افراسيانت - أشرف الصباغ - لا أحد يمكنه أن يجزم بفشل الهدنة في سوريا. ولا أحد يستطيع أن يؤكد فشل المباحثات الروسية – الأمريكية حول سوريا.
وبالتالي، فأن يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "الاجتماع لم يسفر عن نتائج ملموسة"، فهذا لا يعني إطلاقا "الفشل"، لأن "أعضاء مجموعة دعم سوريا ستواصل المشاورات". والأهم، هو أن هناك "اتفاقات" أو "تفاهمات" بين موسكو وواشنطن، وأن هذه التفاهمات تتحقق بدرجات مختلفة، ولكن ليس على خط مستقيم من حيث الزمن والتفاوض.
من جهة أخرى، يمكن أن نتحدث عن مماطلات، وعن مراوحة في المكان الواحد، وعن تفسيرات مختلفة للمفاهيم، وعن مناورات سياسية للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب. ووفقا لما قاله لصحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" رئيس معهد الدين والسياسة بروسيا البروفيسور ألكسندر إيغناتينكو، فإن "الاتهامات المتبادلة بين موسكو وواشنطن مستمرة بشأن الأوضاع السورية. ومع ذلك يبقى التعاون بين روسيا والولايات المتحدة أمرا ضروريا في سوريا. والوثائق التي وقعها لافروف وكيري هي شهادة واقعية لهذا التعاون، على الرغم من أنه لم يتطور كما كان مطلوبا. والمشكلة تتمثل في أن قوتين عظميين - روسيا والولايات المتحدة – بدأتا محاولة تسوية الأزمة السورية، من دون أن تأخذا بالاعتبار أن مفتعليها عدد من الدول ذات مصالح ذاتية في سوريا. وهذه الدول هي المملكة السعودية وقطر وتركيا وحتى إيران. ومراكز القوة هذه ليس من مصلحتها تسوية الأزمة وفق الصورة التي اتفق عليها الوزيران لافروف وكيري".
وإضافة إلى ما قاله إيغناتينكو، فالولايات المتحدة أيضا تريد أن يتم تحقيق جزء من الاتفاق الروسي – الأمريكي، ليس بالضبط كما جاء في الوثائق، ولكن في ظل "حظر جوي" ليس فقط للطيران السوري، ولكن أيضا للطيران الروسي. وهو ما يعد شكلا من أشكال "الطمع التفاوضي" و"المناورات" التي تسعى في نهاية المطاف إلى فرض منطقة حظر جوي أيا كان لإرضاء حلفاء واشنطن الذين لا تروق لهم الاتفاقات الروسية – الأمريكية في مجملها.
لقد تم تسريب جزء من الاتفاقات بين موسكو وواشنطن. وهذا الجزء تحديدا قد فقد قيمته، لأنه كان من المفترض أن يتم تنفيذه في الفترة من 12 إلى 19 سبتمبر/ أيلول الحالي (أسبوع الهدنة الذي انتهى بشكل مأساوي). وإذا شئنا الدقة، فهناك إجماع بأن الخلافات على المفاهيم وعلى ما جاء في الوثائق هما أحد أسباب انهيار الهدنة، وإشاعة حالة من التشاؤم بصدد تسوية الأزمة السورية. وللمزيد من الدقة، فهناك خلافات في الإدارة الأمريكية أيضا حول التعامل مع تنفيذ بنود الاتفاقات بين موسكو وواشنطن. فالعسكريون الأمريكيون، يرفضون التعاون في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية مع نظرائهم الروس، ويطالبون بمنع تحليقات الطيران الروسي والسوري، بينما تؤكد الإدارة نفسها أن لا حلَ عسكريا للأزمة السورية، وفي الوقت نفسه يتوجه نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لمداعبة السلطات الأوكرانية في كييف وتحذيرها من إمكانية أن تكسر بعض الدول الأوروبية حلقة العقوبات ضد روسيا، ثم نفاجأ بأن البنتاغون يوقع اتفاقا عسكريا مع وزارة الدفاع الأوكرانية لتزويدها بأسلحة فتاكة من أجل الدفاع عن "الحرية والديمقراطية" في البلاد التي تواجه حربا أهلية بامتياز.
لسنا بمعرض مقارنة الآن، ولكن مفهوم واشنطن للتسوية السلمية للأزمة السورية، هو تحقيق كل الأهداف الممكنة، وعلى رأسها إزاحة الأسد عن السلطة، وتمكين الإخوان المسلمين وحلفائهم من الحكم في سوريا، وإبعاد إيران عن سوريا ولبنان، وتقليص نفوذ روسيا للحد الأدنى في المنطقة ككل وليس فقط في سوريا. وبعد ذلك، تحويل سوريا إلى نسخة شبيهة بالنموذج العراقي "الناجح للغاية"!
إن الولايات المتحدة مصممة على أن ما لم يتحقق بالحرب، سيتحقق بالمفاوضات الملتوية والتفسيرات العرجاء، والمساومات على ملفات مقابل ملفات.
في الحقيقة، وبصرف النظر عن التفاصيل التي تم تسريبها من الاتفاقات أو التفاهمات، فقد تم الكشف قبل ذلك بأيام عن بعض جوانبها. وأكدت المصادر على أن إحدى الوثائق الخمس تتضمن قيام الولايات المتحدة بنقل معدات وأسلحة من المناطق المجاورة إلى الأراضي السورية، وذلك لكي لا يتم تقويض نشاط التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
أما النقطة الثانية التي كشفت عنها المصادر فتدور حول قيام الولايات المتحدة بزيادة عدد المتخصصين في تحليل المعلومات الاستخباراتية (قوات خاصة وعناصر استخبارات) وذلك من أجل التنسيق مع روسيا أثناء توجيه الضربات لمعاقل التنظيمات الإرهابية.
كما تضمنت إحدى الوثائق، حسب المصادر، صيغة مفادها، أنه في حال نجحت الهدنة طوال الأيام السبعة الأولى في سوريا، وتم نقل المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تحاصرها القوات السورية، فيجب أن ينتقل الطرفان الروسي والأمريكي إلى خطوة جديدة بتأسيس مركز التخطيط الروسي – الأمريكي المشترك من أجل تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق في توجيه الضربات لمواقع الجماعات الإرهابية.
وأعرب مراقبون غربيون عن ثقتهم بأن الاتفاقات تتضمن نقاطا أخرى ربما تهدف إلى بسط النفوذ العسكري والأمني لكل من موسكو وواشنطن، حصرا، على الأراضي السورية، وتهميش الأطراف الإقليمية أو الضغط عليها لتقليص نفوذها، سواء في تسوية الأزمة، أو في سوريا ما بعد التسوية.
وألمحت تقارير بأن دمشق موافقة على جميع "النصائح" الروسية، وهو ما دفع روسيا للضغط على الولايات المتحدة للكشف عن مضمون الاتفاقات. بينما تمتنع واشنطن وتعارض هذه الخطوة، تفاديا لغضب حلفائها الإقليميين.
وفي ما يتعلق بإيران، قال مراقبون، إن هناك خلافات عميقة بين موسكو وطهران بهذا الصدد، حيث أن الأخيرة تشعر بتقليص دورها، وربما وجودها في سوريا. الأمر الذي يحرمها من بعض أوراق المناورة مع الغرب. أما تركيا، فهي لا تزال تثير حيرة الجانبين الروسي والأمريكي لامتلاك إردوغان أوراقا قوية تسمح له بالضغط على موسكو وواشنطن. وبالتالي، قد تتعامل روسيا والولايات المتحدة مع الدور التركي بمرونة، شريطة أن يقوم بالتنسيق مع كل منهما، ولا يتجاوز الدور المسموح له به.
كل ما سبق مجرد تفسيرات وتحليلات تتعلق بالاتفاقات الروسية – الأمريكية. ومع ذلك فواشنطن قامت بتفسير بعض المفاهيم بشكل مختلف تماما. وهو ما يظهر أمرا في غاية الخطورة، ألا وهو أنها تسعى لتحقيق ما تريده في سوريا، وأن لا تغضب حلفاءها الأقليميين، وأن تقوم بتدجين إيران والضغط عليها بأوراق مختلفة، وإعادة تركيا إلى حظيرتها ببعض الإغراءات. والأهم، مواصلة تحجيم روسيا، وتهديد ليس فقط مصالحها الدولية والإقليمية، بل وتهديد أمنها المباشر وحدودها القريبة. وإلى جانب كل ذلك، فالبيت الأبيض يشترط، للموافقة على استئناف الهدنة في سوريا، إقدام الروس على "خطوات غير عادية"، وأنه في هذه الحالة فقط، حالة إذا ما عادوا بشئ مهم، يمكنه الاستماع إليهم!!