افراسيانت - بقلم: محمد ابو لبدة - عند الحديث عن العنصرية في اسرائيل والقوانين التي تسنها وسنتها بهذا الشأن والموجهة بصورة رئيسة ضد شعبنا الفلسطيني وضد كل من هو غير يهودي اي وفقاً لتعبيرهم «الاغيار»، فإنه لا بد لنا من العودة الى البدايات منذ تأسيس الحركة الصهيونية التي قامت على اساس ما يسمى ايجاد وطن قومي لليهود على حساب الشعب الذي يتم اختيار بلاده ليكون الوطن القومي المنشود.
وبعد ان طرحت هذه الحركة عدة خيارات لاماكن قيام هذا الوطن تم في مؤتمر بازل في سويسرا اختيار فلسطين لتكون هذا الوطن على حساب شعب هذه البلاد الا وهو شعبنا، حيث ابتدعت الحركة الصهيونية مقولة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض في محاولة لتسويقها امام العالم الذي دعمت دوله الاستعمارية هذه الفكرة لأنها وجدت في الحركة الصهيونية ضالتها لتحقيق مآربها في السيطرة على المنطقة العربية ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهذه الدول وخاصة بريطانيا التي كانت في حينه تعتبر القوة العالمية الأولى والتي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها في كافة ارجاء العالم.
ومجرد تأسيس الحركة الصهيونية فإن تأسيسها قام على فكرة عنصرية اي اقامة وطن لليهود على حساب شعب هذا الوطن، وبالفعل ساهمت بريطانيا في تحقيق هذه الفكرة العنصرية من خلال وعد بلفور المشؤوم الذي نص على اقامة ما يسمى وطن قومي لليهود في فلسطين.
وما دامت الحركة الصهيونية قامت على اساس عنصري وهو احلال يهود العالم محل الشعب الفلسطيني فإن ما بني على العنصرية يستمر ويتواصل في عنصريته، حيث استخدمت الحركة الصهيونية وبدعم من بريطانيا كافة الوسائل والاساليب العنصرية والقمعية من أجل تحقيق هذه الغاية غير الشريفة والتي لا تمت للإنسانية بصلة.
ولأن ما بني على باطل فهو باطل فإن اقامة دولة اسرائيل على حساب شعبنا هي بالنتيجة دولة باطل ولذا نراها من أجل استمرارية مشروعها العنصري تسن القوانين العنصرية الموجهة ضد شعبنا والتي طالت ايضاً بعض الفئات اليهودية داخل المجتمع الاسرائيلي.
فالعنصرية ضد شعبنا لا بد لها في نهاية المطاف ان تطال فئات يهودية كما تلاحظ الآن حيث التفرقة العنصرية ضد اليهود الشرقيين وضد الاثيوبيين وهو ما سيؤدي لاحقاً الى انهيار دولة اسرائيل التي تمثل المشروع الصهيوني او بصورة ادق مشروع الحركة الصهيونية.
فمنذ اقامة دولة اسرائيل على ٧٨٪ من الارض الفلسطينية عام ١٩٤٨م واحتلالها لبقية الارض الفلسطينية عام ١٩٦٧م واسرائيل تستخدم قوانين الطوارىء البريطانية والقوانين العثمانية التي كانت ترفضها قبل اقامتها وتسن القوانين العنصرية ضد الفلسطينيين.
فقد فرضت على الفلسطينيين الذين بقوا في البلاد عام ٤٨ الحكم العسكري وطبقت عليهم قوانين الطوارىء التي سنتها حكومة الانتداب البريطاني الاستعمارية لتجسيد وتحقيق وعد بلفور المشؤوم، أي ان اسرائيل فور اقامتها اعتمدت نوعين من القوانين ضد الفلسطينيين واراضيهم وممتلكاتهم وهي قوانين حكومة الانتداب البريطاني والقوانين العثمانية والقوانين التي اصدرتها وذلك لتحقيق يهودية الدولة والاستيلاء على اراضي اللاجئين الذين شردتهم بقوة السلاح والمجازر من ديارهم.
وقوانين حكومة الانتداب البريطاني التي ابقتها دولة اسرائيل سارية المفعول هي: قانون «اراضي الموت» الصادر عام ١٩٢١، وقانون الغابات الصادر عام ١٩٢٦، وقانون تسوية الحقوق في الاراضي الصادر عام ١٩٢٨م وقانون الاستملاك للمنفعة العامة الصادر عام ١٩٤٣ وانظمة الطوارىء لعام ١٩٤٥م، اما القوانين التي سنتها فهي: قانون املاك الغائبين لعام ١٩٥٠، قانون املاك الدولة لعام ١٩٥٠، قانون استملاك الاراضي لعام ١٩٥٣ م ،قانون اراضي اسرائيل لعام ١٩٦٠م، قانون الاستيطان الزراعي لعام ١٩٦٧م، قانون استملاك الاراضي في النقب لعام ١٩٨٠م، مشروع اعمار النقب والذي تمت بموجبه مصادرة عشرة آلاف دونم من اراضي الفلسطينيين، ومشروع عابر اسرائيل الذي صادر الكثير من الاراضي الفلسطينية، ومشروع تهويد بيوت يافا القديمة وتحويلها الى ڤلل فاخرة لليهود فقط.
وبعبارة أوضح فقد كان اليهود حتى اقامة اسرائيل يملكون اقل من (٦٪) من مساحة فلسطين واصبحوا الآن يملكون اكثر من ٩٠٪ من مساحتها.
ومنذ احتلال اسرائيل لبقية الأرض الفلسطينية سنت الكثير من القوانين العنصرية ضد الفلسطينيين في الداخل وفي المناطق المحتلة عام 1967م حيث اوغلت بعنصريتها ضاربة بعرض الحائط كافة المواثيق والاعراف الدولية.
ويقول الباحث الفلسطيني المتخصص بالشأن الاسرائيلي برهوم جرايسي ان هناك ذروة خطيرة وغير مسبوقة في التشريعات العنصرية الاسرائيلية التي استفحلت في السنوات العشر الاخيرة بشكل خاص.
ورأى جرايسي ان دولة الاحتلال تسعى الى قوننة العنصرية في اطار تصعيد استهدافها للفلسطينيين وخلق موقف عدائي للعرب الى جانب تعميق سياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي الداخل وتهويد المناطق المحتلة منذ عام 67م وتضييق الخناق على اهلها الاصليين بالتزامن مع شرعنة الاستيطان ومنح امتيازات للمستوطنين وملاحقة المراكز الحقوقية الناشطة في الدفاع عن الفلسطينيين.
ومن ابرز القوانين التي سنتها الكنيست الاسرائيلي في دورتها السابقة والحالية والتي هي ابان رئاسة بنيامين نتنياهو للحكومات اليمينية المتطرفة بل والاكثر تطرفا منذ اقامة اسرائيل ما يلي:
1-قانون التغذية القسرية للاسرى المضربين عن الطعام والذي تم اقراره يوم 2015/6/14م وصادق الكنيست عليه في 2015/7/30 وهو من اخطر القوانين التي تهدد حياة الاسرى المضربين عن الطعام والذي يعتبر نوعا من التعذيب واجراء غير اخلاقي ويتنافى مع الاعراف المهنية والطبية.
2-قانون رفع الاحكام بحق الاطفال راشقي الحجارة، حيث صادقت الكنيست عليه يوم 2015/7/21 والذي ينص على امكانية فرض عقوبة السجن لمدة 10 سنوات على راشقي الحجارة.
3-قانون تشديد عقوبة الحد الادنى على راشقي الحجارة في القدس، حيث صادقت الكنيست الاسرائيلي يوم 2015/11/12 على مشروع القانون هذا الذي تقدمت به وزيرة العدل الاسرائيلية شاكيد والذي ينص على فرض عقوبة السجن الفعلي لمدة 2- 4 سنوات على راشقي الحجارة وسحب مخصصات التأمين الوطني من اسرى القدس واجبارهم على دفع تعويضات للاسرائيليين "المتضررين".
4-قانون محاكمة الاطفال دون سن 14 عاما والذي اقرته الكنيست يوم 2015/11/25 ويسمح بمحاكمة وسجن اطفال دون 14 عاما، وجاء في نص القانون ان المحكمة تستطيع محاكمة اطفال من سن 12 عاما لكن عقوبة السجن الفعلي تبدأ بعد بلوغهم 14 عاما ويتم ارساله قبل بلوغه هذه السن الى اصلاحية مغلقة.
5-وفي الشهر الجاري خفض الكنيست الحد الادنى لسجن الاطفال الفلسطينيين من 14 عاما الى 12 عاما في حال ادانتهم باعمال مناهضة لاسرائيل.
6-قانون التفتيش الجسدي دون وجود شبهات، حيث صادقت اللجنة الوزارية الاسرائيلية لشؤون التشريع يوم 2015/10/19 على مشروع قانون يسمح للشرطة الاسرائيلية باجراء تفتيش جسدي حتى على عابري سبيل غير مشبوهين بحجة مكافحة العنف.
7-قانون اعفاء المخابرات من توثيق التحقيق: فقد صادقت الكنيست بتاريخ ٢٠١٥/٦/٢٥ على تمديد بند لقانون مؤقت يعفي جهاز المخابرات الاسرائيلي والشرطة من توثيق التحقيقات بالصوت والصورة لمدة ٥ سنوات اضافية.
٨- تطبيق القانون الجنائي الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ٦٧ لصالح المستوطنين، حيث وقع قائد المنطقة الوسطى الاسرائيلي على امر عسكري بتطبيق القانون الجنائي الاسرائيلي على الفلسطينيين الذين تجري محاكمتهم في الاراضي المحتلة ويستثنى من ذلك ما يسمى قانون «درومي» الذي لا يشمل اعتداء المستوطنين على السكان الفلسطينيين ويعفيهم من المسؤولية الجنائية.
٩- مشروع قانون اعدام الاسرى: بتاريخ ٢٠١٥/٦/٢ قدم للكنيست مشروع قانون جديد ينص على اعدام اسرى فلسطينيين بحجة ادانتهم بعمليات قتل فيها اسرائيليون.
١٠- قانون ما يسمى بالارهاب: حيث صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في الحكومة اليمينية - الاسرائيلية بتاريخ ٢٠١٥/٧/٢٧ على اقتراح القانون انف الذكر والذي ينص من بين ما ينص عليه انه لا يمكن الافراج عن معتقل حكم بأكثر من مؤبد واحد الا بعد ٤٠ عاما من وجوده في السجن.
يشار الى ان هناك قوانين عنصرية اخرى اقرتها الكنيست الحالية التي معظم اعضائها من اليمين الاسرائيلي المتطرف ومن بين هذه القوانين ما يلي:
١- قانون ينفي صفة الارهاب عن عصابات المستوطنين ويكتفي بتسمية جرائمهم «بجرائم كراهية» تخضع لنظام عقوبات خاص ومخفف وقد تم اقراره بالقراءة الاولى.
٢- قوانين تستهدف المتضامنين مع الشعب الفلسطيني افرادا ومؤسسات واخرى تستهدف رافضي حملات الخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي.
واشار الباحث جرايسي الى ان من بين القوانين المدرجة على جدول اعمال الكنيست خلال الولاية الحالية ٥٠ قانونا عنصريا من بينها ١٦ تدعو الى اخضاع مناطق الضفة الغربية المحتلة الى السيادة الاسرائيلية وقانونين يستهدفان المساجد والكنائس واخر يدعو للسماح لليهود بالصلاة في باحات الاقصى.
كما ان هناك العديد من القوانين التي تم اقرارها في الكنيست وداخل الحكومة ولامجال لتعدادها في هذه العجالة كقانون المواطنة والغاء عضوية اعضاء كنيست ولم الشمل... الخ.
وباختصار يمكننا القول ان العنصرية في اسرائيل في تزايد مستمر لاسيما في ظل الحكومة الاسرائيلية الحالية التي تعد الاكثر يمينية وعنصرية في تاريخ اسرائيل.
ولكن رغم كل هذه القوانين والاجراءات العنصرية، فان مصيرها الزوال بل مزبلة التاريخ، لان تاريخ الشعوب اثبت ذلك في جنوب افريقيا والجزائر وغيرها من البلدان، فارادة الشعوب هي المنتصرة دوما وارادة شعبنا رغم كل المعاناة والجرائم التي ارتكبت بحقه لا يمكنها ان تلين ولا يضيع حق وراءه مطالب، وهذه القوانين العنصرية لا يمكنها ان تنجح المشروع الصهيوني، بل على العكس من ذلك فانها ستزيد من الكراهية والعنف.