القدس ممنوعة عن أهلها ونتنياهو أمام التراجع.. أو الهروب إلى الأمام! .. الهبّة الفلسطينية تُسقط استراتيجية «إدارة النزاع»
افراسيانت - حلمي موسى - أفشلت الهبة الشعبية الدائرة في القدس والأراضي المحتلة عموما نصرة للأقصى استراتيجية «إدارة النزاع» التي يقودها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وأكدت التطورات الأخيرة، والعمليات التي نفذها فلسطينيون، واستمرار تغول سوائب المستوطنين، أن الحديث عن تخفيف اللهيب ليس أكثر من لغو، وأن بوسع القدس والقضية الفلسطينية أن تجر الجميع إلى دائرة الاهتمام.
وشهدت الاراضي الفلسطينية خلال اليومين الماضيين هبة شعبية، قدم خلالها الفلسطينيون شهيدين في عمليتي طعن جديدتين، في القدس المحتلة، أسفرتا عن مقتل مستوطنين اثنين وإصابة ثلاثة، في وقت عمت المواجهات مناطق الضفة الغربية، حيث أصيب العشرات في حملات أمنية واعتداءات استيطانية استهدفت المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، بينما اتخذت السلطات الاسرائيلية إجراءً خطيراً تمثل في إغلاق البلدة القديمة في القدس المحتلة.
وبات واضحا أن إسرائيل تقف أمام مفترق طرق حاسم: إما التراجع عن خطواتها وإما الهروب إلى الأمام بتصعيد الموقف والعودة لاحتلال مدن الضفة الغربية، فالفلسطيني اليوم، في السلطة أو المعارضة، يجد نفسه مهددا أكثر من أي وقت مضى ويحارب وظهره إلى الحائط.
ومن الواضح أن نظرية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون في «إدارة النزاع» ومنع التقدم باتجاه أي حل وفرض وقائع تدريجية على الأرض قد فشلت فشلاً مدوّياً بنشوب هبة الأقصى.
ومن غير المستبعد أن تهديد نتنياهو والمقربين منه بـ «سور واقٍ 2» كالذي أعقب انتفاضة الأقصى في العام 2000 ليس أكثر من محاولة هروب إلى الأمام في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن.
ويتحدث كثيرون عن أن اتهامات نتنياهو للرئيس الفلسطيني محمود عباس لا تبعد عنه مسؤولية الفشل، خصوصا أنه سوّق نفسه للجمهور الإسرائيلي على أنه «السيد أمن» الفائق الحزم.
ولا تخفي أوساط سياسية إسرائيلية تخوفها من أن تصاعد التوتر في الضفة والقدس، واحتمالات الانزلاق إلى حرب في غزة، والخشية من تسخين الحدود الشمالية، قد يدفع قوى دولية لزيادة التدخل، ومحاولة فرض حل خلافا لما تريد إسرائيل. كما لا تخفي قلقها من واقع أن سياسة نتنياهو في تيئيس الفلسطينيين قد تدفعهم إلى اللجوء لخطوات أكثر عنفا وتشددا.
ويبدو أن أحداث القدس ونابلس فاجأت الحكومة الإسرائيلية التي قرر رئيسها عقد اجتماع عاجل للمجلس الوزاري المصغر لبحث التطورات الأمنية في الضفة الغربية والقدس. وسارعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى إجراء مداولات بقصد الاستعداد لتقديم خطة متكاملة للاجتماع الأمني. ولكن ذلك لم يسهل على اليمين الإسرائيلي استيعاب اللحظة ومتطلباتها فسارعت بعض قوى اليمين الأشد تطرفا، خصوصا في البيت اليهودي، إلى توجيه الاتهامات للحكومة ورئيسها بالتخاذل. وبدا أن الليكود اضطر للرد على منتقدي رئيس الحكومة من داخل الائتلاف بعدما أدرك أن «أغراضا فئوية» تدفع أعضاء في الائتلاف لتوجيه انتقادات «لا تستند إلى أساس».
ويعيش الائتلاف الإسرائيلي الحاكم واحداً من أحلك أيامه نظرا لتدهور الوضع الأمني عموما وازدياد مخاطر خروج الوضع عن السيطرة وتعاظم الخلافات حول سبل العمل لمواجهته. ورغم أن كلا من نتنياهو ووزير دفاعه يواصلان إطلاق التهديدات ويرسلان تعزيزات من الجيش لقمع الهبة إلا أن اليمين المتطرف، حتى داخل الحكومة، يستخف بهذه الإجراءات ويطالب باتباع ما يسميه «سياسة القبضة الحديدية».
ومن أبرز الأصوات التي انتقدت نتنياهو زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت، ما استدعى ردا من مقربي نتنياهو يفيد بأن الرجل «لا يفهم معنى عضويته في الحكومة والمسؤولية النابعة منها». كما حمل مقربو نتنياهو على وزراء «البيت اليهودي»، واتهموهم بالسعي لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة عبر توجيه الاتهامات.
وكان بينت قد كتب عبر صفحته على موقع «فايسبوك» أنه مطلوب من الحكومة بعد مقتل المستوطنين ثلاثة أمور: «الكف عن تقييد أيادي الجنود وإسناد قادتهم فعليا، وبناء مستوطنة أو حي استيطاني كي يفهم أبو مازن، وإعادة محرري (الجندي الاسرائيلي جلعاد) شاليت ومن أفرجت عنهم إسرائيل إلى المعتقل».
واندفع بعدها وزراء «البيت اليهودي» وفي مقدمتهم وزيرة العدل إييلت شاكيد التي اتهمت الحكومة في حديث تلفزيوني «بأنها لا تفعل ما فيه الكفاية» لفرض الأمن. وقال وزراء «البيت اليهودي» إن «إسرائيل تتعرض لهجوم إرهابي ولا وقت لدينا للسياسة. لقد طرحنا مطالب أمنية وسنتابع أمر تنفيذها».
وإذا كانت هذه حال رئيس الوزراء الاسرائيلي مع قسم من ائتلافه، فإن حاله أسوأ مع معارضيه، إذ حمل زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ على نتنياهو وقال إنه «فقد السيطرة على مواطني إسرائيل والقدس». وأضاف أن «حكومته تظهر الفشل التام في معالجة الأمن، وفي المهمة القومية في حماية أمن القدس وسلامتها. فالخطابات والأقوال لا تحقق الأمن لإسرائيل». أما زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان فكتب عبر صفحته على «فايسبوك» خمس كلمات معبرة: «هكذا يبدو فقدان السيطرة والردع».
وبرغم اتهام زعيم «هناك مستقبل» يائير لبيد لأبو مازن بالتحريض على العمليات ضد الإسرائيليين، إلا أنه أضاف أن «هذه الحكومة فشلت في توفير الأمن لمواطني إسرائيل. فشلت في توفير الأمن لسكان يهودا والسامرة، وفشلت في توفير الأمن لسكان القدس، وفشلت في توفير الأمن لسكان غلاف غزة. إنها حكومة مشغولة بصراعاتها الداخلية بدل توفير الأمن للسكان».
وقاد الوضع الأمني المتدهور في القدس والمخاوف من انزلاقه إلى أماكن أخرى إلى احتشاد متظاهرين ضد نتنياهو بسبب «العجز» وجراء الفشل في توفير الأمن. وأحيط مقر نتنياهو في القدس المحتلة بعدد من التظاهرات التي نظمها اليمين المتطرف والتي تطالب بخطوات تصعيدية ضد الفلسطينيين وبإنشاء مستوطنات جديدة. ويتظاهر أيضا حول بيت نتنياهو العشرات من شبان «حزب العمل» الذين يهتفون: «نتنياهو فشلت.. انصرف إلى بيتك».
وفور وصول نتنياهو من زيارته للولايات المتحدة الليلة الماضية، عقد اجتماعا طارئا في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب بمشاركة وزير الدفاع ووزير الأمن الداخلي ورئيس الأركان ونائب المفتش العام للشرطة. وكل هذا تمهيد لاجتماع المجلس الوزاري المصغر الذي سيعقد مساء الاثنين. وقد سبق الاجتماع تنفيذ الجيش الإسرائيلي أوسع حملة اعتقالات في الضفة الغربية بعدما عزز قواته. وقد قيدت الشرطة الإسرائيلية يوم أمس في خطوة نادرة حصر الدخول إلى البلدة القديمة في القدس بمواطني إسرائيل والسياح وفقط الفلسطينيين المقيمين داخل البلدة القديمة أو يدرسون فيها أو لديهم حوانيت». وقيدت أيضا سن الدخول إلى المسجد الأقصى بما لا يقل عن خمسين عاما وفقط عبر بوابة واحدة.
ولمواجهة تصاعد الغليان الشعبي الفلسطيني، توصي المؤسسة الأمنية بتشكيل آلية للمزج بين قوات الجيش والشرطة والشاباك لتنفيذ عمليات أمنية واسعة على أساس معلومات استخبارية.
ومن بين التوصيات تعزيز الحضور الأمني في القدس لتعميق الشعور بالأمان وتقييد حركة الفلسطينيين إلى القدس عبر إعادة نشر الحواجز وإجراء فحوصات أكثر وتنفيذ حملات اعتقال واسعة في صفوف من يعتبرون محرضين وتقييد دخول الأفراد من الضفة إلى القدس وإسرائيل.
ومع ذلك فإن الأوساط الأمنية الإسرائيلية تخشى من أنه بعد انتهاء فترة الأعياد الإسلامية سيغدو شهر تشرين الأول فترة اختبار للمساعي الإسرائيلية التي تصطدم بزيادة التوتر السياسي مع السلطة الفلسطينية.