افراسيانت - بدأت مؤخرا بمدينة أصيلة شمالي المغرب فعاليات الدورة الـ39 للموسم الثقافي الدولي الذي تنظمه مؤسسة منتدى أصيلة برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس وبمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين والفنانين والإعلاميين من عدة دول عربية وأفريقية وأوروبية.
العرب محمد بن امحمد العلوي - دشن موسم أصيلة الثقافي بالمغرب دورته التاسعة والثلاثين بحضور عدد من الوزراء والشخصيات السياسية والثقافية والأكاديمية من المغرب والبحرين ودول أفريقية، وأعطى الإشارة لانطلاقته الرسمية وزير الثقافة والاتصال المغربي محمد الأعرج مساء الجمعة 7 يوليو.
وتناقش الدورة الـ32 لجامعة المعتمد ابن عباد الصيفية والمنظمة في إطار الموسم الثقافي لأصيلة، من 7 إلى 25 من الشهر الجاري عدة موضوعات لها راهنيتها وأهميتها سواء من الناحية الثقافية أو السياسية والاقتصادية.
وحدة أفريقيا
قال محمد بنعيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إن اختيار أولى ندوات الموسم، والتي تحمل عنوان “أفريقيا والعالم: أي عالم لأفريقيا؟”، هو استمرار لحقل معرفي مفتوح ورهان على المستقبل.
وتسعى الندوة إلى المساعدة على إنجاز مقاربة موضوعية شمولية بأساليب ورؤى مبتكرة لتناول مشاكل وقضايا قارتنا الأفريقية، خلافا للنظرة التقليدية التي طالما تعاملت مع القارة كخزان هائل من ثروات تزخر بها بلداننا.
وفي ذات السياق عبر المتحدث الرسمي باسم جون أجيكم كوفور رئيس جمهورية غانا سابقا، عن نفس الفكرة بقوله إن أفريقيا بثرواتها وموقعها الاستراتيجي في قلب العالم ما جعل القوى العظمى شرقا وغربا تنظر إليها باهتمام بالغ وهو ما أدى إلى نهب تلك الثروات واستعباد أهلها، مؤكدا أن الشعوب الأفريقية لم تستفد من هذه الوفرة في الثروات وقد تأخرت القارة الأفريقية في الاندماج في السوق الاقتصادية العالمية.
وباعتبار أفريقيا الآن تعزز مرتبتها كأحد الأطراف الفاعلة والنشطة في المنظومة الاقتصادية العالمية، فقد تساءل كيف يمكن لهذه القارة أن تستفيد من المنافع والفرص المتاحة، فهي تملك 13 في المئة من مخزونات النفط عالميا و21 في المئة من الذهب و46 من الألماس و50 في المئة من البلاتين و57 من الكوبالت.
الأنظار موجهة نحو القارة السمراء
وذكر محمد بنعيسى الذي شغل منصب وزير خارجية للمغرب بين عامي 1999 و2007، أن المطلوب والمُلحّ الآن هو النظر إلى القارة الأفريقية من زاوية الثروة اللامادية التي لا تفنى، موضحا أنه رغم ما تواجهه القارة من مشاكل وأزمات وتوترات لا يجب أن يحجب ذلك ما تزخر به من قدرات بشرية خلاقة على مستويات عدة من فنون وآداب وثقافة وعلوم.
أما وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، فأكد أن منتدى أصيلة يعبر فعلا عن وحدة أفريقيا في إطار تعدديتها، معبرا عن أمله في ما ستخلص إليه نتائج مناقشات الموضوع بمنتدى أصيلة الثقافي، لإثراء الحوار في إطار تبادل المعرفة بين المتدخلين الذين يتمتعون بكفاءة عالية وقدرة على الولوج إلى لب الإشكالات الراهنة والمتفاقمة التي تعاني منها القارة السمراء.
ولفت محمد بنعيسى إلى أن المملكة المغربية لم تتخل عن أفريقيا، ليس كشريك جغرافي فحسب، وإنما كمصير إنساني واقتصادي موحد وجامع. وتبقى ملتزمة بالعمل الأفريقي المشارك والتضامن والتكامل المنشود.
وعبر المتحدث الرسمي باسم رئيس جمهورية غانا سابقا، عن يقينه بأن منتدى أصيلة سيأتي بأفكار ومبادرات كفيلة بتقدم أفريقيا حتى تلتحق بالعالم المتقدم.
من جهته شدد وزير خارجية المغرب، في كلمته عن الأولوية التي تحظى بها القارة الأفريقية في السياسة الخارجية للمغرب، موضحا أن وضع القارة في قلب الاختيارات الخارجية للمغرب يعد قرارا في منتهى الأهمية.
وأضاف بوريطة أنه على هذا الأساس تشكلت السياسة الخارجية للمملكة في المقام الأول التزاما قويا وشخصيا أعطى للتوجه الأفريقي للمغرب بعدا جديدا، وجعل منه خيارا نابعا من تفكير عميق تحت مبدأ روح التضامن والإصغاء والوفاء لمتطلبات شعوب القارة للإقلاع نحو مستقبل جديد.
ورحب المتحدث الرسمي باسم رئيس جمهورية غانا سابقا، بعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي والتحاقه باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، مؤكدا أن الاتحاد اكتمل الآن والوحدة الأفريقية اكتسبت معناها والمغرب مستعد لأن يؤدي دور الزعامة في ظل تضافر المجهودات مع جل الدول الأفريقية، الأمر الذي سيعود بالفائدة على القارة ككل.
رغم ما تواجهه أفريقيا من مشاكل وأزمات لا يجب أن يحجب ذلك ما تزخر به من قدرات بشرية خلاقة في الفنون والآداب.
وعبر ناصر بوريطة، عن اقتناعه بأن السياسة الأفريقية للمغرب انتقلت من مرحلة التأسيس إلى مرحلة الإنجاز والتفعيل على أرض الواقع، بفضل الدعم الشخصي للعاهل المغربي الذي يتطلع إلى قارة أكثر تقدما وتطورا، والمغرب لا تحركه نوازع نفعية أو استغلالية نحو القارة الأفريقية وعلاقته معها ليست مرتبطة فقط بالتاريخ والجغرافيا والهوية بل التزام قوي ومتجدد من أجل أفريقيا جديدة مع أشقائه الأفارقة.
الغرب والشرق
يعرف المنتدى الثقافي لأصيلة في دورته لهذا العام عدة فعاليات فنية وثقافية وموسيقية، ويحضر الفن التشكيلي بشكل لافت في هذا الموسم في شكل معارض وجداريات ساهم في إنجازها عدد من الفنانين التشكيليين مغاربة وأجانب، وسيحظى المفكر المغربي محمد سبيلا بتكريم بالمنسابة كما دأبت على ذلك مؤسسة منتدى أصيلة في السنوات الماضية.
وفي كلمته بمناسبة افتتاح منتدى أصيلة قال نبيل الحمر، المستشار الإعلامي للعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ربط تصوره لمنتدى أصيلة بسفر المعرفة وعالميتها مستحضرا تجربة ابن بطوطة الرحالة المغربي الشهير، معتبرا أن منتدى أصيلة يشكل اليوم مركز إشعاع ثقافي ومعرفي حقيقي يجمع بين كل حاملي الفكر والمعرفة بفضل مؤسسه محمد بنعيسى.
وأوضح الحمر، أنه عندما تسلم مهام وزارة الإعلام بالبحرين اتفق مع محمد بنعيسى وبمباركة العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة والعاهل المغربي الملك محمد السادس على استنساخ منتدى أصيلة المغربي الفكري والمعرفي، فكانت تجربة منتدى أصيلة في البحرين في أبريل 2004 مجسدة روح التعاون بين الشرق العربي والغرب العربي.
وعبر نبيل الحمر عن أمله في استمرار التجربة ليس في البحرين فحسب وإنما في كل عاصمة عربية لإحياء ثقافة عربية جديدة نسعى إليها جميعا في هذه المحطة من تاريخنا.
أما محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال المغربي، فأشار إلى أن منتدى أصيلة يشكل تجليا من التجليات الساطعة لاصطفاف المغرب دائما إلى جانب القيم التي تسعى إلى الحوار والتبادل البناء بين الشعوب والأمم، مؤكدا أن هذه التظاهرة العريقة تنشد توفير شروط الإنصات الكفيل بإعلاء فضائل المحبة والإخاء ونبذ البنيات المشكلة للانغلاق والتعصب.
ولفت الأعرج، إلى أن مثل هذه المبادرات الثقافية الباعثة لقيم السلم والتسامح تستحق التشجيع والإشادة في محيط سادت فيه لغة العنف، معتقدا أن انخراط أصحاب الفكر والثقافة في قضايا العالم الراهنة يعد السبيل الآمن لتعايش البشرية فكلما علا صوت المفكر والمثقف اندحر صوت العنف والعكس بالعكس.