افراسيانت - تونس - "القدس" دوت كوم - يخيم التوتر الاجتماعي على تونس عشية الاحتفاء بذكرى سقوط الحكم الاستبدادي قبل ست سنوات مع استمرار مطالب التشغيل والتنمية ذاتها التي اشعلت فتيل الثورة.
ويبدو الوضع مضطربا في أكثر من مدينة مع استمرار احتجاجات العاطلين عن العمل والاحتجاجات الاجتماعية المطالبة بتحسين ظروف العيش وتوفير أسباب الرزق.
وفي مدينة بن قردان القريبة من الحدود الليبية، تتواصل الاحتجاجات للمطالبة بحلول في معبر رأس جدير الحدودي، وإفساح المجال لانسياب السلع والحركة التجارية، وهي المتنفس الاقتصادي الوحيد للمنطقة.
وينفذ تجار في المدينة اعتصاما منذ نحو شهرين، ما عمق حالة الركود بهدف الضغط على الحكومة من أجل استئناف أنشطتهم التجارية.
ويتزامن ذلك مع تحركات اجتماعية أخرى في مدينة المكناسي التابعة لولاية سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية.
ويطالب المحتجون الحكومة بالإسراع في تنفيذ برامج للتنمية وخلق فرص عمل للشباب العاطل في الجهة.
ويقول محتجون إن منطقتهم لم تشهد تغييرا يذكر على الأرض منذ احتجاجات الثورة، التي أشعلها محمد البوعزيزي بانتحاره حرقا، وأطاحت في النهاية بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في مثل هذا اليوم عام 2011 بسبب مطالب مماثلة.
وفي القصرين ومناطق أخرى من البلاد، تنتشر حالة من التململ الاجتماعي خاصة في المناطق الداخلية الفقيرة، حيث يمكن أن ترتفع البطالة إلى ضعف المعدل على المستوى الوطني والبالغ 15 بالمئة.
وقال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في مقابلة مع وكالة الانباء الألمانية (د. ب.أ) في نهاية شهر كانون أول (ديسمبر) الماضي :"نملك برنامجا لتشغيل الشباب في المناطق الداخلية. لدينا ثلث العاطلين من أصحاب الشهادات العليا".
وأضاف الشاهد "لدينا أولوية للحد من الفقر في تلك المناطق وتمويل المشاريع الصغرى. وقد خصصنا لذلك تمويلا بقيمة 52 مليون دينار في قانون المالية".
وعلى امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي منذ 2011، قارب معدل النمو واحد بالمئة، وتقول الحكومة إنها تأمل الوصول بتلك النسبة إلى 5ر2 5 بالمئة في 2017
كما توقع الشاهد انتعاش تدريجي لاقتصاد البلاد مع تحسن أداء القطاع الفلاحي واستعادة قطاع الفوسفات لنسق الانتاج العادي لفترة ما قبل الثورة، بعد سنوات من الركود بسبب الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات العمالية في منطقة الحوض المنجمي بقفصة.
وتحمل زيارة الرئيس الباجي قايد السبسي إلى قفصة اليوم للاحتفاء بذكرى الثورة دلالة لمنح دفعة للاستثمارات في المناطق الداخلية.
وأعلن السبسي عن توقيع حزمة من المشاريع الصغرى لتوفير ثلاثة آلاف موطن شغل في المنطقة بجانب مشروعين فلاحيين ومشروع آخر في الحوض المنجمي لمشتقات الفوسفات.
وقالت الحكومة، في وقت سابق، إنها وقعت مشاريع واستثمارات بقيمة 15 مليار دينار من بين 34 مليار دينار تعهدات مالية عقب المؤتمر الدولي للاستثمار، الذي نظمته تونس في تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي.
وسيوجه الجانب الأكبر من تلك المشاريع حسب الحكومة إلى المناطق الداخلية.
ولكن ينتاب المحتجون في المناطق الفقيرة، التي قادت الثورة ضد حكم بن علي، قلق من المماطلة وتأخر برامج التنمية التي طال انتظارها منذ ست سنوات.
وقال النائب عن الجبهة الشعبية المعارضة أحمد الصديق "نعيش وضعية مزرية في تونس. الناس ملوا من الوعود وهو ما ولد التوتر وانعدام الثقة وفقدان الأمل".
وأضاف الصديق "التعامل الحكومي والتسويف ساهما في انفجار الوضع الاجتماعي".
وعلى الرغم من المكاسب الكثيرة التي جنتها تونس في مجال تعزيز الحريات والتعددية الحزبية بعد الثورة، إلا أن مشاعر الخيبة تنتشر في جزء كبير من أنحاء البلاد بسبب تدني الخدمات في قطاعات الصحة والتعليم والإدارة، بجانب ارتفاع الأسعار وتفشي الفساد.
كما تضررت صورة تونس دوليا مع تورط الآلاف من مقاتليها المتشددين في النزاع الدائرة في سوريا وليبيا وفي تفجيرات دامية بأوروبا.
ويلقي كل ذلك بضغوطات مضاعفة على الديمقراطية الناشئة في مرحلة بناء الجمهورية الثانية.
وقال الرئيس السابق المنصف المرزوقي "الثورة في تونس متواصلة وهي قوس لم يغلق بعد".
وأحيت تونس اليوم السبت ذكرى مرور ست سنوات على الثورة التي أطاحت في 14 كانون الثاني (يناير) 2011 بنظام الدكتاتور زين العابدين بن علي، وسط إقرار رسمي بالفشل في تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية للثورة.
وتوافد انصار لاحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية الى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في وسط العاصمة، حيث اقيمت احتفالات بسيطة وسط حضور لافت لقوات الأمن التي اخضعت الوافدين للتفتيش تحسبا من هجمات جهادية.
وغابت مظاهر الاحتفال عن بقية ولايات تونس، وفق وسائل اعلام محلية.
وشهدت ولاية سيدي بوزيد (وسط) التي انطلقت منها شرارة الثورة في السابع عشر من كانون الأول (ديسمبر) 2010، احتجاجات على عدم توفر فرص العمل وغياب التنمية.
وقال مراسل وكالة (فرانس برس)، ان عشرات العاطلين عن العمل تظاهروا في شارع رئيسي في مدينة سيدي بوزيد مرددين "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" و"شغل.. حرية.. كرامة.. وطنية" وهما الهتافان الرئيسيان للثورة التونسية.
وأضاف ان نحو 150 عاطلا عن العمل أحرقوا اطارات مطاطية وأغلقوا طريقا رئيسية في بلدة منزل بوزيان التابعة لولاية سيدي بوزيد مرددين الشعارين المذكورين.
وأفاد ان احتجاجات مماثلة حصلت في المكناسي التي كانت شهدت اضرابا عاما الخميس للمطالبة بالتنمية والتشغيل.
ومساء الجمعة، أقر رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريح للتلفزيون الرسمي ان الحكومات المتعاقبة على تونس منذ 2011 فشلت في تحقيق التنمية الاقتصادية التي طالب بها الشعب خلال الثورة.
وقال الشاهد "إذا أردنا أن تصبح هذه الديموقراطية صلبة وقوية (..) يجب أن تحقق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية للثورة وهي الكرامة والتشغيل. وهنا لم ننجح لأن البطالة زادت والفوارق الاجتماعية زادت والجهات (المناطق) المهمشة لا تزال مهمشة".
وزار الرئيس الباجي قائد السبسي السبت ولاية قفصة (وسط) حيث اعلن عن بعض المشاريع الجديدة.
واعلن تلفزيون (نسمة) الخاص ان شبانا قطعوا طريقا مر منها موكب الباجي قائد السبسي.
وبثت القناة صورا لقوات الامن تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع على هؤلاء الشبان الذين رشقوها بالحجارة.
وتجددت المواجهات اليوم السبت بين قوات الأمن ومحتجين في مدينة بن قردان (جنوب شرق) وهي منطقة تشهد توترات اجتماعية على خلفية مطالبات بالتنمية ومرور حر للبضائع مع ليبيا المجاورة.
وأطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع على شبان بعدما رشقوها بالحجارة، وفق شهود ووسائل اعلام محلية.
وأحرق المحتجون اطارات مطاطية وحاويات قمامة واغلقوا بها طرقات.
وبدأت الاحتجاجات الاربعاء واستمرت الخميس.
ويطالب المحتجون بتسريع مشاريع التنمية وفتح معبر "راس الجدير" الحدودي مع ليبيا والذي يشكل رئة اقتصادية للمنطقة، وتطبيق اتفاقية موقعة قبل عشرة ايام بين لجنتين تونسية وليبية تم بموجبها تحديد حجم وزنة البضائع المسموح بعبورها الحدود في الاتجاهين.
وتقول السلطات التونسية ان هناك صعوبة في التفاوض مع الاطراف الليبيين بسبب الفوضى السائدة في ليبيا.