افراسيانت - بقلم أشرف الصباغ - في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة تمديد العقوبات ضد روسيا، لا يتورع الجانب الأمريكي عن إجراء محادثات هاتفية مع الجانب الروسي بشأن الوضع في أوكرانيا.
ويرى مراقبون في هذا الأمر شكلا من أشكال التسويف والمماطلة، وخاصة في ظل إرسال عسكريين أمريكيين إلى كييف لتدريب قوات الحرس الوطني، وتزويد كييف بالمعدات العسكرية.
في هذا الصدد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لنظيره الأمريكي جون كيري ضرورة إطلاق حوار مباشر بين سلطات كييف وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، المعلنتين من طرف واحد بشرق أوكرانيا. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه الوزيران بمبادرة من الجانب الأمريكي، حيث أعربا عن دعمهما لتشكيل أربع مجموعات عمل فرعية ضمن مجموعة الاتصال بشأن التسوية في أوكرانيا.
حديث الوزيرين دار حول ضرورة دعم عمل هذه المجموعات لضمان تطبيق صارم من قبل طرفي النزاع في أوكرانيا لجميع بنود اتفاقات مينسك، بما في ذلك التزامهما بوقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة من خط التماس، وإجراء إصلاح دستوري في أوكرانيا وحل المشكلات الإنسانية والاقتصادية في البلاد. هذا في الوقت الذي تدعو فيه روسيا إلى ضرورة تنظيم حوار مباشر مستقر حول كل هذه القضايا بين كييف من جهة ودونيتسك ولوغانسك من جهة أخرى.
المثير للتساؤلات أن كل هذه النشاطات والاتصالات الأمريكية تأتي على خلفية تصعيد من جانب القوات الأوكرانية في شرق البلاد. فقد أعلنت جمهورية دونيتسك الشعبية، المعلنة من طرف واحد، أن شخصا قتل وأصيب اثنان آخران بجروح جراء القصف المتواصل لبلدات ومواقع بالجمهورية من جانب العسكريين الأوكرانيين.
ووفقا للمتحدث باسم قوات جمهورية دونيتسك إدوارد باسورين فإن قيادة القوات الأوكرانية تخطط لاستفزازات ضخمة عشية الاحتفالات بعيد الانتصار على النازية خلال يومي 8 و9 مايو عن طريق قصف مكثف باستخدام منظومات "غراد" وغيرها من الأسلحة الثقيلة، بهدف تحميل قوات "دونيتسك الشعبية" المسؤولية عنها فيما بعد.
ويرى المراقبون أن هذه المخاوف مبررة نظرا لنفوذ القوى القومية المتطرفة، المتمثلة بالقطاع الأيمن، في السلطة الرسمية وخارجها. إضافة إلى اتساع تأثير ونشاط النازيين الجدد في أوكرانيا بعد وصول مجموعة الليبراليين الجدد الموالين للغرب إلى السلطة في كييف عقب الانقلاب ضد الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش.
أوباما يتعامل بصبيانية مع الملف الأوكراني وموسكو ترفض مشاركة واشنطن في مجموعة نورماندي
قبل يوم واحد فقط من اتصال كيري مع لافروف، وفي 28 أبريل، صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الياباني، بأن الولايات المتحدة واليابان تضعان مواجهة "عدوان" روسيا في أوكرانيا في قائمة أولوياتهما، وأنهما تتصديان بصورة مشتركة "للعدوان الروسي في أوكرانيا، وتساعدان المدنيين الذين يهددهم تنظيم "الدولة الإسلامية"، وتقاومان انتشار فيروس إيبولا. وهو ما وصفة المراقبون بصبيانية أوباما في التعامل مع الملف الأوكراني من جهة، وإظهار عدوانية مثيرة للتساؤلات ضد روسيا التي يضعها في خانة واحدة مع تنظيم "داعش" الإرهابي.
يذكر أن أوباما كان قد ندد في سبتمبر 2014، من منبر الأمم المتحدة بما وصفه بعدوان روسيا في أوروبا، وبأن الأعمال الروسية في أوكرانيا تتحدى النظام العالمي. ومن أجل المزيد من الإثارة الهوليودية ندد بما أسماه "ضم موسكو شبه جزيرة القرم، ودعم الانفصاليين في أوكرانيا"!
وبالتالي لم يكن أمام روسيا إلا أن تعيد النظر في إمكانية مشاركة الولايات المتحدة في رباعية نورماندي المختصة بتسوية الأزمة الأوكرانية، والتي تضم كلا من روسيا وألمانيا وفرنسا وأوكرانيا. وقال غريغوري كاراسين، نائب وزير الخارجية الروسي الاثنين 27 أبريل إن إطار "نورماندي" لا يحتاج إلى توسيع ويجب العمل بالصيغة الحالية.
وحول إمكانية انضمام الولايات المتحدة إلى "رباعية نورماندي"، قال كاراسين "جميعنا جاهزون لبحث أي شيء فالأهم هو الحصول على نتائج. ونحن معنيون بأن يرتكز عمل جميع الهيئات التي تم تأسيسها على تحقيق نتائج إيجابية". وكرر كاراسين موقف موسكو بشأن توسيع "نورماندي" وانضمام واشنطن إليها، بأن وزير الخارجية سيرغي لافروف أعلن الموقف الروسي بضرورة العمل حاليا بهذه الصيغة ولا داعي لتوسيعها. وأشار إلى أن العمل يجري حاليا على تشكيل فرق عمل فرعية تابعة لمجوعة الاتصال الخاصة بالتسوية لكي يعقد ممثلوها عن كييف ودونيتسك ولوغانسك وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي اجتماعا بأسرع ما يمكن.
وأكد كاراسين أن أسماء ممثلي الأطراف أصبحت معروفة وأن الأهم الآن هو تحديد مكان وموعد اللقاء، وأنه من المهم أيضا أن يكون جميع الممثلين على استعداد لحضوره، مضيفا أن اللقاء سيعقد في مينسك على ما يبدو. وأضاف أنه لم يتقرر موعد محدد حتى الآن، والمهم أن يكون لدى ممثلي هذه الفرق حقوق متساوية. وأشار أيضا إلى عدم وجود موعد محدد للقاء نواب وزراء خارجية "رباعية نورماندي".
وكان السفير الأمريكي في موسكو جون تيفت قد أعلن أن الرئيس باراك أوباما يمكن أن ينضم إلى جهود "رباعية نورماندي" الهادفة إلى التسوية في شرق أوكرانيا في حال تلقيه دعوة للمشاركة في نشاطاتها. وقال إنه ليس لديه معلومات مباشرة عن رأي أوباما في إمكانية مشاركته في أعمال "مجموعة نورماندي"، لكنه أعرب عن اعتقاده بأن موقف الرئيس الأمريكي من هذه القضية سيكون إيجابيا.
وعلى الفور أبدت الرئاسة الأوكرانية دعمها لفكرة انضمام الولايات المتحدة لصيغة "نورماندي" (روسيا، ألمانيا، فرنسا، أوكرانيا) في جهودها الهادفة إلى تسوية الأزمة في جنوب شرق أوكرانيا.
وأعرب نائب رئيس الديوان الرئاسي الأوكراني فاليري تشالي عن تقديره لهذه الفكرة، مشيرا إلى أنه يجب أن تكون هناك موافقة من جميع دول "رباعية نورماندي" على انضمام واشنطن إلى العملية التفاوضية. وأشار إلى أن القرار في هذا الموضوع ليس حكرا على أوكرانيا، مضيفا أنه شخصيا يرى مشاركة الولايات المتحدة في المفاوضات أمرا مجديا.
وأوضح تشالي أن "صيغة نورماندي" كانت تشمل في السابق فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا فقط، أما الآن فالأمور تغيرت وأصبح موقف الاتحاد الأوروبي موقفا "متفقا عليه مع الولايات المتحدة". واعترف تشالي بأن الولايات المتحدة تشارك عمليا في المفاوضات، لكن ليس كدولة إنما من خلال موقف المشاركين الذين يتوافقون على كل ذلك.. وهناك تنسيق للخطوات المتخذة، على حد تعبيره.
وفي تعليقه على ما قاله سفير الولايات المتحدة لدى روسيا جون تيفت حول إمكانية انضمام الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى نشاطات "مجموعة نورماندي"، أعلن الكرملين أن موسكو سترحب بتحرك أي دولة بإمكانها ممارسة الضغط على السلطات في كييف لحملها على تنفيذ اتفاقات مينسك بشأن التسوية في جنوب شرق أوكرانيا. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحفيين الثلاثاء 21 أبريل: "إذا كان هناك بلد مستعد وقادر على التأثير على كييف لحملها على تطبيق اتفاقات مينسك - 2، فإن موسكو بالطبع سترحب بذلك".
وأشار بيسكوف إلى أن الخطة التي تم التوصل إليها في مينسك تقضي باتخاذ خطوات لاحقة على طرفي النزاع القيام بها، لكن كييف تماطل في تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقات، وهذا ما يجعل الوضع في المنطقة هشا، الأمر الذي يثير قلق موسكو. وجدد بيسكوف موقف موسكو القائل إن الأهم الآن هو التركيز على تنفيذ كييف جميع الالتزامات التي أخذتها على عاتقها"، مشددا على ضرورة أن يتم ذلك "حسب الترتيب المشار إليه في نص الوثيقة التي وقع عليها ممثلو كييف".
وأكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية أن موسكو مستعدة لاستئناف الحوار مع واشنطن إذا بادرت الأخيرة إلى ذلك، مشيرا إلى أن روسيا "لم تبادر إلى طي الحوار الثنائي حول المسارات المختلفة" بين البلدين. كما تطرق بيسكوف إلى موضوع العقوبات الجوابية التي فرضتها روسيا في أغسطس 2014 لمدة عام واحد، ردا على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية. وقال بيسكوف إنه من السابق لأوانه الحديث عن تمديد هذه الإجراءات أو عدم تمديدها بعد انقضاء مدتها في أغسطس المقبل، في إشارة منه إلى أن موسكو تربط البت في هذه المسألة بالقرارات التي ستتخذها قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل حول موضوع العقوبات.
مراقبون يرون أن واشنطن لم تبد ردود الأفعال المطلوبة بشأن التلميحات الروسية بإمكانية الموافقة على توسيع صيغة نورماندي لتشمل الولايات المتحدة إلى جانب فرنسا وألمانيا وأوكرانيا وروسيا. فالسفير الأمريكي في موسكو جون تيفت أعرب عن أمله في إمكانية تطبيق اتفاقات مينسك بشأن تسوية النزاع في جنوب شرق أوكرانيا، معتبرا أن الحديث يدور عن "اتفاق إطار جيد" لوقف حقيقي لإطلاق النار في المنطقة، إلا أنه ذهب بعيدا في توجيه الاتهامات لروسيا، مشيرا إلى أن عددا من بنود الاتفاقات لم تجد تطبيقا على الصعيد العملي حتى الآن، بما في ذلك تلك المتعلقة بسحب الأسلحة الثقيلة من خط التماس بين الطرفين. وشدد في الوقت نفسه على أن أوكرانيا تشهد تسربا لمعدات عسكرية ومقاتلين من روسيا، وهو الأمر الذي كانت، وما زالت، موسكو تنفيه دائما. غير أن الإدارة الأمريكية مصممة على خيالاتها، وما تتلقاه من معلومات تضليلية من الأجهزة والسلطات الأوكرانية في كييف، لأنها ببساطة تلبي جزءا من مصالحها وسيناريوهاتها في إشعال المنطقة.