افراسيانت - محمد ياسين رحمة - ينفرد الأدب الفلسطيني عن الآداب الأخرى في مختلف الأقطار العربيَّة، وحتى عن الآداب العالميَّة، بأنَّه وسيلة من ضمن وسائل المقاومة والنِّضال ومجابهة الكيان الصهيوني.
بل يتعدّى الأدب الفلسطيني من كونه وسيلةً إلى كونه مجال حربٍ مفتوحة ضدّ مشاريع التّهويد وتزييف الحقائق التاريخيّة والعبث بالتُّراث والتَّرويج للأكاذيب الصهيونية..
ويتميَّز بأنَّ له أنواعًا أو تصنيفات، وليس أغراضًا وموضوعات فحسب، منها:
أدب المقاومة، أدب الأسرى، أدب اللاجئين، الأدب التّوثيقي ببُعديَه: الرَّسمي والشعبي، أدب الحبِّ والحياة..
ويُمكن أيضًا تصنيف الأدب الفلسطيني تبعًا للأماكن التي يقيم فيها الأدباء الفلسطينيون: داخل فلسطين المُحتلَّة، قطاع غزة والضفَّة، بلدان اللُّجوء، باقي دول العالم. ولكلُّ مكانٍ من أماكن التَّواجد الفلسطيني موضوعاته التي تميِّزه عن أماكن التَّواجد الأخرى، وتميِّزه حتى في تنوُّع "مسؤوليات" أدبائه نحو فلسطين الأرض والشعب والقضيَّة.
غير أنَّ بعض الأنواع من الأدب الفلسطيني تعاني من الحصار ضمن الحصار المُعلن منذ عام النكبة - أو ربَّما قبل ذلك - على الثقافة والذَّاكرة والهويَّة الفلسطينية، إضافةً إلى ما يعانيه الأديب الفلسطيني من ظروف قاهرةٍ تمنعه من النَّشر والانتشار في مختلف الأقطار العربيَّة وفي العالم أجمع، باعتبار أنَّ الأديب الفلسطيني هو صوت الشعب والأرض، ويتحمَّل مسؤولية مواجهة الأكاذيب الصهيونيَّة ومخطَّطات "تهويد" الشخصية.. وتأصيل الهويَّة في شخصية الأجيال الفلسطينية الصاعدة، والحفاظ على حيويَّة القضية الفلسطينية في فكر ووجدان الشعوب العربيَّة.. فالأديب الفلسطيني هو حامل القضيَّة وهو القضيَّة نفسها.
يُفترضُ أن يلقى الأدبُ الفلسطيني التَّثمينَ والتَّمكين لينتشر في الأقطار العربيَّة، وأيضًا ليلقى طريقه إلى التَّرجمة بمختلف لغات العالم.. وقد توجَّهت جريدة "الأيام نيوز" إلى نخبة من الأدباء الفلسطينيين، بهذه التَّساؤلات:
ما هي رؤيتكم إلى واقع الأدب والأديب الفلسطيني، وحضوره وانتشاره عربيًّا وعالميًّا، من منطلق تجاربكم أو رؤيتكم الخاصة إلى هذا الموضوع؟ وما هي مقترحاتكم في هذا السِّياق؟
من المُجدي الإشارة إلى صعوبة الكتابة في ظروف حرب الإبادة المُعلنة على "غزة".. ورغم ذلك، فقد كتب – مثلاً - الأديب والرِّوائي "بسام أبو شاويش " مقاله وهو تحت القصف والنيران وظروف الحياة بالغة القسوة في "غزة"، وهذا ما يؤكِّد بأنَّ الإنسان الفلسطيني لا يعرف ولا يعترف بالمُستحيل، وأنَّه من عناصر رسالة الأديب الفلسطيني أن يُبقي هذه القيمة والقناعة حيَّة وراسخة في الشخصية الفلسطينيَّة،
و"يُصدِّرها" إلى العالم بأنّ المستحيل ليس فلسطينيًّا، مهما اجتمعت قوى الشرِّ ضدّ الشعب الفلسطيني وأعلنت عليه الموت! نعم، هذا هو الشَّعب الفلسطيني مُتجلّيًا في أدبائه، أعلنوا عليه الموتَ بأعتى وسائل التَّدمير والإعدام المادي والمعنوي، فأعلن الحياةَ على العالم أجمع.. واعتقادنا بأنَّ نوعًا أدبيًّا جديدًا ستنجبه "غزة" ويضيفه الأدب الفلسطيني إلى أنواعه الأخرى التي تُميِّزه. نوعٌ سوف يتجاوز الجغرافية العربية إلى جغرافية الإنسانية جمعاء، سنسمِّيه - مجازًا - "أدب الضَّمير العالمي"!
لقد أحدث الأدبُ الفلسطيني تجديدًا في الأدب العربي خلال محطّات كثيرة من مسيرته، في سنوات: ما بعد النكبة، ما بعد النَّكسة.. وكان إيجابيًّا ولم ينكسر، لأنه فِعل مقاومة قبل كلِّ شيء. وفي الوقت الذي كان فيه الأديب "بسام أبو شاويش " يكتبُ مقاله وهو تحت القصف والنيران وظروف الحياة بالغة القسوة.. فإنَّ فئات من الشعوب العربيَّة استغرقتها الأفكار والتفسيرات "الغيبيَّة" عن: علامات الساعة الكبرى، القيامة.. من هول الحرب على الشعب الفلسطيني في "غزَّة"، أعادت إلى أذهاننا ما كتبه المؤرِّخ "ابن الأثير" في كتابه "الكامل في التاريخ" عن حرب "الإبادة" والتَّدمير التي أعلنها "التَّتار" على الأمَّة العربية والإسلامية، فقد كتب "نعي الإسلام والمسلمين".
وفي هذا الأمر، كتب "راغب السرجاني" قائلا: "ثم يقول (ابن الأثير) كلمة غريبة جدًّا وعجيبة ومؤلمة، يقول: فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ والذي كان معاصرًا لهذه الأحداث ظنَّ أنَّ هذه بداية النهاية، وأنَّها علامات الساعة الكبرى، وأنَّ الأرض ستنتهي الآن وسيبدأ يوم القيامة، ولم يظن أنَّ أمَّة الإسلام ستبقى بعد هذه الأحداث".
لقد انتهى "التَّتار" إلى مزبلة التَّاريخ، وانمحى وجودهم، وما زالت الأمَّة العربية والإسلاميَّة قائمةً بعد كل ما تعرَّضت له من حروب إبادة وتدمير "تتاريَّة"، وكذلك سينتهي الكيان الصّهيوني إلى مزبلة التَّاريخ، وتبقى غزة وفلسطين ما بقِي الزَّمان، ويبقى الأديب الفلسطيني مُجاهدًا ومناضلاً ومقاوِمًا، ومُعلنًا في وجه العالم كلِّه بأنَّ المستحيل ليس فلسطينيًّا.. وأنّ فلسطين ليست "قضيَّة" تتقاذفها طاولات المفاوضات وتتلاعب بها المصالح بين الدّول، بل هي وطنٌ تحت رحى الاحتلال الصهيوني بدعم من القوى الشرّ القديمة والجديدة، ابتدأت محنتها عام النكبة وستنتهي بتحرير فلسطين.