افراسيانت - بقلم: محمد أبو لبدة - استهداف دولة الاحتلال الاسرائيلي للمسجد الاقصى المبارك واطماعهم فيه ليس وليد الصدفة او اليوم، بل هو منذ زمن بعيد وتحديدا منذ ان اتخذت الحركة الصهيونية قرارا باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بالتحالف والتآمر مع الدول الاستعمارية وفي طليعتها بريطانيا التي كانت مستعمراتها لا تغيب عنها الشمس.
وهذا الاستهداف الاسرائيلي ليس فقط للمسجد الاقصى المبارك بل لكل فلسطين والارض العربية من النيل الى الفرات، ولكن ما نحن بصدده في هذه العجالة هو المسجد الاقصى الذي يستبيحه المتطرفون اليهود بصورة شبه يومية بدعم من سلطات الاحتلال واجهزته الامنية والشرطية تحت مزاعم وحجج مختلفة.
وقد اتبعت سلطات الاحتلال في هذا الاستهداف عدة وسائل وقامت وتقوم بحملات اعلامية لهذا الغرض، ولما كانت هذه السلطات متحالفة مع الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية التي تقود حاليا الدول الغربية فإنها تغض الطرف عما تقوم به هذه السلطات رغم معرفة واشنطن بان هذه الممارسات والاستهداف الاسرائيلي للارض والمقدسات الفلسطينية الاسلامية والمسيحية في طريقها لوضع العالم على حافة الهاوية، خاصة وان سلطات الاحتلال تعمل على تحويل الصراع في المنطقة من صراع سياسي هدفه احقاق الحقوق الوطنية المشروعة والثابتة للشعب الفلسطيني ورحيل الاحتلال الغاشم، الى صراع ديني مدمر ليس فقط للمنطقة وانما للعالم اجمع.
وقبل الدخول في اساليب هذا الاستهداف واهدافه النهائية والتي ستكون وبالا على المجتمع الدولي برمته، فلا بد من التطرق الى مكانة ومنزلة المسجد الاقصى المبارك عند المسلمين والتي يمكن الاشارة اليها في النقاط التالية:
1- اولى القبلتين: فالمسجد الاقصى هو القبلة الاولى للمسلمين فقبل ان تكون الكعبة هي قبلة المسلمين كان المسجد الاقصى هو القبلة الاولى وقد صلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حوالي 16 شهرا بالمسلمين باتجاه القبلة الاولى اي المسجد الاقصى الى ان نزل الامر الالهي بتحويل القبلة الى المسجد الحرام اي الكعبة المشرفة.
2- اسري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى وفيه صلى اماما بالانبياء وانتقلت وراثة النبوة ولواء الرسالة الى محمد خاتم الرسل والانبياء وكان ذلك في المسجد الاقصى المبارك.
3-ثاني المسجدين: فالمسجد الاقصى بني قبل مسجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبعد المسجد الحرام وبذلك يكون هو ثاني المسجدين.
4-ثالث الحرمين الشريفين: المسجد الاقصى يعتبر احد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال الا اليها وهي المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والمسجد الاقصى المبارك الذي بارك الله حوله.
5-الصلاة في المسجد الاقصى المبارك تعادل 250 صلاة فيما سواه من المساجد الاخرى غير المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.
من هنا جاءت مكانة ومنزلة المسجد الاقصى لدى المسلمين في كافة ارجاء المعمورة، الامر الذي من واجبهم وليس فقط من واجب الفلسطينيين لوحدهم حمايته والدفاع عنه فهو للمسلمين وحدهم ومن بين اقدس مقدساتهم.
اما عن الاساليب التي تتبعها دولة الاحتلال في استهداف الاقصى واطماعها فيه وفي فلسطين والبلاد العربية كافة فحدث ولا حرج فهي متنوعة وتنفذ على مراحل بدعم من حكومة الاحتلال واجهزتها الامنية والشرطية التي توفر لغلاة المتطرفين اليهود الحماية، وذلك لجس نبض المسلمين واماتة شعورهم تجاه مسجدهم الذي بارك الله حوله.
ومن ابرز هذه الاساليب ما يلي:
1-الاستيلاء على مفاتيح العديد من ابواب الحرم القدسي الشريف وفي البداية على مفاتيح باب المغاربة الذي يطل ويقود الى حائط البراق الذي يدعي الاحتلال بأنه حائط ما يسمى المبكى رغم ان لجنة دولية اقرت في العشرينات من القرن الماضي بأن هذا الحائط هو جزء من المسجد الاقصى المبارك وهو للمسلمين وليس لليهود اي حق فيه. وقد قامت ثورة البراق عام ١٩٢٩م على اثر مزاعم اليهود بأن هذا الحائط يخصهم وحاولوا الاستيلاء عليه.
٢- الاستيلاء على حائط البراق عقب احتلالهم لبقية الارض الفلسطينية عام ٦٧ ليقع المسجد الاقصى لاول مرة تحت الاحتلال الاسرائيلي، ومنذ ذلك الحين وهم يوسعون منطقة الحائط بعد ان هدموا المنازل والمحال التجارية الفلسطينية هناك ومنعوا المسلمين من الوصول اليه وها هم يواصلون توسيع منطقته على حساب الفلسطينيين ومنازلهم ومحالهم التجارية.
٣- محاولة احراق المسجد الاقصى: حيث جرت المحاولة الاولى بتاريخ ١٩٦٩/٩/٢١م اي عقب احتلال القدس بحوالي سنتين على يد السائح اليهودي مايكل وينيس.
وقالت فيه حينه جولدا مئير رئيسة وزراء اسرائيل بأنها لم تنم في تلك الليلة اعتقادا منها بأن المسلمين في العالم سيهبوا للدفاع عن الاقصى، الا ان ردة فعلهم المستكينة على هذا الاحراق ادت الى مواصلة استهداف هذا المسجد المبارك.
٤- القيام بالحفريات المستمرة والمتواصلة وشق الانفاق تحت ساحات المسجد الاقصى، في محاولة للتسبب بانهياره جراء هذه الحفريات او بسبب اية هزة ارضية فالامور مهيأة لذلك.
٥- منع مسلمي الضفة الغربية وقطاع غزة من الصلاة في الاقصى الا لمن تحدد اعمارهم سلطات الاحتلال امام الشبان والشابات فيتم منعهم من الوصول للاقصى من خلال الجدار العنصري الذي اقامته حول القدس لتحقيق هذه الغاية وغايات اخرى.
٦- اغلاق بعض مدارس ومصاطب العلم في داخل المسجد الاقصى تحت مزاعم مختلفة من بينها ان هذه المدارس والمصاطب تحرض على الاحتلال وتقاوم المستوطنين الذين يقتحمون الاقصى لفرض امر واقع فيه.
٧- اخراج تجمع المرابطات والمرابطين عن القانون واعتبار هذا التجمع مخالفا لما اسمته سلطات الاحتلال القوانين الاسرائيلية في محاولة لفرض القانون الاسرائيلي على الاقصى المبارك.
٨- منع العديد من المقدسيين من دخول الحرم الشريف وابعادهم عنه لمدد طويلة بناء على احكام تصدرها محاكم الاحتلال ضد هؤلاء المقدسيين.
٩- اعتقال حراس المسجد الاقصى والزج بهم في السجون لكي يتسنى للمتطرفين اليهود لدى اقتحامهم للاقصى وتدنيسه التحرك بحرية دون اية مقاومة واعتراض من قبل هؤلاء الحراس.
١٠- وضع قوة شرطية مقيمة داخل الحرم الشريف من ابرز مهماتها تأمين الحماية لليهود المتطرفين لدى اقتحامهم للاقصى والتي اصبحت اقتحامات شبه يومية.
١١- ابعاد عدد من خطباء المسجد الاقصى عن الحرم الشريف بتهم التحريض وغيرها من التهم الاخرى التي ما انزل الله بها من سلطان.
١٢- اقامة العديد من الكنس حول المسجد الاقصى في محاولة لتغيير معالمه وصولا الى محاولات اقامة هذه الكنس داخل الحرم الشريف.
١٣- الاستيلاء على العديد من المناطق المحاذية للمسجد الاقصى وتطويقه من قبل المستوطنين الذين يستولون على المنازل الفلسطينية المحيطة بالاقصى كمقدمة للاستيلاء عليه لاحقا.
١٤- اقامة الحي اليهودي في القدس والذي يطل على الحرم الشريف على انقاض حارة الشرف الفلسطينية التي تم هدمها منذ اللحظات الاولى لاحتلال القدس.
١٥- وضع الحواجز والعراقيل وتفتيش المارة والمصلين بصورة مهينة لمنعهم من الوصول الى الاقصى جراء هذه الممارسات والانتهاكات المفضوحة.
١٦- -اطلاق النار على المصلين والرصاص المطاطي وقنابل الغاز وارتكاب مجزرة بداخله ادت الى استشهاد عدد من المقدسيين بهدف اخافتهم والخشية على حياتهم مما يؤدي حسب اعتقاد الاحتلال لمنعهم من الدخول للاقصى.
انه من خلال ما تقدم فان هدف سلطات الاحتلال من ذلك هو هدم المسجد الاقصى واقامة الهيكل المزعوم مكانه، فهذه السلطات تدعي بان الهيكل المزعوم اقامه اليهود لدى غزوهم لفلسطين ايام الكنعانيين وهم اجداد الفلسطينيين مكان المسجد الاقصى وهم يسعون الى هدم هذا المسجد لاقامة هيكلهم المزعوم.
وقد استطاعوا خلال سنوات احتلالهم للقدس وبقية ارجاء فلسطين والتي دخلت عامها الخمسين من تقسيم المسجد الاقصى زمانيا من خلال منع المسلمين من الدخول في ساعات محددة في النهار وهم يحاولون حاليا تقسيمه مكانيا كما حدث في المسجد الابراهيمي بالخليل وصولا الى هدمه واقامة هيكلهم المزعوم مكانه.
وامام هذا الاستهداف والاطماع الاسرائيلية في المسجد الاقصى فما هو المطلوب وما هو العمل من اجل منعهم من تحقيق اهدافهم وتغيير معالم واحد من اقدس مقدسات المسلمين.
١-ينبغي على الفلسطينيين مواصلة تواجدهم في الحرم الشريف وباعداد كبيرة كما كان عليه الحال في شهر رمضان المبارك وايام الجمع وخاصة الجمعة الاخيرة من رمضان وليلة القدر وصلاة عيد الفطر.
٢- ان الاجراءات والعراقيل الاسرائيلية يجب ان لا تحول دون التواجد الكثيف للمسلمين وكافة الفلسطينيين من التواجد في الاقصى خاصة من اهالي القدس وفلسطينيي الداخل الذين اثبتوا انهم من اشد المدافعين عن الحرم الشريف حيث كانوا ومازالوا يسيرون المركبات لنقل المصلين الى الاقصى من مختلف مدن وبلدات وقرى الداخل.
٣-مواصلة الرباط في المسجد الاقصى وباحاته وساحاته من قبل اهالي القدس والداخل للحيلولة دون تنفيذ المتطرفين اليهود لاهدافهم في الهدم.
٤-مواصلة مناشدة المسلمين وخاصة منظمة المؤتمر الاسلامي التي انشئت في الاصل من اجل الدفاع عن المقدسات وخاصة المسجد الاقصى من الاحتلال الاسرائيلي، لتأخذ دورها في هذا السياق وعدم الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار بل باتخاذ خطوات عملية تحول دون تمرير المخططات الاحتلالية.
٥-على السلطة الفلسطينية والحكومة الاردنية بصفتها صاحبة الولاية على المسجد الاقصى بذل المزيد من الجهود العملية لمنع تقسيم الاقصى وهدمه كما على السلطة الفلسطينية تبني استراتيجية عملية مدروسة لا تقتصر على الشعارات لحماية الاقصى وتثبت المواطنين في محيطه.
٦-على الدول العربية منفردة ومجتمعة خاصة الدول التي تقيم علاقات مع اسرائيل منعها من مواصلة استهدافها للاقصى خاصة وانه يخص كافة المسلمين والدفاع عنه واجب لاكثر من مليار مسلم في العالم وعدم الابقاء على حالة الهوان الحالية التي تستغلها اسرائيل لتنفيذ مخططاتها.
٧- الحد من بيع العقارات لليهود في البلدة القديمة وخصوصا في محيط الاقصى.
وباختصار شديد فان المسجد الاقصى وباحاته في خطر شديد وان الفلسطينيين وحدهم لا يمكنهم حمايته رغم انهم يبذلون الغالي والنفيس من اجل ذلك، فهل من مجيب لنداءات الفلسطينيين لحمايته من عرب ومسلمين؟.