افراسيانت - حلمي موسى - يوماً بعد يوم، ورغم الأزمة التي تعيشها المنطقة العربية جراء الاقتتال والانشغال بالصراعات الداخلية، تتوسع مظاهر المقاطعة لإسرائيل. وقد قادت الجهود التي تبذلها منظمات غير حكومية في أنحاء العالم إلى اتخاذ سلسلة من التدابير ضد المستوطنات الإسرائيلية، ليس فقط على الصعيد الفردي، وإنما أيضاً على الصعيد المؤسساتي والحكومي في العديد من دول العالم. وأشد ما يضايق الإسرائيليين في هذا السياق، حملات المقاطعة التي تنجح في الولايات المتحدة، والتي تنظر إليها إسرائيل بقلق شديد.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن مظاهر المقاطعة تتوسع في الولايات المتحدة، وآخرها القرار الذي اتخذه صندوق التقاعد في الكنيسة الميثودية الأميركية.
وتعتبر هذه الكنيسة بين التيارات المركزية للمسيحية البروتستانتية ذات النفوذ الهائل في أميركا الشمالية، وهي تضم في عضويتها ما لا يقل عن سبعة ملايين أميركي، فضلاً عن خمسة ملايين آخرين خارج أميركا. أما صندوق التقاعد للكنيسة، فإنه يدير سلةً مالية تبلغ حوالي 25 مليار دولار، يُستثمر جزءٌ منها في مؤسسات وشركات إسرائيلية.
وقد اتخذت الكنيسة قراراً بسحب استثماراتها من سلسلة من الشركات الإسرائيلية، خصوصاً المصارف الخمسة الكبرى، بسبب ما أسمته «التورط في انتهاكات حقوق الإنسان». ورغم أن قرار صندوق التقاعد في الكنيسة لم يقتصر على إسرائيل، وشمل أيضا سحب استثمارات من العديد من مناطق النزاع، إلا أن إسرائيل لا تجد عزاءً في ذلك. وفي نظرها، فإن الخطوة موجهة جوهرياً ضدها، وأن تعامل الكنيسة مع إسرائيل بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها مع جهات أخرى، هو نذير شؤم. والأدهى في نظر إسرائيل، أن تبرر الخطوة بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان، ما يعتبر نوعاً من الإسناد للفلسطينيين وقضيتهم.
وجاء في قرار صندوق التقاعد في الكنيسة الميثودية أنه ابتداء من كانون الأول 2015 سيتم إدخال كل من «مصرف هبوعليم»، ومصرف «ليئومي»، و«المصرف الدولي الأول»، و«مصرف ديسكونت» و«مصرف مزراحي» ضمن «القائمة السوداء» للشركات التي لا ينبغي الاستثمار فيها. وجرى تبرير القرار بأنه تم على خلفية تمويل هذه المصارف لمشاريع استيطانية في الضفة الغربية المحتلة. وتقع ضمن «القائمة السوداء» لهذا الصندوق أيضاً شركة «البيت» للأعتدة الأمنية، على خلفية استخدام معداتها في قمع الفلسطينيين، وأيضاً «شركة الإسكان والبناء» لدورها في المستوطنات.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن قرار صندوق التقاعد شكل مفاجأة لإسرائيل لأن مثل هذه القرارات كانت تتخذ في السنوات الأخيرة فقط في أوروبا. وأضافت الصحيفة أن القرار يعتبر أحد أهم القرارات التي اتخذتها أي جهة أميركية حتى الآن في كل ما يتصل بفرض عقوبات على شركات إسرائيلية جراء نشاطها الاستيطاني أو القمعي.
ولا تزال إسرائيل تأمل أن ينقض المؤتمر العام للكنيسة، والذي سيعقد في شهر أيار المقبل، هذا القرار، بعدما بدأت مساعٍي تهدفُ إلى إقناع رؤساء الكنيسة بوجوب التخلي عن القرار أو تلطيفه. ومعروفٌ أن الكنيسة الميثودية بالغةُ النفوذ في الولايات المتحدة، ومن بين أتباعها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الاب، وهيلاري كلينتون.
وكانت أشكال المقاطعة المباشرة وغير المباشرة لإسرائيل قد تزايدت في أوروبا، حيث أقر «صندوق التقاعد الأكبر» في الدانمارك، والمعروف بـ «FPA Pension»، قبل حوالي شهر، سحب استثماراته، ليس فقط من شركات إسرائيلية، وإنما أيضاً من شركات ألمانية تتعامل مع شركات إسرائيلية تعمل في المستوطنات. ومَسّ القرار بشكلٍ واضح شركة HeidelbergCement الألمانية التي تعتبر من أكبر الشركات العالمية في مجال مواد البناء، والتي تتعامل مع شركات إسرائيلية لها علاقة بالاستيطان.
وكانت الشركة الألمانية قد اشترت شركة بريطانية لها فرع في إسرائيل يعمل في المنطقة «ج» الخاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية. وبموجب معاهدات جنيف ولاهاي، فإن استغلال الموارد الطبيعية في أرض محتلة لصالح قوة الاحتلال يعتبر أمراً مرفوضاً. واعتبرت هذه الخطوة من المقاطعة «الثلاثية» نذير شؤم كبير جعل الكثير من الشركات والمصارف الإسرائيلية تتحسب من خطواتٍ لاحقة. واتخذت صناديق تقاعد أخرى في عدد من الدول في السنوات الماضية قرارات بسحب استثماراتها من إسرائيل. ومن بين الدول التي سحبت صناديق تقاعد فيها استثماراتها من إسرائيل، هولندا والدانمارك وألمانيا والسويد وفنلندا وإيرلندا ودول أوروبية أخرى.
وكانت ندوة نظمت قبل شهور في إسرائيل قد اعتبرت أن المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل واتساعها يتحولان إلى خطر وجودي. وشرعت الحكومة الإسرائيلية، بعد سنوات من تجاهل الحملة الدولية للمقاطعة والاستخفاف بها، إلى تكريس جهود حكومية من أجل إحباطها. واعتبر مسؤول اقتصادي إسرائيلي إن الخطر الأكبر على الصادرات الإسرائيلية هو المقاطعة الصامتة من جانب شركات تقرر من دون إعلان عدم شراء بضائع إسرائيلية، موضحاً أن الحكومة واتحاد الصناعيين الإسرائيليين يخشون من أن الظاهرة تزداد اتساعاً وخطورة.
وخلافاً للموقف التجاهلي السابق، اعتبر مسؤولون إسرائيليون الحملة الدولية للمقاطعة «بي دي اس» (BDS) أنها «قنبلة موقوتة، تستدعي من الحكومة أن تمد يد العون للشركات، حتى لا تصطدم بهذا الجدار».
السفير