افراسيانت - زيارة ترامب الى السعودية والقمم التي تلتها غاب عنها عنصر البراءة , فيما كانت الانتهازية سمة أساسية لها.
حين جاء أوباما إلى القاهرة فإنه اكتفى برمزيتها ولم يطلب منها شيئًا، أما ترامب حين اختار السعودية فقد كانت عينه على صفقة السلاح الكبرى، وكونها بلد المبادرة العربية التي يريد توظيفها لدفع التطبيع مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه الإفادة من رمزيتها في إقامة الاحتشاد السني في مواجهة إيران الشيعية.
يوم الأحد (5/14) عقد اجتماع تنسيقي قبل الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي، اشترك فيه وزيرا خارجيتي مصر والأردن سامح شكري وأيمن الصفدي وأمين سر التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات.
ونقلت وسائل الإعلام العربية عن المجتمعين قولهم «إن هناك آفاقًا حقيقية لإحياء محادثات السلام وفقًا لمبادرة السلام العربية والدفع قدمًا نحو تحقيق التسوية بما يؤدي إلى تجاوز الانسداد الذي أصاب عملية السلام. كما نشر العنوان التالي فوق خبر الاجتماع التنسيقي المصري الأردني الفلسطيني «الرئيس الأمريكي خلق قوة دفع إيجابية للقضية».
في نفس يوم الأحد نشرت صحيفة «هاآرتس» مقالة لمعلق الشؤون العربية بالصحيفة جاكي حوكي سخر فيها من الرهانات التي تعقدها السلطة الفلسطينية والمسؤولون العرب على دور الرئيس ترامب في تسوية الصراع وقال إنه يشك في أن تكون الإدارة الأمريكية مؤمنة بذلك، ووصف «ضجيج ترامب الإعلامي بخصوص تعهده بحل الصراع» بأنه من مقتضيات الأمن القومي الأمريكي سيّما الحاجة إلى دور للسلطة في الحرب على الإرهاب (الذي يقصد به قمع المقاومة الفلسطينية).
وقال صراحة إن إعلان إدارة ترامب عن الالتزام بتحقيق تسوية سياسية للصراع، يراد به في حقيقة الأمر "توفير البيئة التي تسمح للسلطة بالاندماج في التحالف الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب، الذي يضم إلى جانب إسرائيل كلًا من مصر والأردن وعددًا من دول الخليج".
دلل الكاتب الإسرائيلي على صحة كلامه مستشهدًا بأن أول مسؤول أمريكي زار رام الله كان رئيس المخابرات الأمريكية الذي جاءها للتباحث حول دور السلطة في الحرب على الإرهاب، كما أن مدير المخابرات الفلسطينية توجه إلى واشنطن مباشرة بعد انتخاب ترامب للتوافق على الدور الذي تلعبه السلطة في الحرب المذكورة.
أعاد صاحبنا إلى الأذهان حقيقة أن إدارة ترامب حين غازلت السلطة الفلسطينية فإن ذلك لم يكن يعبر عن توجه حقيقي لفرض تسوية سياسية مع إسرائيل، لأن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن تساوي بين الطرفين، لسبب جوهري هو أنها تعتبر إسرائيل الشريك الاستراتيجي الأهم للولايات المتحدة في المنطقة، مضيفًا أن ترامب لم يبلور مسارًا واضحًا لحل الصراع المعقد، وأن القادة الفلسطينيين بالغوا في الرهان على تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي هربرت ماكماستر الذي أعلن أن ترامب سيعلن خلال زيارته تأييده لتطلع الفلسطينيين إلى تقرير المصير.
لن نبالغ إذا قلنا إذن إن ترامب سيبيع لنا «الترام» أثناء زيارته الميمونة، ذلك أن العرب لن يخرجوا منها بشيء يذكر، بل سيكونون الخاسر الأكبر من ورائها. أما إسرائيل فهي الفائز الأكبر والأوحد. إذ إن العرب سيدفعون دفعًا إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، دون أي مقابل يذكر، وقد تسفر الزيارة عن استئناف المفاوضات بين أبومازن ونتنياهو.
ولكن التنازل الوحيد الذي يقدمه الأخير أنه قبل بمجرد الجلوس على طاولة واحدة مع الرئيس الفلسطيني، دون أن يجد سببًا واحدًا يضطره لأن يقدم له شيئًا، وفي هذه الحالة سيكون العرب والمسلمون الحاضرون شهود زور ومجرد «كومبارس» يظهرون في خلف المشهد العبثي.
من ناحية أخرى فإن الحلف الذي يراد إقامته للتصدي لإيران والذي ستشارك فيه إسرائيل بدعوى مكافحة الإرهاب، لن يصبح غطاء آخر للتطبيع فحسب، ولكنه سيكون بمثابة تقنين وتأييد للصراع بين السنة والشيعة، الذي يدخلنا في أُتون فتنة تشغل كل طرف بالآخر وتستهلك موارده وطاقاته، كما أنها ستلهيه عن التوحش والتغول الإسرائيلي، بحيث يصبح نتنياهو وحده شرطي المنطقة وراعيها. إذا سألتني عن مصر في ذلك الخضم، فردي أنها باتت خارج المعادلة، ذلك أنها إما غائبة أو مغيبة، وإذا صح ذلك فلا تسألني بعد عن العالم العربي!