افراسيانت - العرب اون لاين - بعيدا عن الدول العربية التي تشهد صراعات وحروبا، يسعى الكثير من الشباب العرب إلى الهجرة من أوطانهم بكل السبل المتاحة، وتفاقمت الظاهرة في السنوات الأخيرة دون أن تردع المخاطر والموت الراغبين في الوصول إلى جنة الأحلام، فحالة اليأس القاسم المشترك بين العاطلين عن العمل وأصحاب الشهادات العليا.
وراء حدود بلدانهم هو الهدف المنشود للشريحة العظمى من الشباب العرب، الذين رفعوا شعار “لا مستقبل في هذا الوطن”، ولا فرق بين عاطل لم يحظ بمستوى علمي جيد، أو جامعي يحلم بارتقاء درجات أعلى وبمستوى وظيفي مرموق.
وتشير إحصاءات وأرقام المنظمات العربية والدولية إلى ارتفاع نسبة الشباب العرب الساعين إلى الهجرة، وخاصة من ذوي الكفاءات والشهادات الجامعية رغم محاولات الدول الأوروبية الحد من هذه الظاهرة وتشديد قوانين الهجرة واللجوء.
وتشكل الدول المغاربية نسبة كبيرة من البلدان العربية المصدرة للشباب ولا سيما من خلال الهجرة غير شرعية، وهي أخذة في التصاعد، لدرجة أن أحد الشباب الجزائريين قال في مداخلة تلفزيونية، “لو فتح الباب للهجرة في الجزائر، لن يبقى فيها أحد سوى بوتفليقة لأنه لا يقوى على الحراك”.
وتحتل الجزائر المرتبة التاسعة بين البلدان المصدرة للهجرة غير الشرعية، عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، حسب ما أوردت المنظمة غير الحكومية “الجيريا ووتش”.
وتُطلق تسمية “الحرًاقة” باللغة العربية على المهاجرين، الذين يعبرون الحدود، دون أي اعتبار لوجودها؛ بمعنى أنهم “يحرقون” هذه الحدود، طلباً لمستقبل أفضل ودون الحصول على أي تأشيرة للسفر.
ويغادر الآلاف من الجزائريين خلسةً بلادهم كل عام، على متن قوارب صغيرة، يعبرون بواسطتها البحر الأبيض المتوسط، باتجاه إيطاليا أو إسبانيا، معرّضين حياتهم للخطر في أغلب الأحيان.
وتقول التقارير الإخبارية الجزائرية إن هذه الظاهرة التي بدأت مع بداية القرن الحالي، أخذت بالتمدد في الأشهر الأخيرة، وهي تثير الكثيرَ من الأسئلة لدى السلطات المعنية.
المهاجرون الأفارقة حولوا الجزائر من أرض عبور إلى أرض استقرار وجدوا فيها فرص عمل مع هروب شبابها
وتقدِّر الرابطة الجزائية لحقوق الإنسان، أن اتجاه هذه الهجرة ليس في طريقها للانعكاس وأن هذه الهجرة نفسها لن يتضاءل حجمها في القريب، بل هي تتمدد، انطلاقاً من شواطئ العاصمة الجزائر، نفسها، وهي التي كانت حتى وقت قريب، بعيدة عن هذا النوع من الظواهر.
ولا يمكن الاعتماد على الإحصاءات الرسمية، التي تحسب وتذكر فقط، من جرى توقيفهم، من المهاجرين، دون احتساب أولئك الذين قضوا غرقاً في عرض البحر أثناء محاولة السفر، وهذا لا يساعد على تقييم ورسم الواقع على حقيقته في هذا المجال.
المنع ليس الحل
وتقول أرقام الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن 1200 من المهاجرين منعوا من المغادرة في العام 2016، من قبل حرس الشواطئ الجزائري. أما 2017، ليس أفضل حالاً من سابقه.
وتضيف أن عشرة آلاف مهاجر أنقذوا في أعالي البحار من قبل البحرية الجزائرية منذ العام 2005.
وصرّح عبدالمؤمن خليل، الأمين العام للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن هذه المأساة مستمرة منذ عدة أعوام، وتعود أسبابها إلى فقدان الأمل والأزمة الاقتصادية، وكذلك المعاناة اليومية، والتطلع إلى غد أفضل.
وأضاف “نماذج عديدة من الناس، تطالها ظاهرة الهجرة هذه، ولا تقتصر على الفقراء أو العاطلين عن العمل فقط، بل أن أغلبية المتحمّسين للسفر، هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، وكذلك مثقفين من حملة الشهادات”.
ومن ينجو من الموت خلال الرحلة، يتعرضُ لنفس المشاكل، التي يعاني منها المهاجرون اللاشرعيون في أوروبا والقادمون من المغرب وتونس وليبيا.
أما من توقفُه البحريةُ الجزائرية قبل عبوره البحر المتوسط، فيلاحق قضائياً، ويعاقب بدفع غرامة مالية بتهمة الهجرة غير الشرعية، وقد يتعرض للسجن أيضا.
ويقول خليل “نحن نشجب قانون عام 2009 الذي يجرم الحراقة، لأنه غير مُجد، وهذا القانون لا يحل مشكلات هؤلاء البشر الذين يغامرون بحياتهم في البحار”.
وتابع “وبدل أن تلجأ للعقاب، على الدولة، أن تتبنى سياسات فعّالة قادرةً على احتواء هؤلاء الناس عبر خلق الفرص الاقتصادية المحلية، وكذلك عبر توقيع اتفاقات تسمح بتسهيل الحصول على تأشيرات السفر للجزائريين الراغبين في السفر إلى الخارج”.
وتنعكس هذه الظاهرة على الوضع الداخلي في الجزائر، والنتيجة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية لا تجد من يعمل بها.
والمفارقة هي أن المهاجرين الأفارقة، حولوا الجزائر من أرض عبور إلى أرض استقرار، حيث حصل الكثير منهم على فرص عمل في أنشطة ومهن مختلفة، وهي فرص لم يستغلها شباب جزائريون فضلوا المغامرة بحياتهم وخوض عباب البحر على أمل الاستقرار في الضفة الأخرى.
الهجرة مشروع اقتصادي
وغير بعيد عن الجزائر، تشهد تونس منذ عقدين تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية لدى الشباب خصوصا.
ويقول الهادي بن أحمد “دافعنا الأساسي البحث عن عمل إذ تحوّل مشروع الهجرة إلى محاولة لإصلاح وضع مترد أشبه بالمأساوي ولا يمكن تجاوزه إلا بقرار هو الآخر مأساوي أي اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية رغم كل ما يتهددنا من مخاطر كبيرة”.
وأصدر معهد الدراسات الاستراتيجية مؤخرا، تقريرا تناول فيه ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وأكد فيه على تاريخ الهجرة غير الشرعية والتي كانت عكسية خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي حيث كان الإيطاليون يتسللون من سيسيليا إلى الوطن القبلي التونسي كملاذ أمن لهم هروبا من الموت والسجون وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية.
هجرة عكسية
انقلبت حركة الهجرة من تونس إلى أوروبا نظرا إلى حاجتها لليد العاملة لكن في عام 1986 تم فرض التأشيرة على التونسيين للدخول إلى إيطاليا وتم تطبيق القانون بصرامة بداية من تسعينات القرن الماضي.
وعادت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بقوة إلى تونس خلال عام 2017، ويشير معهد الدراسات الاستراتيجية إلى أن 67 بالمئة من المهاجرين السريين تتراوح أعمارهم ما بين 21 و30 سنة، فيما 14 بالمئة منهم تقل أعمارهم عن 20 سنة، و16 بالمئة تتراوح بين 31 و40 سنة وتقدر نسبة المهاجرات بـ3 بالمئة.
وقال التقرير إن دوافع الظاهرة تكمن في المؤشرات الاقتصادية السلبية وتنامي ظاهرتيْ الفقر والبطالة تليها دوافع نفسية واجتماعية وجغرافية متمثلة في قرب السواحل الإيطالية من السواحل التونسية.
وحذّر الأكاديمي التونسي حسان قصّار الاختصاصي في علم الاجتماع، من هذه الموجة الجديدة من الهجرة غير الشرعية انطلاقا من السواحل التونسية. وقال لـ”العرب” إنه بات يتعيّن على الجميع دق ناقوس الخطر، لأن هذه الموجة تُؤكد أن حالة اليأس والإحباط لدى الشباب تفاقمت إلى درجة أصبحت فيها المجازفة بالموت غرقا سبيلا للخلاص.
البحر المتوسط هو الأكثر خطورة في استقطاب الشباب للهجرة غير الشرعية، وحتى اليوم مازال الكثير من الشباب من دول مختلفة يدفعون حياتهم ثمنا لذلك
ويحمّل العديد من الشباب حكوماتهم مسؤولية دفعهم لاتخاذ هذا القرار، وترى آمال الجندوبي من تونس أن “الظروف الاجتماعية المزرية، وفرص العمل شبه المعدومة، واستحالة تحقيقهم أحلامهم في ظل هذه الظروف الموجودة في بلادهم، مما يدفعهم إلى الهجرة بحثاً عن ظروف أحسن لتحقيق أحلامهم”.
وقال شاكر ساسي ممثل الجمعية التونسية للوقاية من الهجرة السرية إن المهاجرين غير الشرعيين ألقوا بأنفسهم في البحار وغادروا تونس لا لشيء إلا لأنهم يعانون التهميش والفقر والبطالة.
وأضاف أن الكثير منهم يوفرون مبلغ الترهيب من بيع مصوغات أمهاتهم، وأكد المهاجرون أنهم أثناء الرحلة يتعرضون إلى العنف الذي يصل أحيانا إلى القتل بينما تتعرض النساء إلى الاغتصاب الجماعي.
ومن جهته يرى زياد ذياب أحد الشباب المقيمين في أوروبا، أن من الحلول المثلى للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، تحقيق الأمن. وأشار إلى أن أغلب الشباب الموجودين في أوروبا يعيشون ظروفا سيئة جدا وهم يتوقون للعودة إلى أوطانهم في حال وجدت أدنى المقومات للحياة الكريمة.
وأضاف أن البحر المتوسط هو الأكثر خطورة في استقطاب الشباب للهجرة غير الشرعية، وحتى اليوم مازال الكثير من الشباب من دول مختلفة يدفعون حياتهم ثمنا لذلك.
إهمال الحكومات
وبلغت الظاهرة أيضا مستويات كبيرة في مصر، حيث تفاقمت في السنوات القليلة الماضية، وأكدت نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، أن عدم الاهتمام بالتعليم في مصر هو سبب الهجرة غير الشرعية وغيرها من المشكلات”.
غير أن الواقع يشير إلى وجود أسباب كثيرة للظاهرة في مصر، وتقول ماجدة علي، “الدولة هي السبب الأساسي في هجرة الشباب، لأنها لو وفرت فرص عمل ملائمة لهم، لتلاشت فكرة الهجرة لديهم. وعلى هذا أوجّه رسالة إلى كل مسؤول، بأننا نحن الشباب من نصنع الأمجاد والتقدّم والحضارات، فكيف لنا أن نفعل هذا، وأنتم تقتلون أفكارنا وإبداعاتنا؟ ينبغي لكم الاهتمام بنا أكثر، فبنا ستنجحون ومن دوننا ستنهارون”.
وفي محاولة للحد من الظاهرة، أطلقت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والمنظمة الدولية للهجرة، حملة قومية إعلامية للتوعية بالهجرة غير الشرعية للشباب والأطفال المصريين.
وتهدف الحملة، التي تحمل عنوان “أهلك.. حلمك.. حياتك.. لا للهجرة غير الشرعية”، إلى توعية الشباب المصري بمخاطر الهجرة غير الشرعية وذلك باستخدام وسائل الإعلام الرقمية والتقليدية لتحقيق أقصى قدر من التأثير.
وقالت نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، إن جميع دول العالم تواجه مخاطر الهجرة غير الشرعية، واليوم نحن نطلق الحملة القومية الإعلامية الجديدة والتي تعدّ جزءا من الحلّ، موضحة أنّ الحملة تستهدف جميع المحافظات ولا تقتصر فقط على القاهرة من أجل الوصول إلى كل المجتمع.
ويؤكد خبراء الاجتماع أن الهجرة غير الشرعية ظاهرة شبابية بامتياز، لذلك على المسؤولين إعادة النظر في تعاطيهم مع هذه الفئة، وتحسين أوضاعها مع الأخذ بعين الاعتبار مطالبها.
واقترحوا البدء في الحلول من قبيل التركيز على التربية على المواطنة في البرامج المدرسية لتحفيز الشباب على التعلّق بوطنهم وعدم التفريط فيه، والاهتمام بمؤهلات الشباب من خلال توفير البعض من الامتيازات كوسائل المواصلات والمسكن والتأمين الصحي حتى لا يكون هناك إغراء بالذهاب إلى البلدان الأخرى.
كما قدّموا أيضا اقتراحات تتمثّل في توفير فضاءات ملائمة للدراسة والتدريب وتحفيز الشباب على الاختراع والبحث العلمي وذلك من خلال تقديم البعض من الجوائز والمنح. والقضاء على المحسوبية في مؤسسات الدولة، وإدماج مبدأ المساواة والعدل، وتوفير فرص عمل مع ضمان العدالة في الأجور، من خلال فتح مجالات لاستثمار المؤهلات الشبابية كالنوادي الثقافية والجمعيات، وتحفيز الشباب على المشاركة في الحياة السياسية.