افراسيانت - يتحدى الفنان المسرحي المقدسي المتألق حسام ابو عيشة نفسه، ويأخذ المشاهد في نزهة من الذكريات الحميمة عبر 70 دقيقة من الفن الدرامي – المينودرامي المكثف، فيما يصر على تسميتها حدوتة "قهوة زعترة " وليس مقهى زعترة التاريخي الذي دبت فيه الحياة عام 1938 من القرن الماضي وأسدل ستائره في عام 1979 من نفس القرن، بعد اكثر من 40 عاما من الحياة الثقافية والاجتماعية الزاخرة بعبق القدس وفلسطين. وكان المقهى أغلق لمدة عامين عام 1977 من قبل سلطات الاحتلال، وأبعد صاحبه خليل زعترة لمدة عامين الى الاردن.
ولكن لماذا "قهوة زعترة "؟ سؤال حاد يطرحه هذا الفنان العبقري الذي "يسحبنا" بسلاسة الى زمن صرنا نحنّ نرنو اليه بحسرة وشغف وحنين.
يجيب الفنان ابو عيشة على هذا التساؤل بقوله: "قهوة زعترة، كانت اكبر مقهى في القدس القديمة تتسع لـ 500 زبون، ثلثهم، اعتادوا تناول فنجان القهوة والارغيلة يوميا، وحوالي 50 لكل واحد منهم كرسيا خاصا به وارغيلة مرهونة باسمه خص نص. ويفتح (المقهى) أبوابه من بعد صلاة الفجر حتى العاشرة ليلا، واول زبائنه ورواده من صعاليك القدس، ومنهم ايزنهاور، وشقيقه الشيخ عبد، وابو منصور، وابو حسن بلل، وتكسي وز ابو العز، والعم جريس. كما وتميز بزبائنه من مختلف طبقات وشرائح الشعب من البسطاء وعليّة القوم، فلاحين وفلاحات يجسلن امام بوابته الخارجية ويحتسين القهوة والشاي، وعمال مياومة يبحثون عن الرزق، وكبار تجار القدس ورام الله ونابلس، وعدد كبير من مخاتير ووجهاء القدس ورام الله وبيت لحم، وضباط متقاعدون من العهدين العثماني والبريطاني، وأطباء ومدراء مدارس وشخصيات قيادية مجتمعية ذات استقلالية".
دور ريادي مقدسي ..!
يتقمص الفنان ابو عيشة باقتدار 16 شخصية مقدسية لها بصمات في العمل العام في المدينة، او تمتاز بحالة خاصة في مشهدية القدس عبر عقود طويلة في مقهى او " قهوة " اخذت دورا اجتماعيا فاعلا من " عقد الصلحات" بين العائلات المتخاصمة الى اجتماعات سياسية وندوات ذات طابع اجتماعي ، تناقش احوال البلد على هذا الصعيد، الى دور في توزيع المنشورات الوطنية في فترة ما ، كما كان الحال مع كشك الراحل عمير دعنا، خصوصا في فترة السبعينات، وانطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية بزخم كبير آنذاك.
ويواجه الفنان المتمكن والمخضرم ابو عيشة تحديا مهولا، اذ تجرأ بعد 40 عاما من العمل الفني و المسرحي على تجسيد شخصياته عبر اسلوب المسرح المونودرامي، اي الشخصية الوحيدة في العمل، وهو ما يتطلب مهارات وقدرات فنية عالية ذات قدرة على تقمص الشخصيات وتطويعها لخدمة البناء الفني والدرامي الغني والمركب..! ويستمد الفنان قدرته على التجسيد الفني المبدع من خلال عمله " تومبكجي" اي صانع ومقدم الارغيلة بالتمباك العجمي الى الزبائن حيث عمل وهو صبي حين كان في الـ 13 من العمر ، بدلا عن والده ، فاحتك بعدد من الشخصيات، أمثال النطاسي البارع انطون ترزي، والضابط المتقاعد صائب نظيف، والتربوي احمد نسيب عبد اللطيف ، مدة طويلة من الزمن في المقهى وتشرب اجواؤه بكل ابعادها ، كما واكب والده من قبل، فاستقى واقتبس منه الكثير، اضافة الى تجربته الشخصية ومعاصرته لجزء من هذا التاريخ بالعمل في المقهى ذاته ، لحوالي عقد من الزمن من 1966- 1976..!
ويرى الفنان ابو عيشة ان رسالة المسرحية هي تسليط الضوء على جزء مهم من تاريخ انقطعت عنه الاجيال اللاحقة ، فجيل 16 عاما اليوم ، يجهل هذا التاريخ ولا يعرف المكان الذي يعيش فيه بتفاصيله وغناه التاريخي وكيف كان وماذا اصبح الان ؟ "فلا بد من اعادة الوصل بين مختلف الاجيال، وهذه هي رسالة القدس حاضنتنا جميعا، القدس تغّذينا روحيا وتزرع الامل فينا من جديد، احاول ان اقدم خلاصة تجربتي الانسانية اجتماعيا وسياسيا ومدى ارتباطي بهذه المدينة العظيمة الساحرة ، مدينة الروح . فهي روح الروح ! وأهم ربما من ذلك ، ان القدس ليست حجرا وانما بشرا، فالبشر قبل الحجر، واتمنى ان تصل الرسالة للمشاهدين والمتفرجين الذين عليهم اكتشاف الزوايا والابعاد الخاصة بهم، كل من منظوره ورؤياه الخاصة والحرة ، لتكتمل الدائرة .. حينها يغوص المشاهد في تفاصيل القدس الانسانية العابقة بالحياة ويسرع ويجّد في البحث عن فردوسه المفقود".
وأنهى الفنان ابو عيشة حديثه بالقول "نحن امام حدوتة طازجة، صاعدة من أتون القدس العتيقة، سيكون عرضها الافتتاحي في مهرجان عكا القديمة الدولي للمسرح اوائل شهر تشرين اول القادم ، تتناول تجربة 5 نساء و 11 رجلا مقدسين".
والعمل الفني من تأليفه وتمثيله وبناء درامي واخراج الفنان كامل الباشا ومساعد اخراج شادن سليم ، فيما قدّم المسرح الوطني الفلسطيني – الحكواتي- مشكورا قاعاته للتدريبات والبروفات.