افراسيانت - حلمي موسى - لا تزال الهبَّة الشعبية الفلسطينية مستمرة، برغم التدابير القمعيّة والاحترازية الإسرائيلية، ومحاولات الالتفاف السياسي عليها إقليمياً ودولياً. في هذه الأثناء، بدأت الشروخ تظهر على جسد التسوية التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إذ قالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي حوتبولي، إنَّها تحلم برفع العلم الإسرائيلي على المسجد الأقصى، في حين أعلن وزير الأوقاف الأردني معارضة بلاده نشر كاميرات داخل الحرم.
وأفسدت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي حوتبولي، فرحة رئيسها، وزير الخارجية الذي ليس سوى رئيس الحكومة نفسه، بنيامين نتنياهو، بإعلانها مواقف تتناقض مع ما حاول طوال أسابيع تسويقه، حول أنَّ لا نية لإسرائيل بتغيير الواقع القائم في الحرم القدسي.
ومعروف أنَّ حوتبولي التي تملك مكانة عالية في قائمة «الليكود» للكنيست، وتمثّل التيار الأكثر يمينيّة، سبق وزارت الحرم القدسي بقصد الصلاة فيه، كما سبق لها أن أعلنت تأييدها لإقامة الهيكل. بل إنَّها استخدمت مكانتها كوزيرة للخارجية في تسويق أفكارها، وهو ما قاد إلى صدام بينها وبين وزير الخارجية الأردني في الأمم المتحدة.
وكانت حوتبولي قد تجاوزت حدود ما يريد نتنياهو كشفه، بإعلانها أنَّ «حلمي هو أن أرى علم إسرائيل يرفرف فوق جبل الهيكل (الحرم القدسي)». وخلافاً لموافقة نتنياهو على معادلة «الصلاة للمسلمين والزيارة لغيرهم»، دعت حوتبولي إلى السماح لليهود ليس فقط بزيارة المكان، وإنَّما أيضاً بالصلاة فيه. وقد جاء كلامها في مقابلة مع برنامج «جرثومة سياسية» الذي يبث على قناة الكنيست، بعدما وصفت الحرم بـ «المكان الأشدّ قدسية للشعب اليهودي».
وبديهي أن يربك كلام حوتبولي رئيس حكومتها الذي يبذل جهداً هائلاً مع كلٍّ من الإدارة الأميركية والحكومة الأردنية من أجل تهدئة الأوضاع في القدس. واضطر ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية إلى إصدار بيان جاء فيه أنَّ «سياسة حكومة إسرائيل تجاه جبل الهيكل (الحرم القدسي) عبَّر عنها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في بلاغه مساء يوم السبت، ولا تغيير فيه. لقد أوضح رئيس الحكومة نتنياهو أنّه ينتظر من كل أعضاء الحكومة أن يعملوا وفق البلاغ».
وفقط بعد بيان رئاسة الحكومة، حاولت حوتبولي تلطيف كلامها عبر إعلانها أنَّ «آرائي الشخصية ليست سياسة الحكومة، وأنا بالتأكيد ملتزمة بسياستها، كما عبر عنها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مساء يوم السبت، بأن أعلن أنه لن يكون هناك أي تغيير على الوضع القائم في جبل الهيكل».
ومعروف أن كلام حوتبولي ينسف من أساسه التعهدات التي قدّمها نتنياهو لكيري وللأردن بشأن الحفاظ على الوضع القائم. وهذا ما دفع معارضين لنتنياهو للمطالبة بإقالتها لأنّه لا معنى لكلامها سوى رفض محاولات تهدئة الأجواء. وأشار آخرون إلى أنَّ المسألة لا تكمن فقط في كلام حوتبولي، وإنَّما في ما يضمره الكثيرون من أعضاء حكومة نتنياهو، إذ تفضح كلماتهم أحياناً مواقفهم.
ومن جهته، انتقد وزير الأوقاف الأردني هايل عبد الحافظ مسألة نصب إسرائيل كاميرات في الحرم القدسي، موضحاً أنَّه «لا ينبغي لإسرائيل أن تتدخّل». وعلى ما يبدو، فإنَّ هناك خلافاً بين إسرائيل والأردن حول هذه النقطة، إذ يعتقد الأردن أنَّه الموكل بنصب الكاميرات وليس إسرائيل، فيما الأخيرة ترى العكس وبدأت في نصبها.
وكان وزير الخارجية الأميركي قد عرض مسألة نصب الكاميرات وكأنه اقتراح أردني وافقت إسرائيل عليه. ومعروف أنَّ جهات فلسطينية مختلفة اعترضت على هذا الاقتراح. وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتورة حنان عشراوي، إنَّ نصب الكاميرات «أعد لتعزيز السيطرة العسكرية لإسرائيل، بحيث يمكّنهم من العمل أكثر ضدّ مزيد من الفلسطينيين. وهذا اتفاق يرتكز إلى التفوق العسكري الإسرائيلي وينتهك الوضع القائم في القدس».
وكان مدير الاوقاف في القدس، الشيخ عزام الخطيب، قد طالب السلطات الإسرائيلية بوقف الأعمال الرامية إلى نصب كاميرات داخل الحرم. ويرى رجال الأوقاف عموماً أنَّ نصب الكاميرات أمر خطير ويشكل «تعاوناً» مع الاحتلال في إدارة الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس.
وفي كل حال، لاحظ بعض المعلقين أنَّ كلام نتنياهو في جلسة الكنيست، أمس الأول، كان لافتاً، خصوصاً قوله إنَّ إسرائيل ستنفّذ «خطوات لتخفيض الاحتكاك» حتى بغياب شريك فلسطيني باتفاق دائم. وبرغم عدم تفصيل نتنياهو ماهية الخطوات التي يقصدها، إلَّا أنَّ البعض ربطها بالأنباء التي تحدّثت عن نية رئيس الحكومة إجراء نقاش بشأن المكانة المستقبلية للأحياء الفلسطينية خلف سور الفصل في شرق القدس. وأضاف نتنياهو أنَّ السبب في عدم التوصل إلى سلام، هو عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، وأنَّ «الفلسطينيين غير مستعدين للاعتراف بإسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي، غير مستعدين لأن ينهوا مرة واحدة وإلى الأبد النزاع ولا يريدون أن يتنازلوا عن حلم العودة إلى عكا، حيفا ويافا، «إنّهم غير مستعدين لأن يتنازلوا عن حلم إقامة دولة فلسطينية ـ ليس إلى جانب دولة اسرائيل، بل في مكانها».
وقد تردّدت أنباء تفيد بأنَّ نتنياهو يفكّر في سحب الهوية الزرقاء من الفلسطينيين سكان القدس الذين يعيشون خلف الجدار الفاصل. وقد أثارت هذه الأنباء رد فعل أميركيا، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، جون كيربي، أنَّه «إذا كان هذا صحيحاً، فهو بالتأكيد مصدر قلق بالنسبة إلينا». أما المتحدث باسم البيت الابيض جورج آرنست، فقد أوضح أنَّه، بحسب ما يعلم، فإنَّ إسرائيل لا تفكر باتخاذ مثل هذه الخطوة عملياً، ولكن إذا ما اتخذتها بالفعل «فهذا سيكون سبباً للقلق بالنسبة إلينا».
وكان المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس» باراك رابيد قد نقل عن نتنياهو في جلسة خاصة بلجنة الخارجية والأمن في الكنيست ما جرى خلف الكواليس بشأن التفاهمات مع الأردن حول الحرم القدسي. وكشف نتنياهو أنَّ بعضاً من أوجه التعاون مع الدول العربية السنيّة، توقّفت بسبب التوتر حول المسجد الاقصى. وقال أمام بعض النواب الذين حضروا الجلسة، إنَّ «هناك فرصا للتعاون مع دول عربية، ولكنّها توقّفت بسبب الوضع في المسجد الاقصى. ولهذا فإنّنا نحاول تهدئة التوتر في الحرم.. الشارع في الدول العربية يرد قبل كل شيء في الموضوع الديني للمسجد الاقصى، وفقط بعد ذلك في النزاع مع الفلسطينيين».
واعترف نتنياهو أنَّه خلافاً للتطلعات التي عبر عنها علناً مرات عديدة في الأشهر الأخيرة، سيكون متعذراً تحقيق تقدّم دراماتيكي في العلاقات مع دول الخليج من دون تقدّم في المسيرة السلمية. وقال: «هناك علاقات تتوثق مع دول سنيّة، ولكن هذا لا ينجح في اختراق السقف الزجاجي بسبب الرفض الفلسطيني للدخول في مفاوضات معنا».
واستشهد، يوم أمس، فلسطينيان برصاص جنود الاحتلال بعدما طعنا جندياً إسرائيلياً وأصاباه بجروح بالقرب من كتلة «غوش عتسيون» الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة.
وأصيب عشرات الفلسطينيين بالرصاص وبحالات اختناق خلال مواجهات شهدتها عدة محاور مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية. واندلعت مواجهات في منطقة باب الزاوية، في مدينة الخليل، خلال قمع الجيش الإسرائيلي لتظاهرة تطالب بالإفراج عن جثامين 11 فلسطينياً من الخليل، تحتجزهم إسرائيل، كانوا قد استشهدوا خلال الشهر الحالي.
إلى ذلك، قرَّر نحو 340 أستاذاً جامعياً يعملون في أكثر من سبعين جامعة بريطانية مقاطعة الجامعات الإسرائيلية والمؤتمرات التي تنظمها، احتجاجاً على «الانتهاكات غير المقبولة لحقوق الانسان بحق الشعب الفلسطيني».
وكتب 343 استاذاً جامعياً في رسالة مفتوحة نشرتها، يوم أمس، صحيفة الـ «غارديان»: «كباحثين مشاركين في جامعات بريطانية، إنّنا قلقون جداً من الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية والانتهاكات غير المقبولة لحقوق الإنسان بحق الشعب الفلسطيني ومقاومة إسرائيل لأي تسوية» للصراع. وأضافوا «تلبية لدعوة المجتمع المدني الفلسطيني، نعلن أنّنا لن نقبل دعوات من أيّ مؤسسة تربوية إسرائيلية.. ولن نشارك في مؤتمرات تمولها وتنظمها وترعاها هذه الجامعات».
وينتمي بعض الموقعين إلى جامعات بريطانية عريقة كأوكسفورد، وكامبريدج، ولندن سكول أوف إيكونوميكس، ويونيفرستي كوليدج لندن.