افراسيانت - لم تدرس الشابة المقدسية حنين جابر الإخراج السينمائي، لكنها هوته فأبدعت فيه، وأمست أعمالها تحصد الجوائز باسم فلسطين والقدس كان آخرها الأسبوع الماضي جائزة كلاكيت ذهبية عن فيلمها "الطوق الأبيض" في المهرجان اللبناني للسينما والتلفزيون.
والطوق الأبيض فيلم سينمائي درامي قصير روت من خلاله ابنة القدس حنين جابر بعض فصول المعاناة اليومية لشباب مدينتها عبر شخصية البطل "ثائر" الذي قضى الاحتلال على أحلامه التي طالما عمل لتحقيقها.
برصاص جندي إسرائيلي يرتقي ثائر شهيدا في أحد أزقة البلدة القديمة، وتمتزج دماؤه ببياض طوق الورد الذي جهزه ليكلل به خطيبته ميادة، لكنه كان شهيدا وقضي على أسمى أحلامه خلال عودته من عمله المغمس بالذل.
عمل ثائر في أحد مطاعم القدس الغربية، وفي يوم استشهاده غافله صاحب العمل الإسرائيلي واضعا سكينا في حقيبته فكانت سببا مرضيا لهوس جنود الاحتلال بإطلاق النار تاركا أما وحيدة أنهك المرض قواها، وضرائب متراكمة للاحتلال وغيرها من المصاريف التي كان ثائر يحسبها يوميا بالورقة والقلم.
عام القدس
وكان مهرجان الإسكندرية السينمائي بنسخته 32 افتتح أعماله نهاية العام الماضي بفيلم الطوق الأبيض مع أن مخرجته لم تستطع منافسة باقي الأعمال، لأن أحد شروط المشاركة أن يكون الفيلم غير معروض وغير متاح عبر شبكة الإنترنت.
وعقب عرضه في الافتتاح كان الفيلم دافعا لأن يقرر وزيرا الثقافة المصري والفلسطيني حينها أن يكون العام 2017 عاما سينمائيا للقدس، وأن يعرض الفيلم بشكل شهري في دول مختلفة.
تقول حنين إنها تخرج أعمالها ليشاهدها الجميع دون استثناء "لذلك أضع أعمالي في متناول أيديهم عبر محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي، فتفاصيل الحياة بالقدس يجب أن يعلم بها الجميع".
وتضيف أن فكرة الفيلم جاءت بعد فقدانها اثنين من أصدقائها خلال "هبة القدس" التي انطلقت شرارتها عام 2015، وهما الشهيدان بهاء عليان وفادي علون، فكانت قصتهما شاهدة على وجع شباب القدس وظلم المحتل لها ولأبنائها.
خلال تسع دقائق -وهي مدة "الطوق الأبيض"- حاولت المخرجة المقدسية تسليط الضوء على الظروف المعيشية الصعبة التي دفعت شباب القدس للعمل بسن صغيرة وترك مقاعد الدراسة، والظلم الذي لا ينتهي، فتكون الإعدامات الميدانية التي نفذت وتنفذ تحت ذرائع واهية آخر فصول حياتهم.
امتهنت حنين جابر الإخراج منذ ثلاث سنوات لتمسي المخرجة السينمائية الوحيدة في القدس، درست الصحافة والإعلام، وحاليا تكمل دراسة الماجستير بالدراسات المقدسية، أما الإخراج فكان هواية عززتها ببعض الدورات الاحترافية.
حبها لمدينتها جعلها أكثر إيمانا بقدسية رسالتها، دخلت بيوت المقدسيين، عرفت وجعهم وماذا ينقصهم، فكانت جل أفكارها الإخراجية بنكهة مقدسية.
الحلم الرسالة
تقول حنين إن حلمها كمخرجة شابة وكغيرها من المخرجين كان الوصول إلى الأوسكار، لكن نجاحها اليوم يتمثل في إيصال رسالة القدس ومعاناتها وجمالها وطاقاتها.
وبحسب حنين، فالأعمال الإخراجية في القدس لم ترتق لمستوى يوازي في حرفيتها الأعمال السينمائية بالعالم، وطموحها أن تحصل على نصوص لسيناريوهات قابلة لأن توظف سينمائيا.
تنزل حنين إلى شوارع القدس وتشرع في تصوير أعمالها دون تصريح من شرطة الاحتلال لقناعتها بعدم الحاجة لها فهي ابنة المدينة وهم عابرون "أحيانا يعرقلون إدخال المعدات لكن ينتهي الأمر بإدخالها على طريقتنا الخاصة".
لكن الاحتلال ليس العقبة الوحيدة أمام حنين، فهي تواجه عقبات مادية، وغياب نقابة تحميها وتحفظ حقوقها، بالإضافة إلى نظرة مجتمع المدينة المحافظ الذي يستغرب وجود شابة في كادر تصوير داخل أزقة المدينة وفي شوارعها تصرخ بأعلى صوتها " أكشن" ليبدأ التصوير.