افراسيانت - السفير - ساري جرادات - يسكن المواطن الفلسطيني عارف جابر (55 عاماً ـ من مدينة الخليل) حارة جابر الفلسطينيّة، إلى جانب 3000 مواطن تقريباً. معاً، يعيشون واقعاً يفرض عليهم منع سياراتهم من المرور في الشوارع التي يسلكها المستوطنون، ويتخلله تنكيلٌ وبطشٌ وإرهابٌ ينزلها بهم المستوطنون بوتيرةٍ يوميّة.
وفي ظلّ يوميات التفاوض اليوميّ على الحياة هذه، حاولت عائلة عارف جابر توسيع جدران منزلها، بعدما ضاق المنزل بسكانه. إلا أن الاحتلال شدّد خناقه، وأغلق المنزل بأوامر عسكريّة، انتقاماً من الرجل. فماذا جرى؟
عائلة جابر مكوّنة من 10 أفراد. يقول الوالد في لقاءٍ مع «السفير»: «نعيش في منزلٍ ضيق لم يعد يتسع لنا، فقررنا توسيعه ببناء طابق آخر فوق بيتنا. استصدرنا الأوراق اللازمة من بلدية الخليل المسؤولة إدراياً عن المنطقة، وفق التقسيمات الدولية للمدينة».
يتابع: «يمنع الاحتلال بتاتاً دخول حتى سيارة إسعاف أو إطفائية فلسطينيّة إلى المنطقة. ما اضطرنا إلى بذل جهد كبير لنقل مواد البناء، استمر لأسبوعين. أنا وأبنائي نقلناها على أكتافنا وعبر الدواب، ولكن، تعرّض حمار جارنا للاحتجاز لمدة 8 ساعات بتهمة تقديم المساعدة لنا. كما هدّدوا صاحبه بالسجن لو ساعدنا ثانيةً».
قصة جابر معقّدة. فلمن لا يعرف واقعها، الخليل تحوي 121 حاجزاً ونقطة تفتيشٍ. يبعد منزل جابر مسافة 150 متراً عن الحرم الإبراهيميّ الذي يعتبره الاحتلال مركزاً دينياً هاماً، ويخضع للإغلاق والتقسيم بطريقة معقدة. وفي المساحة التي لا تتعدى الكيلومتر المربع حوله، ينتشر 1500 جندي لحماية 400 مستوطن.
يكمل عارف: «حين انتهينا من رفع الجدران وبدأنا بضخّ الباطون وشارفنا على إنهاء نصف السقف، وصلت إلى بيتي مجموعة من غلاة المستوطنين، يرافقهم الجيش والشرطة. سلّموني أمراً عسكرياً بإعلان المنزل منطقةً عسكريّةً مغلقة. ويقضي القرار بمنع العمل واستقبال الضيوف، وحظر صعودنا إلى الطابق الثاني الذي ما زال قيد الإنشاء».
يجد جابر أن هدف الاعتداءات وإغلاق المنزل هو الانتقام منه، إثر تطوعه مع منظمة «بيتسيلم» الإسرائيلية، حيث يقوم هو بتوثيق انتهاكات الاحتلال في الخليل، كإقدام المستوطنين والجنود على إعدام شبّان بالخليل خلال الأشهر الماضية. صوّر الجريمة وفضحها أمام العالم، ما لم يرق للمستوطنين ولسلطات الاحتلال، فأقدموا على معاقبته بإقفال بيته.
يقول: «عشنا ظروفاً مريرة، مليئة بالإصرار والصبر، بسبب تمديد الأمر العسكريّ ثلاث مرات. وعشنا في حصارٍ خانق داخل المنزل، جرّاء إقامة الجيش ثكنةً عسكريةً على عتبة البيت. وتعرض أبنائي للاستفزاز والتنكيل مراراً من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال، ضغطاً علينا لهدم المنزل ومغادرة المنطقة».
35عاملاً.. وحفلة أطفال
يشرح جابر عن كيفية تمكّنه من رفع سقف بيته، رغم استهداف المستوطنين له: «عملت على مراقبة تحرّكات الاحتلال والمستوطنين، ورصد حركة تبديل الجيش أمام منزلي ومناوبات الجنود. سجّلت ملاحظاتي لأتمكن من تحديد الوقت المناسب لإكمال الشقّ الباقي من سقف البيت، وتوصلت إلى توقيت 10:30 من ليل كلّ جمعة، إذ حينها تقتصر حركتهم على السيارات».
يكمل: «عمل 35 عاملاً ومهندساً لإكمال سقف البيت، تمثل دور الجيران بمراقبة تحركات الجيش وتشغيل الموسيقى بصوت مرتفع للتغطية على صوت العمال والمعدات. أقام الأطفال حفلة أمام المنزل لإثارة الأصوات والحركة، وأمّنت خطة هروب العمال في حال مداهمة الجيش للمنزل. الساعة 7 صباحاً من اليوم التالي، رقصنا فرحاً محفوفاً بالحذر».
بناء 100 متر إضافية لبيته القديم احتاج غرفة عملياتٍ كاملة أعدّها أبو عماد بعد 3 شهور من الرصد، وتخلّلها التنكيل والضرب والاعتداء على أبنائه وأسرته، ومنع المنظمات الدولية ووسائل الإعلام من الاقتراب منه. في يوم العيد، منع الجميع من الاقتراب من منزله.
تتعرّض الأحياء القديمة في الخليل لحصارٍ خانق وسلسلة إجراءات تعسفيّة تحظر على السكان البناء، والتنقل على الشوارع التي يستخدمها المستوطنون، بما لا يردّ عنهم القتل والاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين الذين استولوا على منازل في قلب المدينة بغية إفراغ أحيائها وتهجير سكانها.
يحمد جابر ربه ويقدّم الحلوى لنا: «بعد 20 يوما، رفعت العلم فوق منزلي الجديد. جنّ جنون جيش الاحتلال ومستوطنيه، هاجموا المنزل واعتدوا على عائلتي بالضرب والشتم». يتساءل بغضب: «كم سأحتاج من الوقت لتصليح المنزل وتجهيزه للسكن؟ وهل سأواجه بالأساليب الإرهابية السابقة ذاتها من الجيش والمستوطنين؟».