افراسيانت - القدس - "القدس" دوت كوم - زكي ابو الحلاوة - تشهد القدس حالة معمارية فريدة من نوعها وتغيرات متوالية جاءت تباعاً لمستوى المدينة وتشعباتها السكنية ، ضمن الاحياء والازقة الملتوية العديدة في القدس ، وترافق مع المعمار المقدسي اهتمام وافر باعمار الطرق والعقبات والمدرجات المنبثقة ضمن العقبات خاصة في الحيين الاسلامي والمسيحي في المدينة المقدسة داخل الاسوار .
ويقول الباحث في تاريخ القدس الاستاذ روبين ابوشمسية ل "القدس" ان اولى مراحل الترصيف تلك التي تمت في الفترة الرومانية وحصراً في القرن الثاني الميلادي أي فترة بناء هادريان لمدينة ايليا كابيتولينا ( القدس الرومانية ) في مستوى ينخفض عن مستوى المدينة الحالي باربعة امتار تقريباً ، مضيفا انه لما تمت عمليات الحفر الاثري في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ، اكتشفت اجزاء مختلفة من التبليط للمدينة في كل من شوارع الكاردو( الشارعان المتجهان من الشمال الى الجنوب أي باب خان الزيت وطريق الواد ) والديكامانوس( الشوارع المتجهة من الغرب الى الشرق) ضمن خارطة القدس المعمارية التي صممت على الطريقة اليونانية والبناء بالطريقة الهيبودامية او المدن الشبكية.
وتابع يقول :" لذلك تم رفع مستوى بعض الحجارة الى المستوى الحالي للمدينة حيث نشاهد ذلك في طريق الواد وطريق حارة النصارى وبعض الطرق المتفرعة في ما يسمى اليوم حارة اليهود ."
التبليط الاموي ...
اما المرحلة الثانية في التبليط ، فكانت في المرحلة الاسلامية المبكرة أي العهد الاموي حيث نشاهد بقايا التبليط الاموي للمدينة من ذلك العهد في كل من الحي الاسلامي وخاصة العقبات شمالي الحرم ، والمرحلة الثالثة جاءت تباعا في الفترات الصليبية والايوبية والمملوكية التي بقي الجزء الاكبر منها في الحيين الاسلامي والمسيحي .
واشار الى ان من شواهد المراحل السابقة بلاط طريق حارة النصارى وطريق مار فرنسيس وبقية الطريق المتفرعة الممتدة والمتشعبة داخل الحي المسيحي .
المرحلة الرابعة ....
واوضح الباحث ابو شمسية ، ان المرحلة الرابعة الواضحة معمارياً في ازقة القدس من حيث تبليط الشوارع والعقبات والازقة في احياء المدينة المختلفة فكانت في العهد العثماني حيث تميز التبليط برصف الطرق بحجارة صغيرة او متوسطة مستطيلة متناسقة من حيث الحجم ومصقولة والتي اخذت من المحاجر المقدسية والمحاجر المحيطة بالقدس والتي سميت بعد صقلها بالحجر المزي الذي تميز بلمعانه وتماوج الونه من ابيض الى احمر الى ارجواني.
بلاط حديث ....
ولفت الى انه في السبعينيات من القرن الماضي عمدت بلدية القدس الاسرائيلية في مشروع شامل الى ازالة بلاط القدس العثماني واستبداله ببلاط حديث في معظم احياء المدينة غير انها تركت بعض الشوارع محتفظة بالبلاط العثماني مثل طريق المجاهدين وجزء من العقبات في الحيين الاسلامي والارمني وبعض طرق ما يسمى "حارة اليهود" اليوم، بينما رفعت بعض البلاطات من شوارع البلدة القديمة في العهد الروماني الى المستوى الحالي والتي تميزت بكبر حجمها وصقلها ونشاهد ذلك واضحا في اجزاء صغيرة في شارع الواد وطريق حارة "سويقة اليهود" والساحة المركزية في الحي اليهودي واجزاء في حارة النصارى .
وبين الباحث في تاريخ القدس ، ان التبليط في الفترة الحديثة تميز اما باستخدام الحجر المستطيل المنقور او الحجارة الصغيرة المنقورة ومعظمها من الحجارة الجيرية التي تناسقت مع مفهوم العمارة العثمانية بعيدا عن الصقل بسبب صعوبة السير على الحجر المصقول خاصة في فترات نزول الامطار.
العهد العثماني المتأخر ....
واشار الى انه في العهد العثماني المتأخر " فترة الاصلاحات العثمانية وفترة عبد الحميد الثاني أي مرحلة خروج البناء خارج الاسوار في الاحياء المحيطة بالبلدة القديمة وخاصة في الجهات الثلاث الشمالية والغربية والجنوبية وتحديدا في طريق عقبة المنزل وحي الشيخ جراح وحي المصرارة ونسيبة والمسعودية وحي الحسينية وحي باب الساهرة وحي الداودية أي حي النبي داود" ايضاً طال الترصيف اجزاء مختلفة من الشوارع المحيطة بالاسوار من الخارج في العهد المذكور ولا تزال بعض الارصفة تشهد على المعمار العثماني المتأخر ، وفي الفترة الاردنية حيث استحدثت الحكومة شارع صلاح الدين . وتم ايضا الكشف عن تبليط عثماني في اجزاء كثيرة منه ، ما لبثت بلدية القدس أن ازالته ونقلته الى شوارع ضمن الاحياء اليهودية المختلفة التي نشأت في الفترة العثمانية المتأخرة مثل حي "مشير مونحلات ، شفعه وافن يسرائيل ومئة شعاريم ، واستبدلتها بشوارع مرصوفة بالزفت في منطقة شارع صلاح الدين وعقبة المنزل والمصرارة ، بينما ابقت على البلاط العثماني في حي النبي داود.
حجر جيري ....
وخلص الباحث ابو شمسية الى القول :" عموماً تميز حجر التبليط في مدينة القدس خاصة البلدة القديمة ، بأنه حجر جيري أُخذ من محاجر القدس والذي تميز بثلاث سمات هي : أنه حجر من النوع المسمى بالمالكي حيث يتميز بنسبة عالية لامتصاص الماء والاحتفاظ به، والسمة الثانية صلابته وقدرته على الصمود امام حالات الطقس والتعرية الجوية ، والسمة الثالثة تقبل الحجر المالكي الجيري للصقل والتلميع بسبب احتوائه على بلورات كريستالية لامعة بعد صقلها. وتبقى حالة التبليط لشوارع البلدة القديمة في القدس حالة معمارية خاصة تشهد للقدس بمفهوم حضاري متميز يمنح لها صفة الديمومة المعمارية الناهضة في كل الفترات التي توالت عليها.