افراسيانت - حلمي موسى - استمرَّت الهبَّة الشعبية الفلسطينية بقوّة، وتواصلت عمليّات الطعن والدهس برغم تشديد الإجراءات الوقائيّة الإسرائيليّة. في المقابل، تزايدت التحرّكات الديبلوماسيَّة على المستويَين الدولي والإقليمي في محاولة لتهدئة الأجواء ومنع انفجار أكبر، إذ ترى الإدارة الأميركية أنَّ عليها العمل لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ومع ذلك، يواصل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حملاته على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مشبهاً إياه بـ«حماس» و «داعش».
وقُبيل لقاء نتنياهو مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية الأميركي جون كيري في برلين، حمل رئيس الحكومة الإسرائيليَّة بشدَّة على الرئيس الفلسطيني وشبّهه بـ «حماس» و «داعش». وقد استغلّ فرصة المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ليعلن أنَّ «الرئيس عباس انضمّ إلى داعش وحماس في الزعم بأنَّ إسرائيل تهدّد المسجد الأقصى. هذا كذبٌ مطلق».
ورأى معلّقون إسرائيليون أنَّ أقوال نتنياهو هذه، تشهد على عمق الأزمة بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن الحرم القدسي، فضلاً عن المصاعب التي تنتظر مهمّة كيري.
وفي تصريح عميق القيمة، يمكن أن تُفهم منه مواقف رئيس الحكومة الإسرائيليّة من التحرّكات السياسية الدولية، قال نتنياهو إنَّه «إذا أرادت الأسرة الدولية حقاً وقف العنف وسفك الدماء، فإنّني أؤمن أنَّ عليها أن تعلن أنَّ إسرائيل تحافظ على الوضع القائم في الحرم القدسي.. وأنَّ على الأسرة الدولية أن تدعم حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، وأن تحمِّل عباس المسؤولية عن كلماته الخطيرة».
وفي أعقاب محادثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين، قال نتنياهو: «إذا أردنا أن يحلّ السلام، علينا أن نوقف الإرهاب. ولوقف الإرهاب، علينا وقف التحريض»، مضيفاً «أعتقد أنَّه من المهم أن يطالب المجتمع الدولي الرئيس عباس بوقف التحريض ونشر الأكاذيب حول الدولة اليهودية وسياسات إسرائيل».
وكانت صحف إسرائيلية قد أفادت بأنَّ الأمين العام للأمم المتحدة حمل معه في زيارته الخاطفة إلى المنطقة، اقتراحات من ضمنها تشكيل طواقم عمل مشتركة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن، للتأكُّد من عدم وجود انتهاكات للوضع القائم. وأشارت «إسرائيل اليوم»، المقربة من حكومة نتنياهو، إلى أنَّ مجلس الأمن الدولي سيبحث قريباً في المشروع الفرنسي لإرسال مراقبين دوليين إلى الحرم والقدس، وهو ما تحاول إسرائيل منعه.
وقد بدأ وزير الخارجية الأميركي، أمس، رحلته إلى أوروبا والشرق الأوسط حيث يأمل النجاح في تفكيك الأزمة. وسيكون نتنياهو أوَّل من سيجتمع إليه كيري من زعماء المنطقة، حيث سيلتقيه في برلين اليوم. ولكنّ وزير الخارجية الأميركي سيجتمع مع كل من الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني أبو مازن، على أن يرتكز جهده في اللقاءات مع الثلاثة، على بلورة صيغة «الوضع القائم» في الحرم القدسي، وهي أرضيّة الخلاف بين إسرائيل وكل من الملك الأردني والرئيس الفلسطيني. إذ يصرّ الأردن والسلطة على أنَّ إسرائيل انتهكت الوضع القائم، وهي تسعى إلى ترسيخ ذلك. وهناك اعتقاد بأنَّ أميركا، التي طلبت مراراً كتابة تفاهمات الوضع القائم المتّفق عليها من أواخر العام الماضي بين الحكومة الإسرائيلية والقصر الهاشمي، تحمل صيغة تسوية مكتوبة. لكن ليس هناك من يعرف بنود الصيغة الأميركية، إذ تحافظ وزارة الخارجية بشأنها على نوع من الغموض.
وفي كل حال، هناك من يؤمن بأنَّ أميركا عادت مضطرّة إلى ساحة الصراع العربي الإسرائيلي بفعل الهبَّة الشعبيّة. وقيل كلام كثير عن جهود أميركية للانسحاب من هذه الساحة التي تعتبرها «مستنقعاً» سياسياً يصعب الخروج منه، فضلاً عن أنَّه يأخذ منها الكثير من الجهد والمال.
ومعروف أنَّ العلاقات متوترة بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية منذ الصدام المشهور بشأن خطاب نتنياهو في الكونغرس، والذي كان صداماً جبهوياً بشأن الاتفاق النووي مع إيران.
ومع ذلك، هناك من يقول إنَّ كيري الذي سبق وواجه فشلاً كبيراً في كل ما يتعلّق بتحريك التسوية، يجد اليوم في أزمة الحرم القدسي فرصةً لدفع الأطراف نحو مناقشة مواضيع تتخطَّى مسألة الحرم وظروف الهبَّة. وتتحرَّك أميركا أيضاً بدافع أنَّها إنْ لم تفعل ذلك، فإنَّ هناك قوى أوروبيّة ودوليّة مستعدة لملء الفراغ.
وكان كيري قد أعلن، أمس الأول، أنَّ محادثاته مع زعماء المنطقة ستركِّز على العودة «إلى القواعد» في إدارة المواقع المقدسة في القدس لتهدئة الأوضاع. وقال إنَّه يأمل في «أن نفتح فضاءً سياسياً من أجل التحرّك إلى الأمام في عدة مجالات». وخشية الفشل، قال: «أعتقد أنَّ لدينا توقعات حذرة جداً، وأنا أعتقد أنَّه ينبغي علينا أن نكون مدركين جداً للحساسيات التي بنيت حالياً في كل مكان، كي نتحرك بحذر».
ومن الآن، بدأت تتبلور في إسرائيل جبهة معارضة لأيّ تسوية في الحرم القدسي. فقد أعلن وزير الزراعة من حزب «البيت اليهودي»، أوري أرييل، في رسالة بعثها إلى نتنياهو ووزراء الحكومة، أنَّه سيستقيل فوراً من الحكومة إذا وافقت على أيّ تغيير في الوضع القائم. ويخشى أرييل أن يوافق نتنياهو على تغييرات تسمح بعودة سيطرة الأوقاف الإسلامية على الحرم، أو السماح لرجال شرطة فلسطينيين بالملابس المدنية بإدارة الحرم. وقال أرييل للوزراء، إنَّ معلومات وصلته تظهر وجود أفكار بينها عدم وضع قيود على صعود المسلمين للحرم، وفي المقابل، يُمنع الوزراء وأعضاء الكنيست اليهود من زيارته. وحمل أرييل على قبول تدخّل الأردن في شؤون الحرم، معتبراً أنَّ تقييد صلاة اليهود في الحرم، وتحديد موعد زياراتهم إليه «أمر معيب».
وفي الخلاصة، تزداد القناعة في أوساط جهات التقدير في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بأنَّ الهبَّة ليست في وارد التراجع والانتهاء خلال فترة قريبة، وأنَّها صارت نوعاً من حرب استنزاف جديدة.
ونقلت صحف إسرائيلية عن مصادر عربية قولها، إنَّ نتنياهو عرض على الأردن والسلطة الفلسطينية تقليص عدد الزوار اليهود وغير المسلمين إلى الحرم بهدف تهدئة الأوضاع، إلَّا أنَّ الملك الأردني والرئيس عباس اعتبرا أنَّ هذا غير كافٍ. وأشارت إلى أنَّ المداولات في هذا الشأن تجري أساساً بواسطة رجال أمن من الأطراف، ويديرها من الجانب الإسرائيلي مبعوث نتنياهو الخاص، اسحق مولخو.
وفي إطار حالة الذعر في صفوف الإسرائيليين، عرضت بلدية كرمئيل على سكانها درعاً واقية من السكاكين والطلقات الصغيرة العيار، بأسعار مدعومة بحوالي 20 ـ 30 في المئة. ونظمت بلديات كثيرة دورات للحماية من هجمات السكاكين باستخدام عبوات غاز الفلفل.
وفي عملية طعن جديدة، أصيبت مجندة إسرائيلية بجروح خطيرة على مفرق جبع جنوب شرق رام الله، فيما أطقت قوة من جيش الاحتلال النار على المنفّذ، فاستشهد في مكانه.
وذكر مركز إعلام القدس، أنَّ منفذ عملية الطعن هو الشهيد معتز عطاالله قاسم الغزاوي (22 عاماً) من بلدة العيزرية، شرق القدس المحتلة.
كما أصيب، ظهر أمس، جندي إسرائيلي بعملية دهس قرب مستوطنة «شيلو» شمال مدينة رام الله، فيما تمكَّن منفّذها من الفرار.
وفي عملية دهس ثانية، أصيب أربعة جنود إسرائيليين، ليل أمس، بجروح مختلفة قرب بلدة بيت أمر شمال الخليل، أحدهم في حال الخطر، فيما تضاربت الأنباء حول مصير المنفذ.
وتوفي فلسطيني، مساء أمس في مدينة الخليل، إثر استنشاقه غازاً مسيلاً للدموع، أطلقه جنود الاحتلال. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية، في بيان، إنَّ «المواطن هاشم يونس العزة (54 عاماً) توفي اختناقاً بالغاز السام الذي أطلقه جنود من الجيش الإسرائيلي، خلال مواجهات في حي تل رميدة في مدينة الخليل».