افراسيانت - تحاصر الشرطة الإسرائيلية مداخل البلدة القديمة في القدس وتنتشر الحواجز في شوارع القدس المحتلة إلى جانب بقايا أجسام محروقة متناثرة ومخلفات اشتباكات بين فلسطينيين سلاحهم الحجارة والقوات الإسرائيلية.
هذه المشاهد لمواجهات مستمرة منذ عشرة أيام، قتل خلالها أربعة إسرائيليين، واستشهد اربعة فلسطينيين وأصيب أكثر من 170 آخرين تعيد الى الأذهان ذكرى الانتفاضتين الفلسطينيتين ضد الاحتلال الإسرائيلي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي.
ويقلل مسؤولون من الجانبين من أهمية هذه المقارنات، ويعتبرون المواجهات وما يرافقها من عنف، أقل بكثير مما وقع في السابق، لكن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية رصدت مقارنات رأت أنها تكفي للإعلان يوم الأحد الماضي عن اندلاع "انتفاضة ثالثة".
وإذا اندلعت انتفاضة جديدة فان هذا سيعني مزيدا من تعقيد الجهود التي يبذلها قادة العالم لحل صراعات في سوريا والعراق واليمن، فضلا عن ان الرغبة ضئيلة في العودة للانخراط في جهود سلام بين إسرائيل والفلسطينيين حيث ان محاولات سابقة لها باءت بالفشل.
وكما في الماضي يقع المسجد الأقصى ومحيطه في قلب الأحداث، وهو أمر أجج أعمال عنف فاقمها مزيج مثير من الدين والسياسة.
وفي عام 2000 اعتبر الفلسطينيون زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية حينها أرييل شارون المنطقة- التي يسميها اليهود جبل الهيكل ويسميها الفلسطنيون الحرم القدسي- استفزازا متعمدا أشعل انتفاضة دامت لخمس سنوات.
ويأتي العنف الحالي بعد أيام من الاشتباكات في الأقصى بين فلسطينيين يلقون الحجارة والشرطة الإسرائيلية.
وردت إسرائيل بتعزيز وجودها العسكري الأمني في القدس والضفة الغربية المحتلتين تحسبا لتفاقم المواجهات، كما سعي قادة فلسطينيون من جانبهم للتهدئة مخافة أن ترى جماعات متشددة في ذلك فرصة للمواجهة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء أمس الاثنين "نحن نعمل على جميع الجبهات" مضيفا أن أربع فرق إضافية من الجيش انتشرت في الضفة الغربية.
وقال نتنياهو "الشرطة تتوغل في عمق الأحياء العربية وهو أمر لم يحدث في السابق. سندمر منازل الإرهابيين. سنسمح لقواتنا باتخاذ إجراء قوي ضد من يلقون الحجارة أو الزجاجات الحارقة".
ووصف نتنياهو المواجهات بأنها "موجة إرهاب" وهو مصطلح يرجح أن التوتر سيزول كما سارع مسؤولون عسكريون ذوو خبرة في الانتفاضتين السابقتين لاستبعاد احتمال بداية انتفاضة ثالثة.
وقال مسؤول كبير بالجيش الإسرائيلي "هذه مبالغات.. الأمر بعيد عن هذا في الوقت الحالي" مشيرا الى أنه خلال الانتفاضة الثانية قتل العشرات في عدة أيام.
وأضاف "الموقف الآن مختلف تماما".
* صدامات لكنها محدودة..
بدأت الانتفاضة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 1987 بعد استشهاد أربعة فلسطينيين حين صدمت شاحنة تابعة للجيش الإسرائيلي سيارة وحينها ألقى الفلسطينيون الحجارة وزجاجات حارقة على القوات الإسرائيلية.
أما الانتفاضة الثانية فميزتها التفجيرات الانتحارية وشملت الأهداف حينها حافلات ومقاه في المدن الاسرائيلية.
وحتى الآن لم تتضح ملامح لانتفاضة ثالثة لكنها قد تصبح مختلفة تماما.
ووصف المسؤول بالجيش الإسرائيلي الموقف الحالي بأنه "تصعيد للعنف يقوم به عدد محدود من الأشخاص يشبه تصاعد الهجمات في القدس نهاية العام الماضي وليس انتفاضة واسعة ضد أهداف إسرائيلية".
وقال المسؤول "هناك حوالي 20 نقطة ساخنة في الضفة الغربية والقدس.. ليس أكثر".
لكن قادة إسرائيليين وفلسطينيين على السواء يرون صعوبة في التكهن بما قد يؤول إليه الموقف، ويخشون أن يتحول بصورة مفاجئة وفورية نحو الأسوأ.
وسيخشى ساسة أوروبيون وأمريكيون الانزلاق في مبادرة سلام جديدة خاصة في وقت يرغبون خلاله في التركيز على صراعات أخرى بالشرق الأوسط.
وانهارت آخر مفاوضات سلام جرت بين إسرائيل والفلسطينيين في أبريل/ نيسان 2014 دون أي تقدم.
واليوم تبدو الفرص ضئيلة لاستئناف المفاوضات خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وفي الأيام الماضية تحولت مناطق بالقدس المحتلة إلى ساحات معارك فتناثرت في الطرقات قطع حجارة، وطغى اللون الأسود على أسفلت الشوارع بفعل انفجار الزجاجات الحارقة بينما يتابع السكان بقلق هذا الوضع المتوتر.
وعند حاجز قلنديا وهي نقطة التفتيش الرئيسية بين القدس والضفة الغربية قرب مدينة رام الله أمطر صبية فلسطينيون غطت وجوههم الكوفية الفلسطينية نقاط الحراسة الإسرائيلية بالحجارة اليوم الثلاثاء ودفعوا الجنود للتقهقر.
واحتفت مواقع فلسطينية على الإنترنت بمنفذي عملية إطلاق النار التي قتل فيها مستوطنان قبل ايام.
في المقابل تداول اسرائيليون مقطع فيديو يظهر فيه اسرائيليون وهم يحتفلون ويهتفون "الموت للعرب" بعدما قتلت الشرطة الإسرائيلية الشهيد فادي علون في القدس.
وفي الأشهر الماضية هددت السلطة الفلسطينية مرارا بوقف التنسيق الأمني بين الشرطة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية. ولو فعلت فستكون تلك إشارة لتدهور الموقف لكن حتى الآن لا تبدو في الأفق أي بادرة على أن السلطة ستنفذ ما تهدد به.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد لقاء مع مسؤولين أمنيين اليوم الثلاثاء "نحن نقول لهم لا نريد تصعيدا عسكريا ولا أمنيا بيننا وبينكم. لا نريد".