افراسيانت - تراجع الاهتمام الإعلامي بخروج وزير الدفاع من منصبه لصالح حكم القضاء الذي برّأ الشرطي "الأبيض" من اغتيال الشاب "الأسود"، في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري، وزج حاكم الولاية بقوات أمنية كبيرة تعدت 2.200 من الشرطة والحرس الوطني، لمدينة بالكاد يبلغ تعداد سكانها 21,000 نسمة.
كثر الحديث مؤخراً عن أزمة بين الرئيس أوباما ووزير دفاعه، تشاك هيغل، ولم يشكل قرار الاقالة أو الاستقالة صدمة لأي من القوى والنخب السياسية؛ بل توجهت الأنظار للبحث عن أكثر المرشحين حظاً لخلافته في ما تبقى من ولاية الرئيس اوباما من زمن.
ثم علت الصيحات مطالبة بتوفر عدد من المزايا والميول والمؤهلات في شخص وزير الدفاع القادم، أهمها التزام الحزم واستقلالية القرار وما ينبغي عليه فعله للتأثير على قرار الرئيس اوباما، مقابل صقور الحرب.
تراجع الجدل والاهتمام بحقيقة الاقالة أو الاستقالة عقب نشر توتر علاقات هيغل مع رئيسة مجلس الأمن القومي، سوزان رايس، التي تحظى بثقة اوباما العالية. وأرجع البعض أحد أهم الأسباب إلى خلفية هيغل الحزبية مما قيّد جهوده الاقتراب من الرئيس واختراق الحلقة الضيقة المحيطة باوباما.
بالمقابل، أخفق هيغل في طلب ود زملائه الجمهوريين في الكونغرس، لا سيما الثنائي جون ماكين وليندسي غراهام اللذين عاملاه بقسوة وجفاء منذ ترشيحه للمنصب، على الرغم من أنه أول وزير دفاع خدم في السلك العسكري وبلغ رتبة رقيب إبان حرب فيتنام.
زملاء هيغل من الجمهوريين في الكونغرس استشاطوا غضباً لعدم قيامه بالدور المنتظر والتكامل مع موقف العسكريين فيما يتعلق بالعراق، والسعي لابقاء القوات الأميركية هناك عبر اتفاقية تنظم العلاقة مع الحكومة العراقية ومحاباة الجانب الأميركي، بما يضمن عدم امتثال الاميركيين لأي مراقبة او مقاضاة في المحاكم العراقية – على غرار الاتفاقية المعقودة في افغانستان التي تسمح بتواجد القوات الاميركية لعام 2016.
يذكر أن تشاك هيغل "اضطُرّ" للاعتذار العلني عن تصريحاته السابقة التي فضح فيها نفوذ اللوبي اليهودي الهائل، كما وصفه، وهيمنته على إدارة وصنع القرار السياسي الأميركي.
وفاز هيغل نتيجة ذلك بدعم عدد لا بأس به من الشخصيات القيادية والمؤثرة في المشهد السياسي الأميركي، ووصفوه بأنه "تحلى بالجرأة والشجاعة لطرح التساؤلات ومعارضة الطاقم المدمر من الحزبين للسياسة الخارجية."
الهوية الحزبية لهيغل الجمهوري كان لها الفضل الأول في اختياره للمنصب، اذ ساد اتفاق غير معلن بين الحزبين بأن وزارة الدفاع هي حصة الجمهوريين بصرف النظر عن الحزب الحاكم.
أهلية هيغل للمنصب لم تكن محط جدل الكثيرين، سيما وانه حاز على ثقة كبار القادة العسكريين رافقت ترشيحه، من ضمنهم وزير الخارجية الاسبق كولن باول، اذ اعتبر هيغل "مؤهل بشكل ممتاز." وانضم جون ماكين ايضا للدفاع عن هيغل عقب اقالته بالتأكيد على "تأهله وتمتعه بتمام الكفاءة."
مستشار الأمن القومي الاسبق، زبغنيو بريجينسكي، اثنى على هيغل عقب ترشيحه للمنصب كونه "سينفخ الروح في مسار سياستنا الخارجية ونحن بأمسّ الحاجة اليه،" موضحا ان المشهد السياسي يعاني من ازمة "استراتيجية .. نظرا لانشغاله في متاعب تؤدي بنا الى انزلاق بطيء وجمعي في وحولها."
اعتُبر هيغل من المقربين للرئيس اوباما، في البداية، لجهوزيته في دعم "حروب اوباما" اينما حلت. اقالة هيغل دلت على صحة التنبؤات السابقة بأنه اضحى على نقيض من توجهات الرئيس اوباما في السياسة الاميركية حيال سورية، وامتدادا توسع داعش. هناك شبه اجماع على دلالة الاقالة بأنها تجسد تمركز صنع القرار في البيت الابيض حصرا، وتهميش دور البنتاغون وآخرين في ادارته.
اتهم هيغل طاقم البيت الابيض – لا سيما مجلس الأمن القومي – بالتخلي عن هدف الاطاحة بالنظام السوري مطالبا بتصويب البوصلة نحوه. كما جاء تصريح الناطق باسم البيت الابيض، جوش ايرنست، دالاً على عمق الازمة بقوله "وزير آخر ربما سيكون اكثر ملائمة للتصدي لتلك التحديات،" مشددا على مسألة خروج هيغل بانها ثمرة نقاش واتفاق ثنائي مع الرئيس اوباما.
نقل عن هيغل امتعاضه الشديد من اعلان الرئيس اوباما قبوله العرض الروسي بشأن السلاح الكيميائي السوري، سيما انه توصل "لاتخاذ قراره خلال نزهة قصيرة مع رئيس طاقم موظفي البيت الابيض، دينيس مكدونو." اما هيغل فقد تم ابلاغه بالقرار لاحقا.
اوضح السيناتور المتشدد جون ماكين ان وزير الدفاع هيغل كان يعاني من حالة احباط شديدة نتيجة تهميش دوره واستثنائه من الجدل الدائر في مجلس الأمن القومي، الذي عادة ما يتبنى الرئيس اوباما توصياته للمواقف السياسية.
وعليه، باستطاعة المرء التوصل لخفايا الاقالة: اذ تصاغ القرارات داخل الطاقم الضيق في مجلس الأمن القومي ويترتب على وزير الدفاع هيغل تنفيذها دون ان يحجز له دور للمساهمة في قضايا تصب في صميم عمل وزارته. واتهم رايس بفوضوية ادارتها لمجلس الأمن القومي، اسوة بانتقادات اسلافه بوب غيتس وليون بانيتا لآلية عمل البيت الابيض.
وضمن اطار هذه الخلفية جاء "الاعلان" عن مذكرة هيغل شديدة اللهجة موجهة لمستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي، سوزان رايس، يحذر فيها من "اخفاق السياسة الاميركية حيال سورية نظرا لقصورها توضيح نوايا (الرئيس اوباما) بخصوص الرئيس بشار الاسد."
بعض النخب الفكرية شاطرت تشاك هيغل انتقاداته لسياسة الرئيس اوباما، ابرزها كان المستشار السابق لوزارة الخارجية في المفاوضات مع "اسرائيل،" ارون ديفيد ميللر. اذ اوضح ان الرئيس "اوباما يهيمن ولا يفوّض .. وربما اضحى اكبر المسيطرين على السياسة الخارجية منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون."
المقارنة السابقة تظلم الطرفين خاصة ان الرئيس اوباما لا يتمتع بالحنكة والدهاء في ادارة السياسة الخارجية التي تحلى بها نيكسون؛ وبات يعاني من شح الانجازات في هذا المجال الحيوي ويظهر محاباة واضحة نحو مواليه من المساعدين والمستشارين وتهميش الاراء المتباينة.
اكد بعض المطلعين عن كثب بعمل البيت الابيض ان اسلاف هيغل، بوب غيتس وليون بانيتا، "لم يواكبا القرار الرسمي وقوبلا بعدم رضى من طاقم (المستشارين في) البيت الابيض .. وانتهى بهما الأمر الى تقديم استقالتيهما من المنصب، والآن جاء الدور على هيغل."
حصر مسالة اتخاذ القرار باستبعاد مساهمة وزير الدفاع تطرح من جانبها ماذا بوسع اي وزير دفاع مقبل عمله للمشاركة والتأثير على قرارات وسياسات البيت الابيض.