افراسيانت - بقلم: محمد أبو لبدة - يعتبر الراحل نيلسون مانديلا من ابرز المناضلين في العالم ضد الفصل العنصري حيث قاد شعبه من خلال المؤتمر الوطني الافريقي نحو التحرر من ثاني اكبر نظام فصل عنصري في العالم بعد دولة الاحتلال الاسرائيلي التي استفادت من هذا النظام البائد وطبقت تجربته العنصرية على شعبنا الفلسطيني مع ابتكار الاحتلال الاسرائيلي لوسائل عنصرية اخرى تفوق ما ابتدعه النظام العنصري البائد في جنوب افريقيا.
كما يعتبر مانديلا احد اهم رموز الحرية في العالم، فقد امضى في سجون الفصل العنصري نتيجة نضالاته ٢٨ عاماً، والتي شكلت في حينه اكبر فترة حكم يقضيها مناضل من اجل الحرية في السجون، الا ان النظام الاسرائيلي الاحتلالي والاقتلاعي فاق النظام العنصري البائد في سنوات اعتقال الأسرى الفلسطينيين في سجونه ومعتقلاته الشبيهة بسجن الباستيل سيىء الصيت في فرنسا ابان حكم الإقطاع.
وقد زادت شعبية هذا الراحل لكونه رغم سنوات السجن الكثيرة، الا انه استطاع تحقيق الاستقلال والمساواة لشعبه، جراء اصراره على هزيمة النظام العنصري البائد، ولكونه انتخب رئيساً للبلاد بعد هذا النضال، لفترة رئاسية واحدة لمدة اربع سنوات، وترك الرئاسة بعد ذلك للمؤتمر الوطني الافريقي ليختار خليفة له رغم انه كان باستطاعته البقاء في الحكم مدى الحياة كغيره من قادة النضال في العالم، الا انه آثر ان يعطي الدور لغيره، والتفرغ لقضايا اخرى تهم شعبه والعالم خاصة القارة الافريقية.
ولأن الراحل مانديلا كان من ابرز المؤيدين للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي وقال مقولته المشهورة عندما تحررت بلاده من النظام العنصري البائد، حيث قال: نحن نعلم جيداً ان حريتنا ناقصة من دون حرية فلسطين، ونظراً لتأييده لكافة حركات التحرر في العالم، فإن اسمه في فلسطين قاطبة معروف للصغير والكبير بطلاً من ابطال الحرية الذي يقتدى به لدى شعبنا بصورة عامة ولدى الأسرى الفلسطينيين بصورة خاصة.
وبمناسبة اعتزام بلدية رام الله وضع نصب ضخم لهذا المناضل في ميدان تم اطلاق اسمه عليه في منطقة الطيرة، عرفاناً منها ومن شعبنا بمواقف هذا المناضل من القضية الفلسطينية، فإنه لا بد لنا من الحديث بإيجاز عن الاسباب التي أدت الى نجاح الافارقة بازالة نظام الفصل العنصري من بلادهم في حين لم تنجح الثورة الفلسطينية حتى الآن في تحقيق اهداف شعبنا في الحرية والاستقلال الناجزين، رغم اوجه الشبه العديدة بينهما:
١ - في جنوب افريقيا لم يطالب المؤتمر الوطني الافريقي الوطني بالانفصال عن البيض الذين كانوا يحكمون البلاد، بل كانوا يطالبون بالمساواة في اطار نظام ديمقراطي واحد. في حين ان الثورة الفلسطينية بدأت برفع شعار اقامة الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة على كامل ارض فلسطين التاريخية، ثم جاءت بالبرنامج المرحلي ثم باتفاقات اوسلو واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ٢٢٪ من ارض فلسطين، وهي في طريقها للتنازل عن جزء من هذه الارض تحت وطأة الضغوط الدولية والممارسات والانتهاكات الاسرائيلية.
٢ - وحدة الحركات والقوى العاملة على الغاء العنصرية وتحقيق المساواة الكاملة في اطار المؤتمر الوطني الافريقي، في حين ان الثورة الفلسطينية بدأت بتشكيل جبهة وطنية في اطار منظمة التحرير التي انضوت فيها كافة الفصائل والحركات، الا اننا نلاحظ اليوم وجود عدة قوى فاعلة خارج هذا الاطار الموحد، بل تجد ايضاً الانقسام الأسود المدمر وانعكاساته السلبية على القضية الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني.
٣ - تغيير اساليب النضال وفقاً للظروف والمتغيرات، وفي احيان كثيرة الجمع بين جميع هذه الاساليب العسكرية والسياسية والجماهيرية.. الخ. في حين ان الثورة الفلسطينية بدأت بالاعتماد فقط على اسلوب الكفاح المسلح، ومن ثم انتقلت الى المفاوضات والتنازلات والتنسيق مع الاحتلال وفقاً لاتفاقات اوسلو التي تنتقص من حقوق شعبنا الوطنية الثابتة.
٤ - الثبات والوضوح في موقف المؤتمر الوطني الافريقي في الهدف الاستراتيجي من النضال وهو الغاء العنصرية وتحقيق المساواة. بعكس الثورة الفلسطينية التي بدأت كما اشرنا بهدف استراتيجي هو اقامة الدولة العلمانية الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني، ليصل بها الأمر الآن الى المطالبة بإقامة الدولة على ٢٢٪ من الأرض الفلسطينية.
٥ - قدرة المؤتمر الوطني الافريقي على تجنيد دعم دولي صوب هدفه الاستراتيجي، رغم وقوف عدة دول اوروبية وفي مقدمتها بريطانيا ضد هذا الهدف، لدرجة ان مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في عام ١٩٧٨م، قالت ان مانديلا لن يصبح رئيساً لجنوب افريقيا، في حين ان الثورة الفلسطينية لم تستطع تجنيد هذا الدعم الدولي لعدة اسباب من ابرزها الدعم الاميركي اللامحدود لاسرائيل واقامة تحالف استراتيجي معها، والتنازلات التي قدمتها الثورة الفلسطينية الى جانب الانقسام المدمر.
٦ - نجاعة قيادة النضال في جنوب افريقيا، حيث استطاعت تجنيد ليس فقط اهالي البلاد الاصليين، بل ايضاً ما تبقى من المستعمرين الذين جلبتهم معها بريطانيا لدى استعمارها لجنوب افريقيا والذين من بينهم مسلمون من ماليزيا.
٧ - الصراع في جنوب افريقيا لم يكن دينياً، حيث تبنى الافارقة ديانة المستعمر ولغته، لذا لم يحدث اي تغيير على لغة البلاد او ديانتها لا قبل ولا بعد هزيمة النظام العنصري، في انه بالنسبة للفلسطينيين فإن الخلاف يشمل كل شيء وخاصة اللغة والدين والاسم.
٨ - في جنوب افريقيا كان اغلبية السكان من الافارقة ٨٠٪، والمستعمرين ٢٠٪ والآن عددهم ١١٪ فقط، في حين ان اسرائيل استفادت من تجربة جنوب افريقيا وطردت وشردت المواطنين الفلسطينيين ليصبح عدد اليهود الذين جلبتهم من مختلف بقاع العالم ٨٠٪ والفلسطينيين الاصليين ٢٠٪ فقط.
٩ - ارتكبت الثورة الفلسطينية والدول العربية المحيطة بفلسطين سلسلة اخطاء تكتيكية واستراتيجية حيث حولت دولة اسرائيل من دولة معتدية الى ضحية تنتظر التطمينات من الفلسطينيين والعرب، في حين كان المؤتمر الوطني الافريقي ومعه الدول الافريقية المجاورة يصعدون في مواجهتهم لنظام الفصل العنصري حتى تم اسقاطه.
١٠ - حرصت الحركة الصهيونية ووليدتها اسرائيل على تجنيد الجمهور الاسرائيلي بأكمله ضد الفلسطينيين والدول العربية المجاورة او دول الطوق، بحيث يواجه العرب والفلسطينيون مجتمعاً اسرائيلياً عسكرياً، وليس فقط الجيش الاسرائيلي.
١١ - المستعمرون في جنوب افريقيا لم يطردوا السكان الاصليين، بل ابقوهم في البلاد رغم انهم عزلوهم في كانتونات، في حين ان اسرائيل شردت وطردت الفلسطينيين من ديارهم وها هي تقوم بعمليات فصل سواء من خلال جدار الفصل العنصري او من خلال الهجمة الاستيطانية الشرسة وتحويل الضفة الغربية الى كانتونات (معازل) متفرقة ليس من تواصل بينها.
١٢ - قرارات حزب المؤتمر الوطني الافريقي كانت تتخذ بشكل ديمقراطي، في حين القرارات الفلسطينية كانت تتخذ بشكل منفرد اي ان التنظيم المسيطر هو الذي يتخذ القرارات بصورة منفردة.
١٣- في جنوب افريقيا تم تسخير كافة طاقات وإمكانات الشعب خدمة للثورة في حين في فلسطين لدينا فساد.
١٤- شكلت ولا زالت الولايات المتحدة حاضنة لإسرائيل تدافع عنها في جميع المحافل والمنظمات الدولية وتحول دون اصدار اية قرارات دولية مناهضة لها.
واستناداً الى ما سبق، فإن هذه الاسباب هي التي ادت الى نجاح جنوب افريقيا في اسقاط نظام الفصل العنصري، في حين لم ينجح الفلسطينيون في تحقيق اهدافهم حتى الآن.
صحيح ان سقف الاهداف بين الثورتين فيه تباينات حيث ان سقف النضال الوطني الفلسطيني هو أعلى من سقف النضال في جنوب افريقيا، لأن سقف النضال في جنوب افريقيا هو الاصلاح، ولكن في فلسطين ازالة آثار المشروع الصهيوني في فلسطين الأمر الذي يتطلب نضالاً مستمراً ومتواصلاً ومدعوماً عربياً واسلامياً وعالمياً.
وباختصار شديد فإن دولة الاحتلال الاسرائيلي استفادت من نظام الفصل العنصري بحكم العلاقات التي كانت بينهما وطبقته على الجانب الفلسطيني مع سد بعض الثغرات التي كانت هناك لإحكام قبضتها على الفلسطينيين، في حين لم يقم الجانب الفلسطيني بدراسة جدية لتجربه جنوب افريقيا للاستفادة منها في التخلص من الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق الاهداف الفلسطينية.
فتجربة جنوب افريقيا في تحقيق الانتصار على النظام العنصري تستحق الدراسة الجدية للاستفادة منها في تحقيق النصر على الاحتلال الاسرائيلي وهزيمته.
ينشر بالتزامن مع صحيفة القدس