سيناريو الحرب الطائفية محتمل في اليمن إذا استمر الاقتتال وقصف المنازل مع تزايد نداءات الجماعات الدينية المتطرفة.
افراسيانت - عدن - ظهرت العديد من المؤشرات، التي تنبئ بإمكانية أن يزجّ القتال الذي تدور رحاه في أرجاء اليمن منذ ثلاثة أسابيع بالبلاد، التي ظل السنة والشيعة يصلون بها جنبا إلى جنب في نفس المساجد طيلة قرون من الزمن، في أتون حرب طائفية دائمة.
وتزداد وتيرة هذه المؤشرات في الوقت الذي ينفي فيه معظم المتقاتلين أنّهم يخوضون صراعا بدافع المذهب، وفيما يقول المتمردون الحوثيون الشيعة المتحالفون مع إيران إنّهم يقومون بـ”ثورة مشروعة”، تنتصر أغلبية الشعب اليمني إلى عملية عاصفة الحزم التي ينفذها تحالف عربي (سنّي) بقيادة السعودية ضد هؤلاء المتمردين لغاية إعادة الشرعية وحماية دولة اليمن.
وعلى الرغم من هذا النفي والنفي المضاد، يرى مراقبون أنّ ثمة شواهد تشير إلى أنّ يؤجّجها سعي إيران المحموم للتوسع في المنطقة على حساب القوى الإقليمية الأخرى وعلى رأسها السعودية.
ولا تعدّ الحروب والصراعات على السلطة أمرا جديدا على اليمن، الذي يحتضن واحدا من أكثر المجتمعات في العالم الّتي تشيع فيها مظاهر التسلّح بين السكان، غير أنّ الجديد في المشهد اليوم هو بداية اكتساب تلك الصراعات لمذاق طائفي.
وقد تجسد التوجه الطائفي بصورة جلية، مؤخرا، في مقاطع فيديو على فيسبوك، تُظهر حوادث اختطاف وتعذيب على أساس انتقائي مذهبي يقوم بها عناصر حوثيون في حق أفراد من الشعب اليمني الذين يعارضون تمرّدهم على شرعية الدولة.
وقال محمود السالمي، أستاذ التاريخ بجامعة عدن، “إنّ الوقائع التي يعيشها اليمن اليوم توحي بأنّ سيناريو الحرب الطائفية محتمل، إذا استمر الاقتتال وغزو البلدات والمحافظات وقصف المنازل مع استمرار تزايد نداءات الجماعات الدينية المتطرفة”.
المقاتلون الحوثيون تجاوزوا معاقلهم الحصينة التقليدية المحدودة في المرتفعات الشمالية العام الماضي، وبدؤوا يوسعون نطاق سيطرتهم.
وفي حين يزعم الحوثيون أنّهم يقاومون ما يسمّونه تهميش الدولة لهم ، يلفت محللون إلى أنّ رغبة مبطّنة في اجتثاث تنظيم القاعدة (السني) المتشدد من اليمن تقودهم الآن لمواصلة النزاع.
وتتصاعد الهجمات، منذ أشهر، بعد أن تجاوز المقاتلون الحوثيون معاقلهم الحصينة التقليدية المحدودة في المرتفعات الشمالية العام الماضي، وبدؤوا يوسعون نطاق سيطرتهم، مما دفع تنظيم القاعدة إلى تركيز أنظاره على الحوثيين.
وقد تعددت هجمات القاعدة التي تستهدف الحوثيين على إثر ذلك، حيث صعد مسلحون من القاعدة، في أغسطس الماضي، إلى حافلة في شرق البلاد وقتلوا وطعنوا 14 جنديا بالجيش، كانوا خارج نوبات عملهم، لأنّهم “حوثيون مرتدون”.
وفي أشدّ الهجمات الطائفية فتكا، فجر مهاجمون انتحاريون، أعلنوا أنهم يدينون بالولاء لتنظيم “الدولة الإسلامية”، أنفسهم في مسجدين للحوثيين في صنعاء في 20 مارس الماضي ما أسفر عن مقتل 137 مصليا.
من جهتهم بدأ الحوثيون هجوما خاطفا باتجاه مدينة عدن الجنوبية، قالوا إنه لا يستهدف الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي فحسب، بل يشمل أيضا من أسموهم “متشددين سنة” يدعمونه، حيث قال، عبدالملك العجري، عضو المكتب السياسي لحركة “أنصار الله” (الحوثي) إنّ “أكبر مكون في اللجان الشعبية التي تدعم هادي يتبع تنظيم القاعدة”.
وتنفي جماعة الحوثي تلقي دعم عسكري من إيران، وتقول إنّها تقاتل بـ”النيابة عن جميع اليمنيين في حرب تمثل نضالا من أجل مستقبل اليمن وليست مجرد نزاع بين الطوائف”، غير أنّ إقرار العجري بـ”وُجود بعض الأطراف التي تدعم هذا النضال (وفق اصطفاف طائفي)”، يكشف حقيقة التدخل الإيراني والبعد الطائفي للصراع.
نداءات الاصطفاف من أجل قضية الجنوبيّين بدأت تتّخذ صبغة دينية مثلما يوضح بيان لجماعة تطلق على نفسها اسم المقاومة الجنوبية.
ويسعى كثير من الجنوبيين، من جهتهم، منذ زمن طويل للانفصال عن الشمال، ويبدو أنّ الهجوم الضاري الذي يشنه الحوثيون يعدّ فرصة سانحة لهم.
وبدأت نداءات الاصطفاف من أجل قضية الجنوبيّين تتّخذ صبغة دينية كذلك، مثلما يوضح بيان لجماعة تطلق على نفسها اسم “المقاومة الجنوبية” صدر الأسبوع الماضي.
وقال البيان “لزاما على أبناء الجنوب أن يوحدوا صفهم لمواجهة هذا الظرف ولكي يستطيعوا دحر هذا العدوان الرافضي ”. كما استغلت القاعدة بدورها القتال وتشظي الجيش للاستيلاء، لفترة وجيزة على ميناء المكلا، فيما تصدى لهم مقاتلون قبليون.
وتختلط الآن في اليمن نزاعات مضت عليها عقود من الزمن على الأرض والنفوذ والموارد مع التوتر الطائفي لتكوّن مزيجا ملتهبا ينبئ بمستقبل غامض.