افراسيانت - أشرف الصباغ - تمر الذكرى الأولى لسقوط طائرة الركاب الروسية في سيناء، والتي راح ضحيتها 224 مواطنا روسيا، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وسط اهتمام روسي – مصري واسع.
استقبال الذكرى الأولى لهذا العمل الإرهابي المروع يعكس جملة من الرسائل المهمة التي توجهها كل من موسكو والقاهرة، ليس فقط إلى الإرهاب الدولي، بل وإلى داعميه ومموليه وأنصاره.
لقد راهنت أطراف بعينها على انهيار العلاقات بين روسيا ومصر، ولعب الكثير من وسائل الإعلام، بما فيها الروسية والمصرية دورا سلبيا للغاية وبطرق وأساليب مختلفة، وعولت شركات السياحة من الدول الأخرى على توسيع حصتها على حساب حصة مصر. بل وذهبت الأمور إلى أن مجموعات مصالح بعينها (في السياسة والبيزنس) في البلدين حاولت تسخين الرأي العام لمصالح لا تتعلق بالضحايا، بقدر ما تتعلق بالبيزنس وبتوجهات سياسية معينة. وقد قامت قائمة وسائل الإعلام المصرية، وأصابها الهوس الذي انتقل بدوره إلى قطاعات كثيرة في المجتمع المصري. وهو ما عكس حالة من الهستيريا ضد روسيا والروس، وبدأ يصب في القناة التي شقها ومهد لها الإخوان المسلمون ووسائل إعلامهم من جهة، ومجموعات المصالح وشركات السياحة المنافسة للشركات المصرية من جهة أخرى.
لقد تحدث الرئيس الروسي بوتين في اجتماع أمني في الكرملين صباح الثلاثاء 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، حيث أعلن عن علاقة حادث الطائرة بعمل إرهابي. وقال أيضا إنه في حال قامت بعض الأطراف أو المنظمات بإعاقة روسيا عن ملاحقة الإرهابيين، فإنه يحق لروسيا استخدام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وفي مساء اليوم نفسه، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا مهما أكدت فيه أنه نظرا للأعمال الإرهابية التي ضربت لبنان وفرنسا وتركيا ومصر، على الترتيب، فإن روسيا في هذه الظروف يمكنها أن تتحرك وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
لم يكن هناك أي حديث عن مصر، ولا عن سيناء، في تصريحات الكرملين والخارجية الروسية. ولا تخصيص أو تحديد لمصر أو سيناء. ولكن حالتي الهوس والهستيريا اللتين أصابتا وسائل الإعلام وانتقلتا بدورهما إلى قطاعات واسعة قلبت كل شيء، لنكتشف فجأة أن روسيا قد تهاجم مصر، وأن روسيا قد تقصف سيناء، وأن روسيا قد تحتل ربوع البلاد، وأن روسيا لديها نوايا من هذا النوع أو ذاك! وقد أجرى وزيرا خارجية مصر وروسيا اتصالا هاتفيا يوم الثلاثاء 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وأعقب ذلك اتصال هاتفي بين رئيسي الدولتين. أي ببساطة، هناك حوار آخر على مستوى عال يتسم بالهدوء والاتزان والعقلانية علي الرغم من كل "الجهود" التي بذلتها وسائل الإعلام، وكل الممارسات التي قامت بها "مجموعات المصالح"، سواء كانت سياحية أو سياسية.
وقبل يوم واحد فقط من كشف روسيا عن أسباب تحطم الطائرة، لفت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قمة العشرين التي انعقدت في تركيا، إلى أن روسيا كشفت خلال القمة عن أمثلة لتمويل الإرهابيين في سوريا من قبل أشخاص من 40 دولة، بما فيها دول من "مجموعة العشرين". كما بعثت برسائل إخرى إلى دول كبرى لا تتورع عن استخدام الإرهاب واستثمار نتائجه. لقد أعلن بوتين أن تفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء هو من ضمن الأعمال الإرهابية الأكثر دموية في تاريخ روسيا. وقال "إننا لن نستطيع أن نمسح الدموع عن أرواحنا وقلوبنا وسيظل ذلك معنا، ولكنه لن يحول دون العثور على المجرمين ومعاقبتهم". هذا التصريح يذكرنا جيدا بتصريحات السلطات الروسية أثناء حربها ضد الإرهاب في شمال القوقاز والتي استمرت طوال حوالي عشر سنوات عبر حربين متتاليتين. يذكرنا جيدا بمآسي مدرسة بيسلان، ومسرح دوبروفكا، ومستشفى بوديونفسك، وعشرات الأحداث المأساوية التي طالت روسيا، بينما كان الدعم المالي والسياسي، والسلاح والكوادر، يأتي من الغرب والشرق لإقامة "الدولة الإسلامية" في شمال القوقاز، في الوقت الذي كان فيه الغرب يتحدث عن "ضرورة إقامة دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة"!
مر عام كامل على هذه المأساة، ولا تداعيات أو آثار على العلاقات، ولا على طبيعتها بين البلدين. ولم تتدهور العلاقات بين روسيا ومصر، وذلك بعد أن هدأت وسائل الإعلام أمام تصميم قيادتي البلدين على الالتزام بالهدوء والعقلانية والتعامل بحكمة مع هذه المأساة. إذ أن أحد أهم أهداف هذا العمل كان وضع مصر على قائمة الدول التي أصبح فيها مستوى الإرهاب يهدد الدول المجاورة، ومصالح الدول الكبرى وحياة مواطنيها. هذه الأمور لها ما يقابلها في قوانين ومواثيق الأمم المتحدة. وبالتالي، فالاعتراف والشفافية والجدية، والإسراع باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لعب دورا مهما لإفشال كل تلك المحاولات من جانب، سواء تيارات وقوى سياسية في الداخل أو الخارج، أو مجموعات مصالح داخلية ودول خارجية من جانب آخر.
على العكس تماما، فعلى الرغم من مأساوية الحادث لكل من روسيا ومصر، إلا أن علاقات موسكو والقاهرة تطورت بشكل ملموس، وقطع الجانبان شوطا كبيرا في التعاون على عدة اتجاهات، منها العسكري – التقني، ومنها النووي السلمي، ومنها التجاري – الاقتصادي. بل ونجحت الدولتان في إجراء مناورات بحرية هي الأولى بين روسيا ومصر، وكذلك مناورات برية مشتركة لقوات الإنزال. ومع ذلك لا تكف مجموعات المصالح عن التفسيرات الملتوية لمسار التعاون بين البلدين، ولا تتوانى لوبيات البيزنس عن دق الأسافين والتشكيك في المشروعات المزمع إنجازها. بل وتواصل وسائل الإعلام من الجانبين التركيز على تفاصيل من شأنها التشكيك في الإرادة السياسية لقيادتي روسيا ومصر، والتعامل بسطحية وبساطة، وربما بتآمر، مع الأخبار والتصريحات الروسية والمصرية، وكان آخرها الخلافات التي ظهرت بشأن توريد القمح الروسي إلى مصر، وتوريد الفواكه والخضروات المصرية إلى روسيا.
الذكرى الأولى لمأساة طائرة الركاب الروسية التي "لن ينساها أحد"، ولن يتجاهل نتائجها وتداعياتها أحد، تمر اليوم، تزامنا مع اهتمام واضح من البلدين بالتعبير عنها، وحرص على تفادي تكرارها. في هذا الصدد تحديدا، أعلنت الإدارة الرئيسية لمتابعة القضايا الهامة التابعة للجنة التحقيق الفيدرالية الروسية، أن موسكو تواصل تقصي المعلومات بشأن العملية الإرهابية من أجل تحديد المسؤولين عن تلك الجريمة الإرهابية لتقديمهم للعدالة.