افراسيانت - هل يمكن أن يتصور كيف تغرق الكرة الأرضية في المياه الناتجة عن ذوبان الجليد من المحيط المتجمد الشمالي والقارة المتجمدة الجنوبية؟ قد لا يستوعب الخيال ما يمكن أن يقع في هذه الحالة، وقد لا يسأل إن اقتنع بأن كوكبنا قد يغرق في مياهه عن سبب ذلك، في حين أن العلماء يؤكدون في دراساتهم المتتالية أن الأنشطة البشرية مسؤولة عن 95 في المئة على الأقل من الانبعاثات الغازية التي تساهم بدورها في ظاهرة الاحتباس الحراري وزيادة درجة حرارة الكوكب وتآكل طبقة الأوزون.
تامبا (الولايات المتحدة) – حذّر فريق من العلماء من أن ذوبان الجليد في القارة المتجمدة الجنوبية يجري بوتيرة أسرع بستّ مرات مما كان عليه قبل أربعين عاما، وهو ما يسبب المزيد من الارتفاع في منسوب البحار والمحيطات.
ومع الذوبان المتسارع لكتل الجليد في القطب الشمالي أيضا، سيؤدي ذلك إلى إضافة عشرات الأطنان من المياه في مستوى المحيطات سنويا، وستتغير خارطة العالم خاصة المناطق الساحلية المكتظة بالسكان.
وقد أدى ذوبان الجليد في القارة الجنوبية حتى الآن إلى رفع منسوب البحار في العالم 1.4 سنتيمتر منذ العام 1979، بحسب تقرير نشر في مجلة الأكاديمية الأميركية للعلوم.
الوتيرة المتوقعة لذوبان الجليد في السنوات المقبلة تقلق العلماء من ارتفاع أكبر في منسوب المحيطات، ومزيد إطلاق الغازات في الغلاف الجوي التي تسبب الاحترار وتفاقم مشكلة تغير المناخ.
تقول الدراسات العلمية إن زيادة الاحترار العالمى بمقدار 2 درجة مئوية ستساهم في ذوبان أكثر من 40 في المئة من الجليد على الأرض، ويؤكد العلماء ارتفاع منسوب البحار مترا و80 سنتيمترا مع حلول العام 2100، وهو الاحتمال الأسوأ من أن يؤدي ذلك إلى إغراق مدن ساحلية يعيش فيها الملايين من السكان في العالم.
وقال إريك ريغنوت الباحث في جامعة كاليفورنيا “نتوقّع أن يبلغ ارتفاع منسوب المحيطات أمتارا عدة في القرون المقبلة”، رغم أن علماء المناخ لم يتوقعوا من قبل أن تفقد منطقة القطب الجنوبي جليدها بسرعة بالغة.
واعتمدت الدراسة الجديدة التي نشرت خلاصتها الاثنين، على صور جويّة دقيقة التقطتها طائرات تابعة لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وصور من الأقمار الاصطناعية. وتوصلت إلى أن القارة الجنوبية فقدت بين العامين 1979 و1990 أربعين مليار طن من الجليد سنويا، وارتفعت هذه الكمية إلى 252 مليار طن بين العامين 2009 و2017.
وقال أندرو شيبارد العالم المسؤول عن دراسة قياس ذوبان القطب الشمالي، “كانت لدينا شكوك منذ وقت طويل في أن تغير مناخ الأرض سيؤثر على القطب الجليدي.. بمساعدة أقمارنا الصناعية يمكننا الآن بثقة رصد اختفاء الجليد ومساهمته في ارتفاع منسوب مياه البحر”.
وأضاف شيبارد، واصفا معدلات الذوبان بأنها مفاجئة، أن نتائج الدراسة “يجب أن تسبب قلقا للحكومات التي نثق في أنها ستحمي مدننا الساحلية ومجتمعاتنا”.
ويرجع العلماء ذوبان الجليد إلى تغير أنماط الرياح وتيارات أمواج المحيط إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وزيادة درجة حرارة الكوكب وتآكل طبقة الأوزون في الغلاف الجوي للأرض، مضيفين أنه يحتمل أن تكون الأنشطة البشرية مسؤولة عن 95 في المئة على الأقل من الانبعاثات الغازية وليس التغيرات الطبيعية في أنماط المناخ.
العلماء يدقون ناقوس الخطر
ومع التزايد المستمر لمستويات ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي، وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة لذلك، فإن مستوى سطح البحر والمحيطات قد ارتفع فعلا بمعدل 15 إلى 20 سنتيمترا في المئة عام الأخيرة بحسب الدراسات المتخصصة.
القطبان الشمالي والجنوبي مختلفان في تركيبتهما، فالشمالي عبارة عن محيط ذي سطح متجمد، في حين أن الجنوبي، قارة يابسة تكسوها طبقات الثلج، رغم ذلك فإن ذوبان الجليد فيهما سيؤدي إلى تداعيات بيئية واجتماعية وديموغرافية وجيوسياسية، واسعة النطاق على صعيد العالم.
ويصل سمك الجليد في القارة الجنوبية المتجمدة والتي تسمى أيضا أنتاركتيكا إلى أكثر من كيلومترين في بعض المناطق، وتصل درجة الحرارة إلى نحو 37 درجة مئوية تحت الصفر، وإذا ذاب جليد هذه المنطقة، فسيرتفع مستوى البحر حول كوكب الأرض بمعدل 61 مترا، وهذا معدل كاف لإغراق الكثير من المدن الساحلية مثل سان فرانسيسكو وكاليفورنيا ونيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، ولندن وكوبنهاغن والبندقية في أوروبا.
وكشف تقرير صدر عن الأمم المتحدة في 2017، أن أكثر المدن المهددة بالغرق حول العالم هي مدينة أوساكا اليابانية، والإسكندرية بمصر، وريو دي جانيرو البرازيلية، وشنغهاي بالصين، وميامي بالولايات المتحدة.
ولن يكون الوطن العربي بمعزل عن هذه الظاهرة، إذ من المتوقع أن تغرق مدن ساحلية عديدة إضافة إلى الإسكندرية، مثل، جدة ودبي، إضافة إلى القاهرة وبغداد بسبب فيضان النيل ودجلة على التوالي.
وعلى الرغم من أن نظريات علماء المناخ ترى أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي لن يؤثر على مستوى سطح البحر لأن الجليد يزيح ما يعادل حجمه من ماء المحيط، إلا أن ذوبان الجليد المتراكم فوق جزيرة غرينلند تحديدا قد يرفع من مستوى سطح البحر بمعدل 7 أمتار أخرى.
وأظهرت دراسات نشرت في 2018، أن معدل ذوبان الطبقة الجليدية في القطب الشمالي تسارعت 3 مرات خلال الخمس سنوات الماضية، حيث بلغ معدلا غير مسبوق في تاريخ رصد ذوبان الجليد وربطه بآثار تغير المناخ في الكرة الأرضية.
وذكرت إحدى الدراسات أن الرصد أظهر فقدان القطب الشمالي 76 طنا من الجليد سنويا قبل عام 2012 ما يسهم في ارتفاع منسوب البحر 0.2 متر كل عام، لكن منذ ذلك الحين ارتفع معدل الذوبان إلى 219 طنا سنويا ما ساهم في ارتفاع منسوب البحر 0.6 متر.
ويحذر علماء المناخ من أنه إذا لم يتم اتخاذ تحرك طارئ خلال العقد القادم، سيسهم ذوبان الجليد في ارتفاع منسوب مياه البحر عالميا بمقدار 25 سنتيمترا وبأكثر من متر بحلول عام 2070، ما سيؤدي في النهاية إلى انهيار الغطاء الجليدي للقطب الشمالي بشكل كامل وارتفاع منسوب البحر بمقدار 3.5 متر.
لكن يقول العلماء إن ذوبان جليد القطب الشمالي سيعود بالنفع على شركات الملاحة البحرية، ذلك أن تفكك المحيط المتجمد الشمالي سيفتح طرقا بحرية أقصر بين القارة الأوروبية والأميركية لأول مرة في التاريخ الحديث، ما سيحدث ثورة في التجارة وسيؤدي إلى ازدهار موانئ جديدة واندثار أخرى في تأثير تاريخي مشابه لاكتشاف رأس الرجاء الصالح على خارطة العالم، متوقعين أن يتسبب ذلك في حرب باردة بين الدول ذات المصالح المشتركة في القطب الشمالي. وسيساهم هذا في ازدياد حرارة المياه، وستكون تأثيراته وخيمة على النباتات والحيوانات المعتمدة على الجليد.
إن ما يجري في القطب المتجمد الشمالي والقارة الجنوبية المتجمدة لا يخص منطقة دون غيرها، بل يشكل قضية عالمية لا سيما عندما يتعلق الأمر بتغيير المناخ، فالجليد في القطبين يختلف حاليا اختلافا كبيرا عما كان عليه حتى قبل عقد من الزمن، يقول العلماء إنه مثّل في السابق ثلاجة كوكب الأرض، ولكن ومع مرور الوقت ترك باب الثلاجة مفتوحا.