افراسيانت - نجحت الدبلوماسية الروسية في الأيام الأخيرة في تليين التشنج والخلافات إزاء الوضع حول الأزمة السورية، ما تجلى في انعطاف واشنطن نحو رؤية موسكو.
عقب جملة من التصريحات الساخنة المتبادلة بين موسكو وواشنطن، وعلى خلفية حملات إعلامية بوجود قوات ومقاتلات روسية في سوريا. بل وهدد وزير الخارجية السوري وليد المعلم بإمكانية طلب تدخل عسكري روسي في سوريا إذا استدعى الأمر، وهو ما رد عليه الكرملين بأن موسكو سوف تبحث مثل هذا الطلب إذا قامت دمشق بتقديمه. كل هذه الخطوات التي كادت تدفع بكل من روسيا والولايات المتحدة إلى إمكانية التصادم على الأراضي السورية، دفعت الجانبين للتوقف أمام احتمال وقوع كارثة، وربما تغلبت الرؤوس الباردة على أفكار الصقور الساخنة، فانعطفت كل من موسكو وواشنطن نحو الحوار.
ودعما لسياق التهدئة، أعلنت الخارجية الروسية أن روسيا مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة، بما في ذلك حول الأزمة السورية. وقالت "لم نرفض أبدا إجراء الحوار مع الولايات المتحدة ولا نزال مستعدين له حاليا أيضا بشأن جميع المسائل ذات الاهتمام المشترك، بما فيها حول سوريا". جاءت هذه التصريحات تعليقا على ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن مباحثات أمريكية روسية حول سوريا ستنطلق في وقت قريب.
على نفس الصعيد، بحث نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع سفير الولايات المتحدة لدى موسكو جون تيفت تسوية الأزمة السورية والحرب ضد تنظيم "داعش". وتطرق النقاش إلى الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتركز حول تسوية الأزمة السورية على أساس بيان جنيف.
كما بحث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع نظيره الأمريكي أشتون كارتر، خلال اتصال هاتفي، الوضع في سوريا. وأبدى الجانبان اهتماما خاصا بضرورة تنسيق الجهود الثنائية ومتعددة الأطراف بهدف مواجهة الإرهاب الدولي. هذه المحادثات بين شويغو وكارتر هي الأولى من نوعها منذ تولي الأخير منصبه في فبراير/ شباط الماضي. وذلك بعد أن علَّقت الولايات المتحدة اتصالاتها مع روسيا في المجال العسكري العام الماضي بسبب الأزمة الأوكرانية.
في نفس هذا التوقيت، تحدثت وسائل إعلام عن زيارة خاطفة قام بها وفد استخباراتي أمريكي إلى موسكو، وبحث مع الجانب الروسي قضايا متعلقة بمكافحة الإرهاب، وآليات مكافحة تنظيم داعش. ما يشير إلى أن العلاقات الروسية – الأمريكية تحسنت بدرجة ملموسة مع جهود خفض درجة التصعيد حول سوريا، واللجوء إلى الحوار.
الاتصالات الروسية – الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب، ومواجهة تنظيم داعش في سوريا والعراق، لا تزال في بداياتها. ولا شك أنها لقيت ترحيبا من أطراف عديدة، وإن كان لكل طرف هدف من هذا الترحيب. غير أن المهم هنا هو تفادي أي سيناروهات للمواجهة أو الصدام، لأن النتائج في هذه الحالة لن تكون إلا في صالح داعش وبقية التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط.
إن نتائج الخطوة الدبلوماسية المهمة التي اتخذتها موسكو، ستظهر أولى نتائجها، ربما في لقاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، حيث من المتوقع أن يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسار الدبلوماسي – السياسي بالحديث عن الإرهاب وضرورة التكاتف الدولي بدون معايير مزدوجة في مواجهة داعش، وتسوية الأزمة السورية سياسيا.
لا شك أن هناك توقعات إيجابية بعد نجاح الدبلوماسية الروسية. ولكن المخاوف تدور حول نوايا واشنطن من هذه الانعطافة. فهل هي مناورة لخداع الرأي العام العالمي لتحسين صورتها قبل الإقدام على مغامرة جديدة، أم مماطلة لحين الانتهاء من تدريب ما يسمى بـ "المعارضة المعتدلة المسلحة"، وإقناع الدول العربية بتشكيل قوة برية لمحاربة داعش في سوريا والعراق؟
أشرف الصباغ