افراسيانت - صورة من غزة قورنت بلوحة “الحرية تقود الشعب” الشهيرة والتي تمثل رمز الحرية في الثورة الفرنسية، تثير جدلا على الشبكات الاجتماعية.
غزة (فلسطين) - لم يتوقع الشاب الفلسطيني عائد أبوعمرو (20 عاما) أن صورته ستنتشر كالنار في الهشيم حول العالم، بعد مشاركته في مظاهرة شرق غزة للمطالبة برفع الحصار المتواصل لمدة 12 عاما متتالية على القطاع.
وظهر الشاب عاري الصدر والعلم الفلسطيني بيد والمقلاع في يده الأخرى.
وسرعان ما اعتبرت الصورة “أيقونة مسيرات العودة”، تلك المسيرات التي بدأت منذ مطلع مارس 2018 ومستمرة كل جمعة من كل أسبوع إلى اليوم.
ويتوجه الآلاف من أبناء غزة كل اثنين إلى السياج الذي يطوّق به الاحتلال غزة، وهناك يشتبكون مع قناصة الجيش الإسرائيلي الذين قتلوا وجرحوا المئات من المتظاهرين سلميا. والتقط الصورة المصور مصطفى حسونة في 22 أكتوبر الجاري.
وانتشرت الصورة في العالم الغربي خاصة على موقع “ريديت”، حيث تداولها أكثر من 30 ألف مستخدم للموقع، كما علق عليها قرابة الألفين.
وقارن مستخدمو الموقع الصورة بلوحة “الحرية تقود الشعب” الشهيرة والتي تمثل رمز الحرية في الثورة الفرنسية وسمّاها الفنان يوجين ديلاكروا في ذكرى ثورة يوليو الفرنسية عام 1830، تلك الثورة التي أطاحت بالملك تشارلز العاشر ملك فرنسا.
وتجسد تلك اللوحة الرمزية إلهة الحرية كامرأة حاملة لراية أو علم الثورة -الذي أصبح “علم فرنسا” بعد ذلك- بيد، وتحمل بندقية باليد الأخرى، وتقود الشعب إلى الأمام على جثث من سقطوا.
وعلق فريدريك كانوتيه، نجم كرة القدم المالي بالقول “هل تبدو مألوفة خاصة بالنسبة للفرنسيين؟”.
وعلى موقع ريديت اندلعت معركة تعليقات حامية الوطيس بين منتصرين لقضية الفلسطينيين والإسرائيليين. وكان واضحا الغياب العربي على التعليقات.
وشاركت لاله خليلي، الأستاذة بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن صورة عائد وعلقت بالقول:
LalehKhalili@
“الصورة المقدسة.. يا لها من صورة.. المحاولة الثالثة عشرة لكسر حصار غزة عن طريق البحر”.
وأتبَعت لاله الصورة بتغريدة ثانية تحتوي على صورة “الحرية قيادة الشعب”، لتقارن بين أيقونة غزة وأيقونة الثورة الفرنسية. وحصدت التغريدة 36 ألف ريتويت.
يذكر أنه على مدى ما يقرب من سبعة أشهر، يحتجّ الفلسطينيون في قطاع غزة على طول السياج مع إسرائيل مطالبين بحقهم في العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها منذ 70 عاما، كما يطالب المحتجون بوضع حد للحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 12 عاما.
ومن جانبه كتب عائد أبوعمرو على حسابه على فيسبوك:
عائد أبوعمرو
الله أوقعكم مع شعب مصاب بمرض
لا شفاء منه.. اسمه الأمل
#مش_متزحزح
وتحولت المواجهات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي على الحدود مع قطاع غزة إلى حرب صور تتناقلها وسائل الإعلام في محاولة لكسب مناصرين لموقف كل طرف.
ولعل اعتماد الإعلام في شقه الكلاسيكي أو حتى الجديد، أي مواقع التواصل الاجتماعي، على هذه المادة الإعلامية والاقتصار عليها في بعض الأحيان دون اللجوء إلى تعليق أو نص مرافق، يعد مؤشرا صريحا على فاعليتها وقوتها التأثيرية في الرأي العام.
ويلاحظ المتابع للمشهد السياسي الفرق بين الصور التي يتداولها الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي والاختلاف بين محتوى ونوعية الصور لدى الجانبين. ففي الوقت الذي يحاول فيه مناصرو القضية الفلسطينية والإعلام الفلسطيني الدفاع عن موقفهم من خلال نشر صور تعبّر عن الأوضاع التي يعيشونها في ظل الأزمة بين الجانبين، تلجأ إسرائيل إلى بث كل الصور التي قد تغنيها عن الكلمات للدفاع عن موقفها هي الأخرى.
إنها “حرب صور” إذن، يتراشق فيها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي كل حسب موقعه.
وتلجأ الصحف الفلسطينية وكذلك رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى عرض صور “دموية”، بغض النظر عن مكوناتها ودون الالتفات إلى محتواها.
ويعيب الخبراء على الفلسطينيين “غياب استراتيجية إعلامية فلسطينية وغياب رواية فلسطينية متفق عليها حول ما يجري بشكل عام وفي كل حادثة على حدة، وربما ذلك ينبع من الانقسام الفلسطيني والتوجهات المختلفة حول شكل الهبة وأهدافها..”.
ويؤكدون أن “التاريخ، للأسف، أثبت لنا أن الصورة في وقت الحرب تكون قويّة في يد الجلاد القويّ وضعيفة في يد الضحية الضعيفة، سواء أكانت تلك الصورة حقيقية أم زائفة. وإذا أخذنا مثال الصورة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يبدو لنا ذلك جليا”.
ونادرا ما نجحَ الصحافيون المحترفون في زمن مضى في الوصول إلى مواقع الانتهاكات الإسرائيلية في الوقت المناسب، حيث يسارع الجيش إلى إعلانها منطقة عسكرية مغلقة.
ولم تكن الصورة هاجسا مقلقا للقيادة الإسرائيلية كما هي اليوم، فمعظم وقائع القتل والاعتداء والتنكيل التي كان الجيش الإسرائيلي يقترفها في ما مضى أفلتت من التصوير، والنادر منها فقط ما تم توثيقه بالكاميرا.
وسبق هذه الوقائع استعمال الفلسطينيين للهواتف الذكية المزوّدة بالكاميرات والمرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي، وهو التطوّر التقني الذي يثير الهواجس لدى السلطات الإسرائيلية.
وتدرك إسرائيل أهمية وقيمة مواقع التواصل الاجتماعي، ووظفتها في صراعها طويل الأمد مع محيطها العربي، كوسيلة سهلة وفاعلة لغزو العقول العربية خاصة الشباب منهم، وفي محاولة منها لاستقطابهم بل وتجنيدهم إذا لزم الأمر، إلى جانب إبعاد أجيال عربية كاملة عن جوهر الصراع، وتحييدهم على أقل تقدير.
وكشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الأسبوع الماضي أنها حصلت على وثيقة تفيد بأن الجيش الإسرائيلي طلب من شركات “السايبر” تقديم مقترحات لمناقصة إنشاء نظام مراقبة على الاتصالات الشخصية لمستخدمي الشبكات الاجتماعية يقوم بمراجعة وتخزين المعلومات العامة والخاصة لمستخدمي فيسبوك وتويتر وإنستغرام ويوتيوب.
وبحسب الصحيفة، فإنّ الوثيقة لم تذكر من هو الجمهور الذي سيتم تعقّبه.
وأظهر تقرير إحصائي مختص في النشاط الرقمي في فلسطين أن القوات الإسرائيلية اعتقلت حوالي 300 فلسطيني خلال العام 2017 بسبب منشوراتهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث وُجهّت لهم اتهامات في محاكم الاحتلال بـ“التحريض على العنف والإرهاب”.
وأوضح تقرير “هاشتاغ فلسطين” السنوي حول النشاط الرقمي الفلسطيني للعام الماضي، الصادر عن حملة المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، أن العام 2017 شهد تكثيفا لاحتلال الحيز الرقمي الفلسطيني بالعشرات من الصفحات العسكرية والمخابراتية وبرمجيات المراقبة الجماعية ومنظمة “الشرطة التنبؤية” من قبل دولة الاحتلال.
وأضاف التقرير أن 3 ملايين شخص من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة يستخدمون شبكة الإنترنت، فيما يستخدم أكثر من مليون مواطن من الفلسطينيين داخل أراضي عام 1948 شبكة الإنترنت.