتية لبلاده والبالغ تريليون دولار.
المحور السياسي، وفيه أعادت أمريكا دورها في الشرق الأوسط مرة أخرى وبصورة قوية وذلك بعد تراجع خلال العامين الماضيين إبان فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما والذي آثر إبعاد بلاده تدريجيًا عن تطورات الصراع في المشهد الإقليمي خاصة في ملفي سوريا واليمن، ونجحت في بناء تحالف خليجي عربي إسلامي جديد في مواجهة التحالف الروسي.
شعار "أمريكا العظمى" الذي رفعه ترامب خلال حملته الانتخابية وتعهد بترجمته على أرض الواقع كان دافعًا نحو إحياء إدارة البيت الأبيض الجديدة لدور بلادها في تلك المنطقة الحيوية والملتهبة، والتي تحتوي على النسبة العظمى من نفط العالم، فضلاً عما تمثله من أهمية كبرى في تأمين وحماية حليفها الأقوى وهو الكيان الإسرائيلي.
معضلة واشنطن في العودة للمنطقة مجددًا تمثلت في التمويل اللازم لهذه العودة، فحين تطالب الإدارة الأمريكية ببناء مناطق آمنة كباب خلفي للدخول في سوريا والمشاركة في القتال ضد الحوثيين في اليمن، لا بد من تمويل، في الوقت الذي تعاني فيه أمريكا من أزمة اقتصادية حالية، ومن ثم كانت السعودية خاصة ودول الخليج عامة الباب الجديد لأمريكا للدخول للمنطقة بعد تعهدهم بتوفير الدعم اللازم لذلك.
بعد سياسي آخر في حصيلة مكاسب ترامب من زيارته الخليجية، وهو تخفيف الضغوط الممارسة عليه داخليًا خاصة بعد تورطه في التنسيق مع الجانب الروسي إبان حملته الانتخابية، فضلاً عن ضغوط اللوبي الصهيوني بسبب إفشاء الرئيس الأمريكي لمعلومات عن تجنيد بعض العملاء "الإسرائيليين" داخل صفوف داعش، وهو ما قد يعرضه وفق بعض المحللين لمصير الرئيس السابق ريتشارد نيكسون وفضيحة ووتر جيت 1972.
أعادت أمريكا دورها في الشرق الأوسط مرة أخرى وبصورة قوية وذلك بعد تراجع خلال العامين الماضيين إبان فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما
الخليج.. الثمن الباهظ لاستعادة الدور
المملكة العربية السعودية هي الأخرى كانت على قائمة الرابحين - حسب ما هو معلن في الظاهر - من هذه الزيارة التي وصفها محللون سياسيون سعوديون وغير سعوديين بأنها الأكثر أهمية في تاريخ المملكة خاصة السنوات العشرة الأخيرة.
استعادة السعودية للدور الخليجي إقليميًا وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بعد فتور دام لسنوات وتقوية ترسانتها العسكرية بعشرات صفقات الأسلحة، ولفت أنظار العالم إليها كإحدى القوى المؤثرة في الشرق الأوسط، كانت أبرز المكاسب التي حصلت عليها المملكة من خلال هذه الزيارة.
نجاح الرياض في دفع إدارة البيت الأبيض الجديدة إلى تغيير موقفها السابق من السعودية وحكامها بعد حزمة من التصريحات العدائية السابقة يعد نقلة دبلوماسية في مسيرة الرياض، كما أنه - ومن المتوقع - أن تقود إلى إعادة رسم ملامح التحالف الأمريكي الخليجي مستقبلاَ.
كما أن كسب التأييد الأمريكي للموقف السعودي المناهض لإيران والعزف مرارًا وتكرارًا على وتر التلويح بفرض عقوبات جديدة ضد طهران والتعهد بإجهاض اتفاقها النووي، كان أحد أبرز المكاسب السعودية رغم عدم تحديد آلية واشنطن لتنفيذ تهديداتها تجاه إيران.
وعلى الرغم من الثمن الباهظ لهذه المكاسب - الظاهرية - والذي تجاوز كما تم ذكره سابقًا 380 مليار دولار في الوقت الذي تعاني فيه المملكة من عجز في موازنتها السنوية، فالإدارة السعودية ليس لديها أي مانع على الإطلاق في أن تستعيد دورها الإقليمي وتقوي جبهتها الخارجية في مواجهة خصومها السياسيين في سوريا واليمن بأي ثمن.
السعودية اذن تعتقد انها ربحت . فماذا عن قضايا العرب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ؟