افراسيانت - أحمد دراغمة - لا تنصح اللاجئة الفلسطينية لينا (أسم مستعار) أحدا بالهجرة، ولا تتردد في التعبير عن ندمها على خوضها مغامرة الرحيل إلى أوروبا، بعدما عاشت لحظات الموت بكل تفاصيلها المرعبة، وعانت ويلات شبيهة لعذابات اللجوء الفلسطيني إثر النكبة، وذلك في طريقها إلى أوروبا بحثا عن حياة كريمة لم تجد منها شيئا بعد عامين من وصولها هناك.
حياة اللاجئة لينا (20 عاما) تجسد فصلا من فصول رواية تغريبة بني فلسطين الطويلة؛ فعائلتها التي هُجّرت من فلسطين عام 1948، توجّهت إلى لبنان ثم غادرتها هربا من الحرب الأهلية خلال القرن الماضي، إلى أن استقرّ بها المقام إلى جانب توأمها في مخيم للاجئين بمدينة روسكيلدا في الدنمارك، بعد أن تركت شقيقتها وأمها في الجزائر.
أما والدها الذي كان يعمل في السفارة الفلسطينية بالجزائر، فقد طلبت السلطات الجزائرية منه مغادرة البلاد بعد انتهاء عمله فيها قبل نحو أربع سنوات، ليعود إلى فلسطين محاولا لملمة شمل العائلة في غزة، لكن محاولاته باءت بالفشل.
ولم تجد لينا أي فرصة للعمل في الجزائر التي تعاني من بطالة عالية، فقررت الهجرة، ونفذت ذلك بالفعل عام 2014 متوجهة إلى ليبيا، حيث أقامت لـ25 يوما في منزل ضم نحو 200 مهاجر، بينهم كبار سن وأطفال كانوا يقضون وقتهم في البكاء، إذ لم يستطع أحد الخروج من المنزل خوفا من أن تقبض عليهم الشرطة الليبية، وفق ما حذّرهم المهرّب.
وبعد 25 يوما من معركة المعنويات، كما تصفها لينا، أخرجهم المهربّ من المنزل دون أن يسمح لهم بأخذ حقائبهم، وذلك بسبب عدد المهاجرين الكبير، وصغر حجم القارب. ثم بعد 15 دقيقة من انطلاق "قارب الموت"، حسب وصفها، تعطل في عرض البحر مدة ست ساعات، دون أن يستطيعوا العودة للساحل خوفا من اعتقالهم.
وتقول لينا، إنها وركاب القارب وصلوا لمرحلة فقدان الأمل، قبل أن يسمعوا صوت قارب آخر أعادهم للحياة، حيث قام بسحبهم إلى عرض البحر في رحلة استمرت 12 ساعة. ومن القارب انتقلوا لاحقا لسفينة كبيرة أقلتهم في رحلة بعرض البحر المتوسط، استغرقت خمسة أيام، قبل أن ينتهي بهم الحال في مخيم للاجئين بالعاصمة الدنماركية، حيث قضت حياة في غاية السوء انتهت بإغلاق المخيم، وانتقالها للمخيم الذي تقيم به حاليا في روسكيلدا.
ورغم نجاحها في عبور البحر والوصول لبر الأمان حية، خلافا لما حدث مع آلاف المهاجرين الذين غرقوا في البحر وانتهى الأمر بموتهم أو إنقاذهم ثم إعادتهم لبلادهم، إلا أن لينا تصف التجربة بأنها "قاسية وتحط من الكرامة"، وتؤكد أنها لن تخوض هذه المغامرة لو عاد بها الزمن للخلف.
وتضيف لينا بعد استقرارها في الدنمارك، "طريق أوروبا ليس مفروشا بالورود، والتأقلم مع الحياة هناك ليس سهلا".
وبعد أن ذاقت طويلا عذابات اللجوء وويلات الهجرة والغربة، كُتب لهدى الحصول على فرصة تدريب كصحافية في جريدة تابعة لمنظمة الصليب الأحمر، وهي الآن تكتب قصصا عن اللاجئين ومرارة تجاربهم، لكنها تقول: "لم أنجز أي شيء خلال العامين الماضيين، وأشعر أني فقدت مستقبلي، فقد كنت أريد دراسة الطب البيطري".
وتضيف، "ساعدني التدريب على تحسين لغتي الانجليزية، وتعبئة وقت الفراغ، والتعرف على الكثير من اللاجئين ومعرفة قصصهم المأساوية".
وتعمل لينا لمدة ثلاثة أيام أسبوعيا في مقر تابع للصليب الأحمر، يبعد عن المخيم الذي تعيش فيه مدة ساعة ونصف.