افراسيانت - في أي اتجاه تقود الدول الصناعية الكبرى العالم وسط هذا الزخم من الشعارات التي تطالب بوقف تصاعد درجة حرارة الأرض؟ وهل للإنسان أمل في مستقبل آمن فوق سطح الأرض؟ وهل توجد مؤشرات لطمأنة السكان على حالة المناخ في السنوات المتبقية من عمرهم وللأجيال القادمة؟ كل هذه التساؤلات تطرح اليوم بإلحاح بعد أن كشفت التجارب والقمم واللقاءات أن الدول المسؤولة عن التلوث لن تكف عن تلويثها للأرض لأن الأمر غير منطقي بالنسبة إليها.
بالرغم من الهالة الإعلامية التي تحظى بها مؤتمرات حماية البيئة والقمم العالمية لمكافحة الاحتباس الحراري، إلا أن الوضع الكارثي للبيئة العالمية يتعمق يوما بعد يوم وظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض تزيد تعقيدا مع كل إعلان جديد يصدر عن مجموعة الدول الصناعية أو الأمم المتحدة أو القمة العالمية للمناخ. كأن الأمر يأخذ مسارا عكسيا، فكلما أصدرت الدول الصناعية الكبرى تعهدات بالكف عن الصناعات التي تزيد من تلوث المناخ كلما زاد التلوث وزادت الكوارث.
وينتظر العالم انعقاد قمة دول العشرين الصناعية الكبرى في الصين في الأيام القادمة، وزادت مع هذا الانتظار نشاطات الجمعيات المدافعة عن البيئة والداعية إلى مكافحة الاحتباس الحراري. وفي هذا السياق، أكد خبراء في حماية البيئة ضرورة بذل الدول الأعضاء بمجموعة العشرين المزيد من الجهود ضد التغير المناخي الذي يعتبرونه خطرا على الأرض.
وعبر الباحثون عن مخاوفهم الشديدة من الخطط الرامية إلى إنشاء مفاعلات طاقة جديدة تعمل بالفحم والتي ستؤدي إلى استخراج كميات مضاعفة من الفحم مما يجعل “من المستحيل فعليا”، حسب رأيهم، تحقيق الهدف الرامي إلى الحد من الاحتباس الحراري للأرض، بحيث لا يتجاوز درجتين مئويتين. جاء ذلك في دراسة دولية أجرتها مجموعة شفافية المناخ “كلايمت ترانسبيرانسي” وقدمت نتائجها، الخميس، في بكين.
تعمد معدو الدراسة أن يتزامن الإعلان عن نتائجها مع قمة الدول العشرين الصناعية والناشئة الأقوى اقتصاديا في العالم والتي ستنطلق، الأحد المقبل، وعلى مدى يومين في مدينة هانجتشو شرق الصين، وذلك من أجل جذب انتباه النشطاء ووسائل الإعلام وحتى التيارات والأحزاب السياسية المهتمة بالمسـألة البيئية أو ما يعرف بأحزاب الخضر.
36 بالمئة نسبة زيادة الغازات الدفيئة في الجو ما بين 1990 و2014
"كوب21" هراء
أكد جل الخبراء في البيئة أن التعهدات التي رسمها رؤساء العالم في قمة باريس للمناخ “كوب21” والتي عقدت في أواخر سنة 2015 لن تكون محل تنفيذ بأي شكل من الأشكال، وذلك نظرا لارتباط مصالح الدول الصناعية الكبرى بطاقة الإنتاج التي تحدث حاليا والمتسببة في النسبة الكبرى من الغازات المنبعثة المسببة في الاحتباس الحراري والتلوث وذوبان الثلوج وارتفاع منسوب مياه البحار.
وبذلك فإن عددا من المراقبين والتقارير المتخصصة في البيئة أكدوا أن مؤتمر باريس للمناخ لم يكن سوى مناسبة للاجتماع وتدوين ما يريده الجميع من المناخ دون اتخاذ أي إجراءات تنفيذية في صالح خفض الغازات السامة، بل إن أعدادا من الدول الصناعية الكبرى تزيد من نسق إنتاجها وتصنيعها لمولدات الطاقة التي تعمل بالفحم الحجري والوقود السائل، وهما مصدران خطيران للغازات السامة وخاصة ثاني أكسيد الكربون.
ولئن دعا مؤتمر الـ”كوب21” جميع الدول الغنية والفقيرة إلى التعهد باتخاذ إجراءات بشأن تغيير المناخ بحصر حرارة الأرض في أقل من درجتين مئويتين فوق المستوى الذي كان عليه قبل الثورة الصناعية، إلا أن العديد من المراقبين وحتى هيئات الأمم المتحدة ليسوا متفائلين بتنفيذ هذا التعهد نظرا لرفض اللوبيات الصناعية الكبرى، في الدول ذات الاقتصاد الصناعي، الخضوع لهذا الاجراء، بل إن العديد من الإجراءات التي تتخذها التكتلات الكبرى في العالم تجاه عدد من الدول الفقيرة تعيق تطور تلك الدول نحو الدخول في تجربة التصنيع، وذلك كي لا تصبح الغازات أكثر كثافة وانبعاثا بعد احتكار الدول المتقدمة للصناعة تاريخيا على حساب الدول الضعيفة.
تزايد الخطر
سجلت نسبة الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي رقما قياسيا آخر في عام 2015، وواصلت الارتفاع بشكل حاد وبلا هوادة، الأمر الذي يشكل خطورة على حياة الكوكب والأجيال القادمة.
وأعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في نشرتها حول غازات الاحتباس الحراري أن ما بين عامي 1990 و2014 بلغت الزيادة في الاختلال الإشعاعي (أي تأثير الاحتباس الحراري على المناخ) 36 بالمئة بسبب الغازات المعمرة الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز والناجمة عن الأنشطة الصناعية والزراعية والمنزلية.
وفي هذا الصدد قال ميشيل جارو، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية “في كل عام نقول إن الوقت ينفد، علينا التحرك الآن لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، إذا أردنا أن تتسنى لنا الفرصة للحفاظ على درجات الحرارة ضمن معدلات يمكن التحكم بها”.
وقد وصل معدل انبعاث ثاني أكسيد الكربون في نصف الكرة الشمالي إلى 400 جزء في المليون. وفي ربيع عام 2015، تجاوز متوسط التركيز العالمي من غاز ثاني أكسيد الكربون حاجز الـ400 جزء في المليون.
وأوضح جارو أن هذا الرقم سيتحول قريبا إلى واقع دائم نعيشه على كوكب الأرض، حيث يعتبر ثاني أكسيد الكربون من أكثر الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وأضاف قائلا “لا نستطيع أن نرى ثاني أكسيد الكربون، إنه تهديد غير مرئي، ولكنه حقيقي جدا، وذلك يعني ارتفاع درجات الحرارة في العالم، والظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الحر والفيضانات، وذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة حموضة المحيطات، وهذا ما يحدث الآن، نحن نتحرك نحو مجالات مجهولة بسرعة مخيفة”.
وقال جارو “تعمل الطاقة الزائدة الناجمة عن احتباس ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة على تسخين سطح الأرض مما يؤدي إلى زيادة في بخار الماء في الغلاف الجوي والذي بدوره يولد زيادة في الاحتباس الحراري”.
ويظل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للمئات من السنين، وفي المحيطات لفترة أطول، ويكون للانبعاثات في الماضي وللانبعاثات الحالية ولتلك التي ستنجم في المستقبل تأثير تراكمي على ارتفاع درجة حرارة وتحمض المحيطات، ويقول جارو إن “قوانين الفيزياء غير قابلة للتفاوض”.
تبرز نشرة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أيضا التفاعل بين ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء الذي هو أيضا في حد ذاته من الغازات الدفيئة الرئيسية على الرغم من عمره القصير في الغلاف الجوي، والتأثير القوي لهذا الغاز.
ويحتوي الهواء الحار على نسبة عالية من بخار الماء، وبالتالي يؤدي ارتفاع درجات حرارة سطح الأرض الناجم عن ثاني أكسيد الكربون إلى تركيزات أعلى من بخار الماء في جميع أنحاء العالم، والذي بدوره يرفع من مستوى الاحتباس الحراري.
وبالتالي، فإن الارتفاع المستمر لثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى زيادة غير متناسبة للطاقة الحرارية الناتجة عن بخار الماء.
مساءلة الخضر
تحمل التيارات والأحزاب التي تنتمي إلى الخضر (من العائلة الكبرى لليسار) على عاتقها مهمة العمل السياسي المنظم من أجل العمل على خفض الغازات والحفاظ على البيئة وإيقاف تزايد درجة الحرارة وغيرها من الأهداف البيئية، لكن تلك الأحزاب لم تتمكن، منذ بداية تكونها في أوروبا الغربية في أواخر ثمانينات القرن الماضي، من تحقيق أهداف ذات اعتبار لأنها وإن كانت تنشط بالأساس في الدول الغربية الكبرى إلا أنها لم تصل إلى صياغة قرارات قوية وذات شأن في المجال البيئي.
وبالرغم من وصول الخضر في ألمانيا إلى الحكم بداية الألفينات إلا أن ذلك لم يفتح الطريق أمام توقيع معاهدة ذات شأن في سياق الحفاظ على درجة حرارة الأرض ومن ثمة تخفيضها.
ويقول مناضلون في أحزاب الخضر إن برامجهم الهادفة إلى الحفاظ على البيئة لا يمكن تطبيقها ميدانيا لأنها تتعارض مع القطاعات الاقتصادية الحيوية للدول وتتعارض أيضا مع النسق العالمي الصناعي.
وبذلك فإن الشعارات التي يرفعها الخضر هي أهداف بعيدة المدى وترتكز إلى النضال داخل المنظمات الدولية وخاصة التابعة للأمم المتحدة.