افراسيانت - اقتربت ساعة الحسم" في الموصل، إجماع اتفق عليه المسؤولون العراقيون والتحالف الدولي. لكن وبينما تبدو الحكومة العراقية متفائلة وتقول إن موعدها سيكون قبل رمضان، يتوقع محللون عسكريون أن تطول المعركة بسبب تحديّين رئيسيين يتعلقان بالمدنيين وطبيعة مسرح المعارك، فيما يخيّم التشاؤم على مواقف أخرى ترحب باقتراب ساعة الحسم لكنها في نفس الوقت تحذر مما سيأتي بعد الحسم.
قبل أيام أسقطت طائرات عراقية منشورات على الموصل تقول فيها للمدنيين إن المعركة أوشكت على الانتهاء. وطالبت المنشورات التي استهلت بعبارة "لقد اقتربت ساحة الحسم" بكف المواطنين عن استخدام أي سيارة لتفادي اعتبارهم على سبيل الخطأ من الذين يستهدفون القوات العراقية بالهجمات الانتحارية بسيارات ودراجات نارية ملغومة.
وفي الـ15 من الشهر الجاري أعلن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة (تتبع للجيش العراقي) العميد يحيى رسول عن سيطرة القوات العراقية على أكثر من 90 بالمئة من الجانب الغربي للمدينة.
وقال العقيد جون دوريان، المتحدث باسم قوات التحالف في مؤتمر صحافي ببغداد، إن التنظيم "محاصر تماما في المدينة ويجري تدمير موارده"، مضيفا أن "العدو على وشك الهزيمة التامة".
تراجع داعش ولكن...
تمكنت القوات العراقية من تقليص المساحة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في غرب الموصل إلى 12 كيلومترا مربعا، وهي تحاصر الآن المدينة القديمة وأحياء الشفاء والزنجيلي والنجار، وهي آخر المناطق التي يتواجد فيها مسلحو داعش وتقع على ضفة نهر دجلة في غرب الموصل.
ومنذ أكثر من شهر تخوض قوات الشرطة الاتحادية (تتبع الداخلية العراقية) معارك عنيفة في المدينة القديمة المكتظة بالمنازل والأزقة، وهو ما يجعلها أكثر ساحات المعركة تعقيدا.
وتوقع الخبير في الشؤون العسكرية خليل النعيمي أن "يتحصّن مسحلو داعش في ما تبقّى لديهم من أحياء الجانب الغربي وألا يستسلموا رغم مقتل الكثير من قيادات التنظيم".
وقال النعيمي، وهو عقيد متقاعد من الجيش العراقي، إن"داعش فقد الكثير من إمكانياته وقدراته في الجانب الغربي للموصل، لكن عناصره سيواصلون القتال بسبب عدم امتلاكهم طريقا آخر، فلا وجود لطرق إمدادات تسهّل انتقالهم إلى مكان آخر، لذا الحل الوحيد أمامهم هو مواصلة القتال”.
حسم معارك الأحياء المتبقية في الجانب الغربي يحتاج إلى بعض الوقت لذلك من غير المرجح السيطرة عليه قبل رمضان
ولفت النعيمي إلى أن “إعلان تحرير الجانب الغربي قبل رمضان (نهاية الشهر الجاري) أمر مستبعد لأن الآلاف من المدنيين لا يزالون داخل الأحياء الأربعة، و(داعش) يستخدمهم دروعا بشرية لمنع تقدّم القوات العراقية، لذا لن يكون تحريرهم عملية سهلة ويحتاج الأمر إلى حذر شديد”.
ولم تبتعد توقعات الفريق الركن عبدالغني الأسدي، قائد قوات مكافحة الإرهاب (قوات النخبة في الجيش العراقي) كثيرا عن التصريحات الرسمية التي لا تقدم تفاصيل عن أسانيدها حول ترجيحاتها بانتهاء المعركة قبل نهاية مايو الذي يتصادف مع حلول رمضان.
وقال الأسدي “وفق معطيات الأرض حسم المعركة سيتم بأيام قليلة، لكن تبقى المشكلة الأساسية هي الحفاظ على سلامة المدنيين من النيران الصديقة”. وأكد أن “داعش يحتفظ حاليا بنسبة أقل من 10 بالمئة من الجانب الغربي وسيواصل تنازله عن الأحياء المتبقية، تحت وطأة معارك غير نظامية تقوم بها قوات مكافحة الإرهاب بالنظر إلى عدم وجود مواقع ثابتة لتمركز الإرهابيين".
وكشف القائد العسكري العراقي عن تغيير تنظيم داعش لإستراتيجية قتاله، إذ "يقاتل حاليا في الأحياء المتبقية من الموصل مناطقيا، أي دون أن ينسّق عناصر الأحياء مع بعضهم بسبب فقدان القيادة والسيطرة".
ويستبعد اسكندر وتوت، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، ضمنا انتهاء المعركة قبل نهاية الشهر الجاري (يصادف حلول رمضان)، دون ترجيح موعد جديد، إلا أنه قدم جملة من المعطيات الميدانية التي تعيق تقدّم القوات العراقية وبسط سيطرتها على كامل المدينة.
وقال وتوت إن "الأسلحة الثقيلة والقصف الصاروخي والمدفعي وغارات سلاح الجو كلها متوقفة ولا تستخدم حاليا في المدينة القديمة من الموصل بسبب تواجد المدنيين".
وأضاف أن “عناصر داعش يتخفون داخل المنازل ويوجّهون بنادقهم باتجاه القوات الأمنية التي تخوض حرب شوارع داخل المدينة القديمة التي تحرم بشوارعها الضيّقة الآليات العسكرية من حرية الحركة".
وأشار إلى أن "استعادة ما تبقى من الموصل يتوقف على المعلومات الاستخباراتية التي تحصل عليها القوات الأمنية من المدنيين حول أماكن تواجد مسلحي التنظيم وخططه".وسواء تم الحسم قبل شهر رمضان أو بعده فإن الأكيد، وفق مختلف المراقبين، أن معركة الموصل لن تطول كثيرا، وهي تقترب من نهايتها مع تقهقر تنظيم الدولة الإسلامية. لكن الأزمة لن تنتهي باستعادة ثاني أكبر المدن في العراق، إذ ينتظر العالم معركة حاسمة أخرى وهي معركة الأنبار، حيث يتحشّد جيش من المتطرفين على الحدود الدولية بين العراق وسوريا.
معركة الأنبار ستكون آخر المعارك وأكثرها خطورة ضد المتطرفين، وما يميزها أن جبهتها هي حدود دولية بينما كانت المعارك السابقة داخل الحدود الإدارية للعراق
معركة الأنبار
شهدت محافظة الأنبار مؤخرا عدة هجمات إرهابية أربكت خطط الحكومة العراقية. وكان تنظيم الدولة الإسلامية شنّ مطلع شهر مايو الحالي هجمات إرهابية متزامنة استهدفت مدن الرطبة وحديثة والرمادي في خطوة استباقية للتنظيم لزعزعة الاستقرار في هذه المدن وإبعاد شبح معركة مقبلة يخشاها أكثر من أي معركة، لأنها ستكون المسمار الأخير في نعش “دولة الخلافة".
وينقل موقع “نقاش”، المعني برصد أخبار الداخل العراقي وتطورات الأحداث، عن الخبراء أن هذه التطورات الخطيرة لم تكن في حسابات الحكومة العراقية المنشغلة بمعركة الموصل، وقد اضطر رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى الأنبار للمرة الأولى منذ انتهاء المعارك فيها العام الماضي. وعندما انطلقت معارك استعادة الأنبار بداية العام 2016 وانتهت في 17 يونيو 2016 باستعادة مدينة الفلوجة والرمادي وهيت وكبيسة والرطبة، لكنها تركت في المقابل مدن عانة وراوة والقائم الواقعة على الحدود الدولية مع سوريا لأسباب عديدة، وفضّلت الذهاب إلى الموصل أولا ومن ثم العودة إلى الأنبار.
ونقل "نقاش" عن ضابط كبير في الجيش العراقي أن الحكومة العراقية وقوات التحالف الدولي وضعتا خطة عسكرية للهجوم على الأنبار بعد الانتهاء من معركة الموصل التي استغرقت وقتا طويلا لم يكن في حسابات الحكومة.
ويقول الضابط، الذي طلب عدم كشف اسمه، إن “القضاء على داعش في الموصل سيجعله مريضا، وموت التنظيم سيكون في الأنبار، ولهذا فإن العملية العسكرية المقبلة ستكون آخر المعارك وأكثرها خطورة ضد المتطرفين في العراق، وما يميّز هذه المعركة أن جبهتها هي حدود دولية بينما كانت المعارك السابقة داخل الحدود الإدارية للعراق".
ويقصد الضابط هنا ما يطلق عليه داعش اسم “ولاية الفرات” وهي الولاية الوحيدة للمتطرفين الواقعة على الحدود بين البلدين، وتمتد من بلدات القائم وعانة وراوة في الأنبار وصولا إلى بلدة البوكمال في سوريا، وبسبب الحدود الشاسعة ذات الطبيعة الصحراوية، فإن خوض معركة فيها يعتبر مجازفة قد توقع الجيش في حرب استنزاف لأشهر طويلة، ولهذا قررت الحكومة جعلها آخر المعارك.
وترتكز خطة الهجوم، حسب ما قدمه الضابط العراقي، على أن تحتشد قوات أمنية كبيرة من الجيش وقوات مكافحة الإرهاب الموجودة في الموصل وأفواج العشائر بينما تقوم القوات الأميركية بتقديم الدعم الجوي والمدفعي لهذه القوات عند الهجوم.
لكن قبل الهجوم ستقوم دوريات عراقية وأميركية بتمشيط مناطق صحراوية شاسعة داخل الأنبار تبدأ من منطقة الجزيرة شمال نهر الفرات، وصحراء الرطبة المرتبطة بالحدود مع السعودية والأردن جنوب النهر لإجبار المتطرفين على الهروب نحو الحدود.
العرب اون لاين