افراسيانت - حبيب فوعاني - بعد الحرب العالمية الثانية ولتجنب نشوء فوضى في العلاقات بين الدول عُقدت مؤتمرات طهران 1943 ويالطا 1945 وبوتسدام عام 1945 بين المنتصرين.
وجرى التوافق على إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، وعلى إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام 1945 في سان فرانسيسكو.
بيد أن الحرب الباردة اندلعت وظلت منذ ذلك الحين مستعرة على قدم وساق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحلفائهما، وشعر العالم أحيانا أنه على شفا حرب عالمية ثالثة، ما اقتضى عقد مؤتمر هلسنكي عام 1975، والذي خرج باتفاقية نظمت أسساً جديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية لاحتواء الأزمات الدولية القائمة، وأكدت "المساواة في السيادة، واحترام حقوق السيادة الوطنية لكل دولة، وحصانة حدودها ووحدة أراضيها وسلامتها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".
ولدى انتهاء "الحرب الباردة" بتفكك الاتحاد السوفياتي، وحل حلف وارسو العسكري، الذي كان يضم دول أوروبا الوسطى والشرقية الشيوعية، عام 1991، لم تنشأ علاقات جديدة بين الدول، ولا سيما الأوروبية منها، ولم يجر حل حلف شمال الأطلسي، الذي لم تعد هناك حاجة لوجوده.
ولذلك سبب مهم، فالعالم رأى في انتهاء الحرب الباردة انتصارا مدويا للغرب الرأسمالي، وجرت إعادة ترتيب النظام العالمي على هوى بعض دول العالم. ولأول مرة اندلعت حرب في أوروبا لتغيير الحدود، حيث تم انتزاع كوسوفو من صربيا في عام 1999. وتبعا لذلك، أصبحت الحدود والسيادة لا تعني شيئا، ثم أصبح إعلان "الثورات" من الخارج ممكنا في أي مكان، في ليبيا والعراق، وبعد ذلك في سوريا. وكل من يشاء يفعل ما يشاء، فإذا أرادت السعودية مهاجمة اليمن مثلا فلن يقف أمامها أحد ويوجه إليها اللوم لتدخلها في شؤون جارتها الداخلية.
لم يعد مواطنو أي دولة آمنين داخل حدود بلادهم، وإذا كان مصيرهم في السابق مرتبطا بزعيمهم، فإنه الآن أصبح متوقفا على قرار يتخذه أشخاص ما في مكان ما بعيدا عن هذه البلاد.
ودأب فلاديمير بوتين منذ 15 سنة في التحذير من العواقب الوخيمة لهذا المسار الخطير، ودعا دائما إلى مقاومته، ولم تكن مقاومته له سرا لكن البعض لم يرها جدية رغم خطاب ميونيخ عام 2007، الذي تجرأ فيه الرئيس الروسي على انتقاد سياسة الولايات المتحدة على المسرح الدولي وتفردها في قيادة العالم، كذلك ورغم تحرير القوات الروسية بعد عام لأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية من قبضة القوات الجورجية، التي غدرت بهما، ورغم إعادة القرم إلى الوطن الروسي الأم بعد الانقلاب في أوكرانيا.
وفي هذا السياق، لم يأت خطاب بوتين الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، واجتماعه مع الرئيس الأمريكي، إلا لتأكيد هذه السياسة الروسية من جديد في سوريا، والتي هي تعبير عن رفض الكرملين لهيمنة قطب واحد على هذا العالم والرغبة في إنقاذه من جنونه، فعسى أن يستجيب العالم لذلك قبل فوات الأوان.