افراسيانت - القدس - "القدس" دوت كوم - سعيد عموري - مخيم شعفاط، هو أحد مخيمين موجودين في حدود محافظة القدس إلى جانب مخيم قلنديا الذي يقع شمال المدينة، تدريجيا وخلال السنوات الأخيرة، حاولت سلطات الاحتلال إفقاد المخيم هويته الخاصة كمخيم للجوء، إذ أن 11 ألف مواطن من سكانه حسب آخر إحصاءات لـ"الأونروا" مسجلون كلاجئين في المخيم، منبين نحو 50 ألف نسمة، مع النظر إلى أن هناك تضاربا كبيرا في عدد سكان المخيم خلال السنوات الأخيرة.
إن هذا التحول في هوية المخيم، بأن أصبح فيه اللاجئون لا يشكلون غالبية سكانه، يأتي في سياق أوسع وهو عملية تهويد مدينة القدس التي رافقتها عمليات سحب الهويات من المقدسيين والسعي لإخراجهم منها.
يظهر للعيان في مخيم شعفاط الملاصق لشعفاط البلد، بأن الخدمات الصحية في الشوارع سيئة جدا، كما أن النفايات مترامية بدون رقيب او مهتم.
واللافت، أن التوسع السكاني في مخيم يتم بشكل عمودي نتيجة ضيق مساحة المكان نسبة لعدد السكان فيه، عمارات سكنية بعشرات الطوابق وآلاف العمارات المتلاصقة، مبنية بشكل عشوائي وغير مدروس.
التوسع العمراني العمودي في المخيم، سببه، هروب السكان المقدسيين من السكن في المناطق داخل جدار الفصل، بسبب ارتفاع أسعار ايجارات البيوت فيها، خاصة في منطقة شعفاط وبيت حنينا القريبتين من المخيم.
ذلك كله، يرتبط بمحاولات إسرائيل لتشوي هوية المخيم، فقد تحول من مخيم لجوء إلى عشوائية سكنية، ومكان يلجأ إليه الهاربون من الممارسات الاسرائيلية داخل حدود الجدار العنصري في مدينة القدس، وذلك بفعل التطهير العرقي والمكاني في مدينة القدس، الأمر الذي أدى أيضا الى وجود خلل ديموغرافي في مخيم شعفاط.
يقول خضر سلامة منسق حملة مقاومة التهويد في القدس، وهو من سكان مخيم شعفاط، في حديث لـ "القدس" إن إسرائيل فشلت بافقاد المخيم هوية اللجوء، رغم أن غالبية سكانه ليسوا لاجئين، إذ أن اللاجئين فيه ما زالوا مصممين على العودة إلى أراضيهم التي احتلت عام 1948، نحن نؤمن كأبناء المخيم بحقنا بأرضنا، وحق أهالي قرية شعفاط بأرضهم التي أقيم عليها المخيم.
ويضيف: حاولت إسرائيل مرارا، منذ العام 1978 وحتى قبل ذلك، ترحيل سكان المخيم إلى مناطق أخرى في القدس وخاصة في المنطقة الصناعية من بلدة وادي الجوز، ضمن محاولاتها لتصفية قضية اللاجئين والعودة، إلا أن سكان المخيم رفضوا بشكل قاطع هذا العرض الإسرائيلي، وأكدوا أنهم لن يعودوا إلا لأراضيهم التي هجروا منها خلال النكبة، والآن تحاول إسرائيل تشويه هوية المكان.
ويشير سلامة إلى أن سكان المخيم يرفضون أيضا الانصهار ضمن منظومة دولة الاحتلال ونسيجه الاجتماعي، وهم يقاومون بقوة جميع المحاولات الإسرائيلية لتصفية قضية اللجوء.
ويعزي منسق حملة مقاومة التهويد في القدس، سبب هجرة آلاف المقدسيين من غير اللاجئين للمخيم؛ إلى التهديدات الإسرائيلية بسحب هويات المقدسيين لمن لا يسكن داخل حدود ما تسمى بلدية القدس، فاضطر عدد كبير منهم إلى اللجوء لخيار السكن في مخيم شعفاط.
المخيم الذي يطلق عليه أيضا مخيم عناتا، لوقوعه بين بلدتي شعفاط وعناتا، ليس كباقي مخيمات الضفة الغربية، إذ تعتبره سلطات الاحتلال خاضعاً لسيطرتها، بعدما منحت سكانه صفة "مقيم في أراضيها"، بعد الاحتلال في العام 1967، ومنحوا بطاقات شخصية زرقاء تتيح لهم حرية الحركة والتنقل، ما دفع الكثير من الفلسطينيين إلى الانتقال للعيش فيه، قبيل الانتفاضة الأولى في العام 1987.
سياسة التطهير المكاني والعرقي
تستخدم اسرائيل سياسة التطهير المكاني بحق الفلسطينيين في مدينة القدس منذ احتلالها في العام 1967، حيث ترمي الى طرد الفلسطينيين من الحدود المتغيرة للدولة الاسرائيلية. لذا فإن دولة الاحتلال تسعى لتغيير هوية المكان، كما تفعل في شعفاط بمحاولة تغيير طابعها الأصلي وايجاد هوية جديدة للمكان، وكما تفعل في مخيم شعفاط وتغيير هوية اللجوء فيه.
يتحدث ساري حنفي في مقالته بعنوان: "التطهير المكاني: محاولة جديدة لفهم استراتيجيات المشروع الكولونيالي الاسرائيلي"، عن سياسة التطهير المكاني التي تستخدمها اسرائيل من خلال عدة استراتيجيات، واحدى هذه الاستراتيجيات تقوم على ابادة المجال المكاني، وذلك لمحي أي أثر يدل على أن هذه الاراضي هي ملك للفلسطينيين، فقد قامت بجميع أنواع التدمير والخراب ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين.
ويشير حنفي في مقالته الى ان السلطات الاسرائيلية استغلت القوانين القديمة سواء البريطانية او الاردنية او العثمانية لاستملاك المكان وانتزاعه من مالكيه بشكل يدعون أنه "قانوني".
ويقول حنفي ان التطهير المكاني في الاراضي الفلسطينية طبق بمعزل عن عملية السلام، فبعد توقيع اتفاق اوسلو تضاعف عدد المستوطنين ثلاث مرات وتضاعفت مناطق الاستيطان.
ما يتحدث عنه حنفي في مقالته يرتبط بما تسعى إليه دولة الاحتلال بتصفية قضية اللجوء من خلال الغاء هوية المخيمات (هوية اللجوء).
ويؤكد ذلك نزار أيوب في مقالته "التطهير العرقي في القدس" بقوله، ان ضم القدس لشرقية وفرض القوانين الاسرائيلية الى منع الفلسطينيين من الاقامة في القدس، الأمر الذي تسبب بالمساس بوحدة الأسرة الفلسطينية وتشتيتها.
ويقول ان المقدسيين أضحوا بصورة خاصة، والفلسطينيون بصورة عامة، عرضة للمعاناة الناجمة عن السياسات الاسرائيلية والاجراءات المرتبطة بها، بما في ذلك القوانين والتشريعات التي اقرتها للنيل من النسيج الاجتماعي للمدينة جراء وضع القيود الصارمة على جمع الشمل داخل حدودها، وتقويض بنيتها الاقتصادية وتشتيت الاسر المقدسية، وحرمان المقدسيين من المتطلبات الحيوية اللازمة لممارسة حياتهم الطبيعية، الأمر الذي وضع هؤلاء في موقع الدفاع اليومي عن حقوقهم.
ظروف معيشية سيئة
في بحث لمؤسسة أريج "دليل مخيم شعفاط" تناولت فيه البيانات المتعلقة بمخيم شعفاط من حيث عدد اللاجئين الحقيقي وأماكن تهجيرهم ومساحة المخيم والظروف المعيشية فيه. ويذكر بحسب افادة اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم شعفاط، ان عدد السكان الحقيقي في المخيم يتجاوز احصاءات الاونروا التي تأخذ بعين الاعتبار اللاجئين المسجلين والذين يحملون رمز المخيم فقط ولا تشمل اللاجئين غير المسجلين، لكن بغير رمز المخيم وغير اللاجئين الساكنين في المخيم وبحسب هذه المعطيات فان معدل الكثافة السكانية يعتبر خياليا وغير طبيعي لمؤشر الكثافة السكانية.
وفي دراسة لاكاديمية اللاجئين عن مخيم شعفاط، تقول ان من اهم المشكلات السكانية التي يواجهها الكثافة السكانية العالية، إذ إن الأرقام لدى الأونروا ليست كما هي على أرض الواقع، فالإحصاءات لأهالي المخيم الأصليين بلغت 9 آلاف نسمة غير القاطنين على شارع عناتا وهو ضمن أراضي المخيم الذي ازداد عدد سكانه ما بين 2002-2009 دون إحصائيات رسمية.
بدورها، تحدثت هنيدة غانم في كتابها "السياسة الحيوية للاستعمار الاستيطاني: "انتاج المقدسيين كمارقين" عن المحور الرمزي في سياسات الاحتلال التي اتبعتها في مدينة القدس بهدف تهويدها، وهذا المحور "الذي يعمل على المحو الرمزي للساكن الأصلي، من خلال اعتبار الحيز المحتل حيزا خاليا، واعتبار الاراضي جرداء تنتظر من يحييها ويعيدها الى الحياة".
وتقول ان تعامل دولة الاحتلال مع مدينة القدس كحيز خاو وفارغ يعكس المخيال الاستعماري الصهيوني تجاه المكان، الذي لا ينكر بالضرورة وجود بشر من السكان الأصليين في هذا الحيز المحتل، لكنه وجود ذوات سياسية أو ذوات محسوبة في هذا الحيز فيمحوها رمزيا من المكان.
السياسة الإسرائيلية باستهداف وجود المقدسيين
تنتهج السلطات الإسرائيلية سياسة التهجير القسري في القدس منذ العام 1967، وتطبق هذه السياسة عبر وسائل متعددة منها فرض قانون "المواطنة" الذي من خلاله تعزل مدينة القدس عن باقي الأرض الفلسطينية المحتلة ومنع الفلسطينيين من الوصول اليها، وعبر سياسة التخطيط القائمة على التمييز وهدم المنازل في القدس، وعبر الاستيلاء على الأرض وبناء المستوطنات. كما لجأت سلطات الاحتلال إلى بناء جدار التوسع والضم داخل القدس وحولها، الأمر الذي أدى إلى منع أي فلسطيني ليس بحوزته هوية اقامة إسرائيلية من الوصول إلى المدينة.
إن هذه الأسباب دفعت آلاف المقدسيين ومن سكان القدس للهجرة إلى مناطق أخرى قريبة من القدس خارج الجدار مثل مناطق مخيم شعفاط وكفر عقب والزعيم وعناتا وغيرها، ما أدى إلى زيادة غير طبيعية في سكان هذه المناطق، وبالتالي كثافة سكانية عالية جدا، تلقي بظلالها على الاوضاع الخدماتية والصحية والتعليمية والاقتصادية.
وقد اثرت هذه الهجرة الكثيفة لمخيم شعفاط على الاوضاع الاجتماعية والتعليمية والصحية، إذ يواجه قطاع التعليم في مخيم شعفاط عدة مشكلات ومطبات أهمها قلة عدد الغرف الصفير والاكتظاظ داخل هذه الغرف الصفية بسبب العدد الكبير لسكان المخيم، ما أدى إلى عدم أهلية الغرف الصفية في المدارس الابتدائية خاصة.
ويواجه القطاع الصحي في مخيم شعفاط مشكلات وعقبات كبيرة، بسبب الكثافة السكانية العالية فيه، والهجرة المتزايدة إليه، ومن أهم هذه المشكلات عدم توفر بعض الادوية بشكل دائم بسبب ازدياد الطلب عليها، لذا يضطر السكان للتوجه إلى مناطق أخرى لتوفير الاحتياجات الناقصة في المخيم.
كما خلق الاكتظاظ السكاني في مخيم شعفاط والهجرة المتزايدة إليه، مشكلات اجتماعية لأهالي المخيم، مثل العنف الأسري والفساد الأخلاقي والزواج المبكر وانتشار المخدرات واوكار المخدرات.
السياسات الاسرائيلية في التطهير العرقي والمكاني في مدينة القدس، أدت الى تحول مخيم شعفاط الى أكبر عشوائية سكنية في مدينة القدس، حيث أصبح وجهة الهاربين من المناطق الأخرى في مدينة القدس، التي أصبحت تعاني من الغلاء بسبب السياسات الاسرائيلية حول البناء وغلاء المعيشة.
يقول المواطن فادي وهو عامل في احد محلات الالبسة في مدينة القدس، انه كان يسكن في بلدة شعفاط بايجار 800 دولار، الا أنه ومع غلاء المعيشة المتزايد والالتزامات المالية اضطر للبحث عن بيت في مخيم شعفاط، حيث يدفع اليوم أقل من 400 دولار كايجار شهري للبيت الذي يسكن فيه، رغم أنه أكبر مساحة وأحدث بناء من البيت الذي سكن فيه بشعفاط، "وفي نفس الوقت فهي منطقة يمكن السكن فيها دون ان تتعرض لخطر سحب الهويات".
ويؤكد لـ"القدس" أنه ليس لاجئا ولا يملك "كرت مؤن"، لكنه لا يهتم لذلك، ويقول: "عدد كبير من سكان المخيم ليسوا لاجئين، فهم يهربون من غلاء الايجارات في المناطق الأخرى،
ازدياد عدد سكان المخيم، زاد من سوء اوضاع خدمات القطاع الصحي، اذ ان العديد من المساكن لا يستفيدون من شبكات الصرف الصحي بسبب اكتظاظ المساكن، الأمر الذي يؤدي الى عدم توفر الشروط الصحية والانسانية الملائمة للسكان.
تقول "ام رائد"، وهي تسكن في قلب المخيم: "نحن منذ سنين طويلة نعاني من سوء الخدمات الصحية المقدمة لنا، لكن حديثا وبعد أن أصبحنا محاطين بعمارات وشقق سكنية أكثر ملاصقة لنا بشكل كبير، زادت الكارثة وأصبح حلها شبه مستحيل".
لم يفقد اللاجئون في المخيم وعيهم الاجتماعي والروابط الأسرية رغم ما واجهه المخيم من تحولات ديموغرافية كبيرة، حيث أن الروابط الأسرية والقروية لا تزال تلعب دورا مميزا في حياة اللاجئين الاجتماعية المدعمة بالعودة كهدف.
الا ان السكان من غير اللاجئين في المخيم هدفهم من العيش فيه اقتصادي بحت.
بدوره، يقول الصحفي محمد عبد ربه الذي كان يعيش في المخيم وأهله ما زالوا يسكنون فيه، "إن المخيم هو بالنسبة لنا الفضاء الاجتماعي الذي من خلاله نتذكر ضرورة العودة والتمسك بها، ما زلنا نتواصل مع اصدقائنا من العائلات اللاجئة في المخيم كنوع من الترابط بين أشخاص يحملون ويتمسكون بقضية واحدة".
يعيش مخيم شعفاط حالة من العذاب والتهميش، تمثل نقطة جدل كبيرة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، ذلك نتيجة التحولات العميقة والخطيرة التي عاشها ويعيشها مجتمع المخيم، الذي كان ضحية – كغيره من المخيمات في الوطن والشتات- للتحولات السياسية التي شهدتها الساحة السياسية الفلسطينية، خاصة بعد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير واسرائيل، وما تمخض عنها من تأجيل بحث قضية أساسية، الا وهي قضية اللاجئين.
ان النظرة الاسرائيلية للاجئين والسكان في مخيم شعفاط تقوم على اعتبارهم مجرد عدد يمكن استيعابهم داخل مساحة صغيرة، دون الاهتمام للاوضاع الانسانية والخدماتية والصحية.
ما تزال الضائقة السكانية التي يعاني منها مخيم شعفاط بشكل خاص في تعاظم كستكر بحكم المعادلة غير المتوازنة بين أعداد اللاجئين والسكان في المخيم وبين المساحة المخصصة للمخيم من الارض.
فمن جهة، يزداد اعداد السكان نتيجة التزايد الطبيعي للاجئين والهجرة المتزايدة للمخيم لاسباب تطرقنا اليها سابقا، ومن جهة أخرى فان الاراضي المقام عليها المخيم لم تتطور ولم تتوسع.
ان التراجع المستمر على الصعيد الاجتماعي والديموغرافي في مخيم شعفاط ساهم بفرض حلول على اللاجئين لا تنسجم مع تطلعاتهم ورؤيتهم المستقبلية، وبالتالي فان هذه الاوضاع المأساوية ستضعف من هيمنة العامل النضالي للمخيم كما كان في السابق، وذلك لأن اشكاليات اخرى ظهرت في هذا المجتمع الذي انحرف بشكل كبير على الصعيد الديموغرافي.