افراسيانت - رام الله - خاص بـ"القدس"- في ضوء تزايد التسريبات حول ملامح ما يسمى بصفقة القرن ولا سيما ما جاء في كتاب "نار وغضب" للصحفي الأمريكي مايكل وولف، والذي نقل عن ستيف بانون المستشار السابق للرئيس الأمريكي قوله، إن الصفقة تتضمن حلا للصراع يقوم على أساس أن تكون الضفة للأردن، وقطاع غزة إلى مصر، إضافة إلى ما عرضه المؤلف من أدلة تشكك بالصحة العقلية للرئيس ترامب، وانتهاء بما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" قبل يومين من تسجيلات منسوبة إلى أحد ضباط المخابرات المصرية، يملي فيها على بعض المذيعين والفنانين المصريين توجيهاته في كيفية التعاطي مع قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما نفت صحته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، في ضوء ذلك كله يسود الاعتقاد بين المراقبين باستحالة تمرير تلك الصفقة لما تنطوي عليه من جهل بالصراع وتعقيداته، وما قد ينجم عنها من تصعيد يهدد السلام والاستقرار في العالم، اضافة الى انه لا يوجد بين الفلسطينيين لا في الحاضر، ولا في المستقبل، من سيقبل بتلك الصفقة الجائرة، حيث قضى الرئيس ياسر عرفات شهيدا بسبب رفضه التنازل عن شبر من القدس لإسرائيل خلال مفاوضات كامب ديفيد عام ٢٠٠٠.
وعلمت "القدس" من مصادر مطلعة أن "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة بما تمثله من رؤية واقعية وسياسات تقليدية، هي من تقف وراء تلك التسريبات في محاولة منها لإظهار المخاطر التي تنطوي عليها سياسة ترامب وفريقه الرئاسي الذي تعوزه الخبرة والمعرفه بالسياسة، والمتمثل بالثلاثي الصهيوني "كوشنر وغرينبلانت وفريدمان" وهو ثلاثي أقرب في مقارباته لتسوية الصراع إلى لغة الصفقات في الأسواق، منه الى لغة السياسة ومعادلاتها الحذرة.
وأشارت تلك المصادر إلى أن الصراع بين التيار الواقعي والفريق الرئاسي لترامب مرشح للمزيد من التصعيد خلال الأشهر المقبلة بالنظر لما جلبته سياسات ذلك الفريق من مخاطر ليس على الامن والاستقرار في العالم فحسب، بل وعلى المصالح الامريكية الحيوية في المنطقة.
وتستذكر تلك المصادر أنه وخلال الجولات العديدة التي قام بها الفريق الرئاسي في المنطقة لم يرشح شيء عن ملامح تلك الصفقة، باستثناء تسريبات صحفية، كانت تخرج من خلف ابواب الاجتماعات التي يعقدها الفريق مع قادة وزعماء المنطقة دون أن يتم التأكد من صحتها.
وكانت "القدس" أول من نشرت تفاصيل خطة ترامب قبل نحو شهرين، والتي أكدت التسريبات الصحفية صحتها، حيث كشفت "القدس" حينها أن الخطة تتضمن اعتبار أبو ديس عاصمة بديلة عن القدس مع ربطها بجسر مع المسجد الأقصى ليتمكن المصلون من أداء الصلاة فيه، وأن أقصى ما يمكن تقديمه هو حكم ذاتي للفلسطينيين.
ويري مراقبون أن بريطانيا تدعم التيار الواقعي التقليدي في واشنطن والذي يقوده وزير الخارجية ريكس تيلرسون وعدد من كبار المسؤولين الذين سبق وأن حذروا ترامب من مخاطر الإقدام على خطوته باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وتواصل بريطانيا كذلك انتهاج سياسة مغايرة لتوجهات ترامب وفريقه الرئاسي، وهو ما جاءت ترجمته من خلال تأكيد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسن على حل الدولتين، والقدس عاصمة مشتركة للدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، في ختام اجتماعه أمس في لندن مع نظيره الفلسطيني د. رياض المالكي، ما يعزز الاعتقاد بتميز الموقفين البريطاني والأوروبي عن الموقف الامريكي، وفق ما تم التعبير عنه خلال التصويت في مجلس الامن وفي الجمعية العامة للامم المتحدة مؤخرا.
ويتوقع مراقبون أن تبادر القيادة الفلسطينية إلى خطوات تصعيدية تستبق الإعلان المرتقب للصفقة بسلسلة إجراءات قد يقدم عليها المجلس المركزي الفلسطيني خلال اجتماعه المرتقب في رام الله يومي الرابع والخامس عشر من الشهر الجاري، والتي تتمثل في إنهاء العلاقة التعاقدية مع الحكومة الاسرائيلية، باعتبارها لم تعد شريكا في عملية السلام، بسبب ما تقوم به من سياسات أدت الى تدمير تلك العملية بتقويضها لحل الدولتين، إضافة إلى نزع الرعاية الحصرية الامريكية للمفاوضات، لصالح صيغة أممية أوسع، والعمل على تغيير وظيفة السلطة من سلطة انتقالية، إلى دولة تسعى لممارسة سيادتها على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، بما فيها القدس الشرقية عاصمة لها، بينما يذهب بعض المراقبين الى الاعتقاد بأن المجلس سيلوّح بالغاء اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل.
يشار إلى أن الرئيس محمود عباس سيقوم عقب انتهاء اجتماعات المجلس المركزي، بجولة في العواصم الأوروبية يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وأنه سيطالب المسؤولين الأوروبيين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وبالقدس الشرقية عاصمة لها.