افراسيانت - يدخل العراق العام 2015 ولا تزال مساحات شاسعة من أراضيه تقبع تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، فيما تواجه الحكومة الجديدة تحديات عدة منها مسألة النازحين والفساد الإداري.
ويعد سقوط الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، في العاشر من يونيو/حزيران بيد "داعش" الحدث الأخطر في العام، بعد انسحاب الجيش العراقي وتركه للمواقع العسكرية مع الأسلحة والآليات التي استولى عليها التنظيم فيما بعد واحتلاله لبقية المناطق المحيطة بالموصل الواحدة بعد الأخرى.
ويعتبر عام 2014 الأسوأ على مستوى الوضع الإنساني في العراق بسبب موجة النزوح التي ضربت عددا من المدن بعد سيطرة مسلحي تنظيم "داعش" عليها.
سرطان "داعش" يتفشى بجسد العراق
منذ أكثر من سنة، سقطت مدينة الفلوجة بأيدي منظمة إرهابية أطلقت على نفسها تسمية "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) لتتساقط المناطق العراقية الواحدة تلو الاخرى تحت يد التنظيم المتطرف.
ومع مرور الوقت توضحت إستراتيجية التنظيم، الذي أطلق على نفسه لاحقا "الدولة الإسلامية" وهي زرع بذور الشقاق العرقي والديني في العراق وتقويض السلطات الشرعية ونشر الخوف بين مكونات الشعب.
وتبدو أهداف التنظيم واضحة أيضا وهي تدمير الدولة العراقية واستبدالها بدولة الإرهاب المبنية على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، فهم يواصلون محاولاتهم بالسيطرة على أجزاء من العراق وجارته سوريا من أجل التقدم نحو باقي المنطقة.
وتسبب انتشار "سلطة الخلافة" بقيادة المدعو "أبو بكر البغدادي" في محافظات (نينوى وصلاح الدين والأنبار وبعض مناطق كركوك وديالى) بنزوح مئات الاف العراقيين باتجاه إقليم كردستان ووسط وجنوب العراق.
ومع تطور الأزمة، كاد العراق أن ينهار وبات إقليم كردستان يتحدث بشكل علني عن الانفصال في حين تواجه المحافظات الجنوبية الفقر وفي الوقت ذاته تنتج النفط، واستمرت بغداد بالتعرض للتهديد بموجات يومية من الانتحاريين والعبوات الناسفة، لا سيما تعرض الأقليات العراقية إلى فظائع لا توصف.
أبرز محاور القتال ضد "الدولة الإسلامية" في العراق
ولا تزال القوات العراقية الأمنية، بما فيها البيشمركة الكردية، تهدف من خلال عمليتها العسكرية إلى استعادة المناطق التي سيطر عليها التنظيم المتطرف في اغسطس/ آب، من خلال عدة محاور أهمها: بلدة سنجار قرب الحدود السورية، وبلدة بيجي التي تشمل أكبر مصفاة نفط، ومدينة الرمادي ومحيطها غرب العراق.
وتعد منطقة سنجار موطن الأقلية الإيزيدية التي تعرضت إلى "إبادة" على يد "داعش"، بحسب الأمم المتحدة، فقد شهدت قتل المئات من أبنائها وخطف آخرين، وسبي النساء والفتيات. ويمكن لإعادة السيطرة على منطقة سنجار، التضييق على مدينة الموصل، كبرى مدن شمال العراق وأولى المناطق التي سيطر عليها التنظيم.
وكان الهجوم على مناطق الإ يزيديين والمعاناة التي تعرضوا لها، إحدى الأسباب المعلنة لتشكيل واشنطن تحالفا دوليا يقوم بشن ضربات جوية ضد مناطق سيطرة التنظيم منذ الصيف الماضي.
أما بيجي، فقد شهدت العديد من معارك كر وفر بين القوات العراقية ومسلحي "داعش" تسببت بمقتل العشرات من الطرفين، كان آخرها أواسط ديسمبر/ كانون الأول، حيث حاولت الشرطة المحلية ومقاتلي العشائر المساندين لهم صد التنظيم على مدى أيام، لكن عدم وجود دعم ونقص الذخيرة أجبرهم على ترك مواقعهم في وسط المدينة.
وكان الجيش العراقي أعلن الشهر الماضي استعادة السيطرة على بيجي وفك الحصار عن مصفاتها من مقاتلي التنظيم.
ومنذ بداية العام الجاري، يخوض الجيش العراقي معارك ضارية ضد تنظيم "داعش" في أغلب مناطق محافظة الأنبار، وازدادت وتيرة تلك المعارك بعد سيطرة التنظيم على البلدات الغربية من المحافظة مثل هيت وحديثة، إضافة الى سيطرته على المناطق الشرقية منها (قضاء الفلوجة والكرمة)، كما يسيطر عناصر التنظيم على أجزاء من مدينة الرمادي.
العبادي يقود حكومة جديدة في ظل أزمة أمنية شديدة
وربما كان الحدث الايجابي الوحيد الذي عاشه العراقيون عام 2014 هو اجراء الانتخابات التشريعية والتي تمخض عنها اختيار رئيس جديد للبرلمان (سليم الجبوري - سني) ورئيس جديد للجمهورية (فؤاد معصوم- كردي) ورئيس جديد للوزراء من قبل مجلس النواب (حيدر العبادي – شيعي).
وعلى الرغم من الخلافات بسبب رفض رئيس الحكومة السابق نوري المالكي تنحيه من منصبه مطالبا بولاية ثالثة، تم استكمال هذه العملية ضمن المدة الدستورية بعد تدخل أطراف عدة داخلية وخارجية، حيث كلف العبادي في 11 اغسطس/ آب بتشكيل الحكومة الجديدة، مدعوما من المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني.
ومن ثم تم تشكيل حكومة وحدة وطنية شملت جميع الطوائف بالاستناد على اتفاق سياسي وبرنامج وزاري جديد، أعطى الأولوية لإصلاح شامل لقضايا مثل التفتت السياسي بين الفئات والفساد وإعادة بناء الجيش وكذلك تقديم إصلاح مؤسسي وقانوني ينهي الإقصاء وخروقات حقوق الإنسان.
تحققت في النصف الثاني من عمر الحكومة الجديدة، انجازات ملموسة على الارض تمثلت بعمليات عسكرية وتحرير لمناطق يحتلها تنظيم "داعش" في آمرلي وجرف الصخر ومناطق جبل سنجار الذي تقطنه المئات من العوائل الإيزيدية المحاصرة من قبل التنظيم، وأخيرا الضلوعية ومحيط قضاء بلد في صلاح الدين.
وقبيل انتهاء العام 2014، تجاوزت الحكومة الجديدة تحديا مهما من تحديات الفترة الحالية عبر اقرارها يوم 23 من ديسمبر/ كانون الأول الموازنة العامة للعام المقبل والتي بلغت 123 ترليون دينار (107 مليارات دولار) بعجز قدره 23 ترليون دينار (نحو 20 مليار دولار) على اساس سعر برميل النفط 60 دولارا.
الفساد الإداري.. خطر محدق بعراق المستقبل
يعد الفساد الإداري الخطر الثاني بعد الإرهاب، وفقا للاضرار التي يخلفها، والتي تتسبب بإدخال البلاد إلى جانب عوامل أخرى في أزمة مالية خطيرة تعاني منها.
شهد 2014 هدر مليارات الدولارات على مشاريع وهمية في عهد الحكومة السابقة، كما أنفقت مرتبات بمليارات أخرى على موظفين وهميين تجاوز عددهم خمسين ألفا، حسب ما أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وأكد العبادي أن محاربة الفساد والمفسدين تحد لا يقل خطورة عن الإرهاب وإنما يكمل بعضه بعضا، وقال"الإرهابى والفاسد يعملان معا لتحقيق هدف واحد هو تخريب العراق وتمزيق وحدة شعبه ومنعه من أن يتقدم نحو البناء والإعمار والاستقرار والازدهار".
كما تعالت أصوات رجال الدين، خاصة المرجعية الدينية في النجف، بضرورة محاربة الفساد الإداري والمالي للحد من الأزمة الاقتصادية الراهنة في البلاد، بالإضافة إلى ضرورة تشجيع ودعم المنتوج المحلي ودعم القطاع الزراعي وتطويره.
ضربات التحالف صوب "داعش" ومخاوف من عودة القوات الأجنبية إلى العراق
أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي ولأكثر من مرة منذ تسلمه سدة الحكم، رفضه دعوة أي قوات أجنبية للتحرك داخل العراق، مشددا على أن الجيش العراقي هو الذي سيطرد الارهابيين من أرض العراق.
لكن الجدل ما يزال محتدما في العراق حول استقدام قوات أجنبية لمحاربة تنظيم "داعش"، فهناك من يرى أن "داعش" لن تهزم الا بقوات أجنبية فيما يرى آخرون أن في ذلك خيانة كبيرة.
وفي خضم تلك المخاوف من عودة القوات البرية الأمريكية، أكد السفير الأمريكي الجديد لدى العراق ستيوارت جونز أن الولايات المتحدة توصلت لاتفاق مع الحكومة العراقية بشأن منح القوات الأمريكية الحصانة من الملاحقة القضائية.
وقد تسببت تصريحات جونز بانتقادات لاذعة نقلتها وسائل الإعلام، الأمر الذي دفع بالعبادي الى نفي منح الحصانة للقوات الأمريكية داخل العراق، مؤكدا أن ما نسب للسفير الأمريكي في العراق ستيوارت جونز لا أساس له من الصحة.
من ناحية أخرى، فإن بعض المراقبين يرون أن الضربات الجوية للتحالف الدولي حققت في العراق، منذ بدئها في أغسطس/ آب، نجاحا باهرا من خلال إنقاذ العاصمة بغداد من الوقوع في أيدي مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكذلك إنقاذ عاصمة إقليم كردستان العراق من المصير ذاته.
ولكن أكد محللون سياسيون أن الضربات الجوية لطائرات التحالف الدولي لم تجد نفعا لحد الآن، بل بالعكس فمنذ بداية الضربات الجوية للتحالف ازداد تمدد نفوذ التنظيم في الأراضي العراقية.
تقارب وجهات النظر بين بغداد وأربيل
بعد ظهور الأزمة الأمنية وسيطرة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق كبيرة ومنها نفطية، فإن بغداد وأربيل تسعيان لإيجاد طريق للنجاة، لذلك قل اهتمامهما بالمسائل السياسية وتريان إن الحل الاقتصادي هو الأهم.
في بداية ديسمبر/ كانون الأول توصلت الحكومة العراقية المركزية إلى اتفاق مع حكومة إقليم كردستان العراق على حل الخلاف بين الجانبين بشأن صادرات النفط ومخصصات الميزانية.
ويأتي ذلك بعد 8 سنوات لم تشهد أي تنازلات نمن الطرفين من أجل حلحلة بعض الملفات العالقة.
ولم يتطرق طرفا الاتفاق بتاتا إلى المادة 140 من الدستور العراقي وتفعيل النظام الفدرالي والذي كان رغبة دائمة للأكراد بعد سقوط نظام صدام حسين.
العراق يسعى للعودة إلى الساحة الاقليمية والدولية
منذ استلام الحكمة الجديدة مهامها، حرصت على ارجاع علاقات العراق مع الدول الاقليمية وفي المقام الأول السعودية ودول الخليج بالاضافة إلى تركيا، بعد التوتر إبان حكومة نوري المالكي.
وعبر وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري في بداية ديسمبر/ كانون الأول عن تطلع العراق إلى فتح صفحة جديدة للعلاقات مع دول الجوار العربية وخاصة الدول الخليجية، حيث أكد إن "العلاقات بين العراق والسعودية تشهد حراكا وتحسنا ملحوظا في الآونة الأخيرة".
وأوضح الوزير العراقي أن هناك تفاهما كبيرا بين العراق والسعودية، مشيرا في الوقت نفسه إلى قرب افتتاح مقر السفارة السعودية في العاصمة العراقية بغداد.
وكان رئيس الوزراء العبادي أكد بعيد إعلانه تشكيل حكومته الجديدة في سبتمبر/ أيلول الماضي النية للتوجه لبناء علاقات دولية بناءة وتطوير التعاون بين العراق ودول الجوار وتنسيق الجهود لمواجهة الإرهاب.
كما جاءت زيارة الوزراء التركي أحمد داود أوغلو لتكون دليلا على مسعى تركيا إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات وتفعيل التعاون المشترك وطي صفحة الخلافات التي شابت العلاقات بين البلدين في المرحلة السابقة.
2014 أشد الأعوام دموية منذ أحداث 2006-2007 الطائفية
أعلنت مصادر رسمية مقتل أكثر من 15 ألف شخص من المدنيين وقوات الأمن بسبب أعمال العنف في العراق خلال 2014، ما يجعله أشد الأعوام دموية منذ 2007 حين كانت البلاد تعاني من حرب طائفية.
وبحسب الأرقام التي أعدتها وزارات الدفاع والصحة والداخلية في العراق، فقد قتل 15 ألفا و538 شخصا خلال عام 2014، بينهم 12 ألفا و588 مدنيا، علما أن حصيلة 2014 هي ضعف المسجلة عام 2013، (6,522 شخصا).
كما وصل عدد الجرحى في عام 2014 إلى 22 ألفا و620 شخصا.
من جهتها أعلنت الأمم المتحدة أن عدد القتلى المدنيين في العراق في 2014 بلغ 12 ألفا و282 شخصا، وهي حصيلة مقاربة لما ذكرتها المصادر الرسمية.
وقال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف في بيان "مرة أخرى، يعاني المواطن العراقي العادي من العنف والإرهاب. العام 2014 شهد أعلى حصيلة من الضحايا منذ دوامة العنف في 2006 و2007. هذا وضع محزن للغاية".
يشار إلى أن عدد القتلى في العام 2007 ، في ذروة العنف الطائفي، بلغ 17 ألفا و956 شخصا، بحسب المصادر الحكومية.
ودعا ملادينوف في كلمة القاها حكومة العراق إلى تعزيز المساءلة وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان، مشيرا الى أن الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة يبقى تحديا.
ويرى ملادينوف أن الأزمة تفاقمت في العراق بسبب المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي لم يتم حلها والمتعلقة بانتقال البلد الصعب إلى الديمقراطية وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن التطبيق الكامل للدستور والإصلاحات المتعثرة والاختلافات الطائفية وتعرض البلاد للشقاقات الإقليمية والدولية الكبيرة.
مليونا نازح داخل العراق.. ومخاوف من استمرار الأزمة
يواجه العراق أكبر تحد انساني وهو نزوح ما يقارب مليوني شخص منذ بداية العام الحالي 2014، وهو النزوح الأكبر الذي شهده العالم منذ سنوات، وفق تقارير الأمم المتحدة.
ويمكن القول أن العراقيين على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم باتت تجمعهم هوية واحدة وهي هوية النازحين والمُهجرين داخل وطنهم والمهاجرين واللاجئين في ديار الغربة واللجوء.
ومنذ أن سيطر مسلحو "داعش" على محافظة نينوى وما تبعه من أحداث في محافظات أخرى نزح الآلاف من سكان هذه المحافظات إلى وسط وجنوب العراق، أما العدد الاكبر فقد لجأ إلى إقليم كردستان.
ويعيش النازحون حياة قاسية وظروفا إنسانية صعبة رغم الأموال التي خصصت لمساعدتهم، ويطالب النازحون الحكومة العراقية بضرورة الالتفات إليهم ومساعدتهم.
وينتظر العراقيون أن يكون العام الجديد عاما ينهي أزمات خانقة ومشاكل إنسانية غير مسبوقة بتاريخ العراق، عاما يكون بوابة لمستقبل جديد وليحرر العراقيون أرضهم ومدنهم المحتلة من قبل الإرهابيين.
ويتمنى العراقيون أن يقوم البرلمان بعمله في العام الجديد على أكمل وجه من خلال إقرار قوانين تؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي يشارك الجميع في ادارته، والابتعاد عن الخلافات والتصريحات المتشنجة، واتخاذ مواقف حاسمة لصالح العراق وشعبه.