وسط فضائح الفساد.. اوكرانيا والمساعدات ووجهتها المشبوهة

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - في 22 يوليو/تموز 2025، صدّق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على قانون مثير للجدل ألغى استقلال "المكتب الوطني لمكافحة الفساد" و"النيابة الخاصة بقضايا الفساد"، واضعاً المؤسستين تحت سلطة مكتب المدعي العام، وهو ما يعني فعلياً تبعيتهما لمكتب الرئيس، ويُتوقع أن يفقدهما القدرة على التحقيق باستقلالية في قضايا فساد الدولة.


وأُقر القانون بسرعة بفضل دعم حزب زيلينسكي "خادم الشعب"، ووقعه الرئيس رغم التحذيرات المحلية والدولية، حسب منصة "أتلانتك كاونسل"، القرار فُسّر كرد مباشر على تحقيقات طالت شخصيات بارزة مقربة من الرئاسة، منها نائب رئيس الوزراء السابق أوليكسي تشيرنيشوف.


واندلعت على إثر ذلك أكبر احتجاجات منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، إذ اعتبر المحتجون أن القانون يقوّض فعالية هيئات مكافحة الفساد ويضعف جهاز الأمن والاستخبارات.


بدوره أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق شريحة مساعدات بقيمة 1.5 مليار يورو (أي نحو 1.74 مليار دولار) مبرراً خطوته بغياب الإصلاحات الجوهرية وتصاعد التدخل السياسي، وفق "مشروع الجريمة المنظمة والفساد".


وبعد ضغط الشارع والانتقادات الدولية، أعلن زيلينسكي بعد يومين عن مشروع قانون جديد يعيد الاستقلالية للهيئتين، وأُقر في 31 يوليو/تموز بأغلبية واسعة، في خطوة اعتُبرت محاولة لاحتواء الأزمة أكثر منها مراجعة سياسية جادة.


جذور الفساد في أوكرانيا


وتعود جذور الفساد في أوكرانيا إلى مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، حيث تغلغل في مؤسسات الدولة والأحزاب والشرطة والاقتصاد.


وتشير منظمة "كي كي سي" الأميركية الحقوقية إلى أن الرشوة والفساد السياسي والقضائي والبيروقراطي من أبرز مظاهره.


وأفادت صحيفة الغارديان البريطانية بأن مسؤولين ورجال أعمال نظموا منذ تسعينيات القرن الماضي مخططات واسعة لنهب ميزانية الدولة. وكشف مسؤولون من مكتب المدعي العام أن ما يقارب خُمس الناتج المحلي الإجمالي كان يُنهب سنوياً بين عامي 2010 و2014. 


ورغم أن اقتصاد أوكرانيا كان بحجم اقتصاد بولندا عند الاستقلال، إلا أنه تراجع لاحقاً، بينما تحوّل عدد محدود من رجال الأعمال إلى مليارديرات كبار.


ووفقاً لمؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2024، جاءت أوكرانيا في المرتبة 35 من أصل 100 دولة.


الفساد زمن الحرب


وبعد ما سمي ب "ثورة الكرامة" عام 2014 أُنشئ المكتب الوطني لمكافحة الفساد. زيلينسكي جعل من "الانتصار على الفساد" شعاراً لحملته الانتخابية عام 2019، وتمكّن من تمرير إصلاحات مثل قانون رفع الحصانة عن النواب، لكنه واجه انتكاسات أبرزها نزاعه مع المحكمة الدستورية في صلاحيات المكتب.


 ومع تدفق مليارات الدولارات من المساعدات الغربية منذ 2022، برزت سلسلة فضائح كبرى:


•    توريد الغذاء للجيش (2022): اتهام مسؤولين باختلاس أكثر من 17 مليون دولار بتضخيم أسعار مواد أساسية مثل البطاطس والملفوف.


•    رشوة رئيس المحكمة العليا (2023): توقيف فسيفولود كنيازيف لتلقيه رشوة بما يقارب 2.7 مليون دولار.


•    رشى مكاتب التجنيد (2023): فتح 112 قضية ضد مسؤولين تورطوا في قبول رشى لتهريب مواطنين من الخدمة العسكرية، وتشمل المخالفات سرقة أموال وحتى عملات رقمية.


•    قضية نائب وزير البنية التحتية (2023): فاسيل لوزينسكي قبض رشوة بنحو 400 ألف دولار لتسهيل عقود شراء مولدات بأسعار مبالغ فيها.


•    قضية قطاع الطاقة (2024): اعتقال نائب وزير الطاقة بعد ضبطه متلبساً برشوة قدرها 500 ألف دولار لتسهيل نقل معدات من مناطق محاصرة.


•    قضية المليارديرات (2025): خسارة إيغور كولومويسكي وجينادي بوغوليوبوف دعوى في محكمة لندن عن عملية احتيال كلّفت "بريفات بنك" نحو 1.9 مليار دولار، وفق وكالة بلومبيرغ.


•    فضيحة الطائرات المسيرة (أغسطس/آب 2025): كشف مخطط فساد في عقود شراء مسيّرات وأنظمة حرب إلكترونية بأسعار مبالغ فيها بنحو 30%، كلفت خزينة الدولة ملايين الدولارات.


شبهات تطال الرئيس وزوجته


وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، كشفت "وثائق باندورا" عن امتلاك زيلينسكي ومقربين منه شبكة شركات خارجية في جزر فيرجن البريطانية وقبرص وبيليز، استخدمت لشراء عقارات فاخرة في لندن، وفقا لمشروع الجريمة المنظمة والفساد.


كما أثارت صفقة شراء زوجته أولينا زيلينسكا شقة في يالطا عام 2013 بسعر يقل عن نصف قيمتها السوقية تساؤلات عدة، إذ جرت من رجل أعمال كان مصرفه متهماً بالفساد، كما أوردت وكالة رويترز.


كما أثيرت تقارير عن شراء زوجة زيلينسكي سيارة "بوغاتي" فاخرة بقيمة 4.8 ملايين دولار، غير أن هذه الادعاءات نفاها لاحقاً عدد من وسائل الإعلام الموثوقة، منها شبكة "سي بي إس" الأميركية.


ويبقى الفساد واحداً من أعقد التحديات التي تواجه أوكرانيا، حتى وهي تخوض حرباً مفتوحة على روسيا. فالاختلاسات والرشى والتلاعب بالمساعدات الدولية قوّضت الثقة في السلطات وأضعفت الجبهة الداخلية. 


الفساد المنظم" في أوكرانيا يهدد بتجميد المساعدات الأوروبية


يجد الرئيس الأوكراني، نفسه في مواجهة مباشرة مع حلفاءه في اوربا بعدما لوّحت بروكسل بتجميد مساعدات مالية تبلغ 50 مليار يورو، بسبب ما وصفته بـ"تقويض استقلالية مؤسسات مكافحة الفساد" في كييف.


وجاء التحذير الأوروبي عقب تصويت حزب "خادم الشعب" الحاكم لصالح إخضاع هيئات مكافحة الفساد للمدعي العام، وهو ما اعتبرته انتهاكًا صريحًا لشروط الدعم.


المفوضية حجبت بالفعل 1.5 مليار يورو، من أصل 4.5 مليار كان من المفترض صرفها في الشريحة التالية، وسط شكوك متزايدة بشأن نوايا زيلينسكي في تمرير قانون يُعيد استقلال المكتب الوطني . 


تصاعد التوتر بعد اقتحام جهاز الأمن الأوكراني نحو 70 مكتبًا تابعًا للهيئة واعتقال محققين، بحجة التصدي، في خطوة اعتُبرت ردًا على التحقيق مع نائب رئيس الوزراء السابق وأحد المقربين من زيلينسكي في قضايا فساد.


وبالرغم من محاولة زيلينسكي لاحتواء الأزمة بتقديم مشروع قانون يُعيد استقلال المكتب الوطني لمكافحة الفساد، إلا أن مسار هذا المشروع داخل البرلمان يظل غامضًا، ويبرز السؤال الحاسم: هل يختار زيلينسكي حماية حلفائه ومراكزه الداخلية على حساب 50 مليار يورو من الدعم الأوروبي؟


يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، الدكتور نزار بوش، أن الفساد في اوكرانيا ليس وليد حقبة الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي، بل يعود إلى ما قبل ذلك بكثير، مشبّهًا انتشاره بـ"النيران في الغابات".


وقال أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إن مظاهر الفساد كانت متجذرة في أوساط السلطة السابقة، حيث جرى نهب الأموال العامة، بما في ذلك أموال البنوك والشعب، إلى جانب عمليات خصخصة مشبوهة للمؤسسات ونهبها بطرق ممنهجة.


وأوضح أن الأمور ازدادت سوءًا بعد تولّي زيلينسكي السلطة، مشيرًا إلى أن معدلات الفساد تضاعفت بعد اندلاع العملية العسكرية الروسية، نتيجة تدفّق المساعدات الغربية بأحجام غير مسبوقة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، والتي تُمنح تحت غطاء الدعم العسكري والمالي.


فساد منظم


يشير بوش إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال يُوزّع بين الجنرالات والوزراء، بل وحتى بين أفراد مقرّبين من زيلينسكي نفسه، موضحًا أن هناك تقارير موثّقة عن مسؤولين بارزين نهبوا مليارات الدولارات ثم فرّوا إلى الخارج، نحو دول أوروبية، خشية الملاحقة.


وأضاف أن مسؤولين أمريكيين، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي، تحدّثوا مرارًا وبشكل علني عن "الفساد المنظَّم" داخل أروقة الحكم في كييف، وتحديدًا في ملف المساعدات العسكرية التي تم توجيه معظمها إلى غير مستحقيها، بحسب وصفه.


وحول حزمة الدعم الأوروبية البالغة 50 مليار يورو، رأى بوش أن الاتحاد الأوروبي بات مترددًا بشأن تقديم هذا المبلغ الكبير لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن الأوروبيين أصبحوا أكثر إدراكًا لحجم الفساد داخل السلطة، في ظل تفاقم حالة الفوضى التي تضرب مؤسسات الدولة والجيش.


وأكد أن المسؤولين في أوكرانيا يدركون أن الحرب تقترب من نهايتها، وأن ميزان المعركة يميل لصالح روسيا ، ولذلك "يسارع الكثير منهم إلى سرقة ما يمكن سرقته من أموال الدعم الغربي قبل فوات الأوان".


وأشار بوش إلى أن الفساد بلغ ذروته داخل المؤسسة العسكرية الأوكرانية، لدرجة أن الجنود بدؤوا بالهروب من الجبهات أو الاستسلام، بسبب عدم حصولهم على الرواتب، في وقت تذهب فيه مليارات الدولارات إلى جيوب القيادات العليا. 


من ناحية اخرى تشير تقارير موثوقة الى ان اوكرانيا تحولت إلى سوقٍ لبدائل الأمهات ووجهةٍ لسياحة الحرب؟ هناك دول تشتهر بآثارها وآخرى بشواطئها أو حتى بمراكز تسوّقها. أما أوكرانيا، فقد اجتمعت فيها تجارتان نقيضتان: تجارة "بداية الحياة" عبر تأجير الأرحام، وتجارة "نهاية الحياة" عبر ما يُسمّى سياحة الحرب.  وفي قصتين متوازيتين: كيف أصبحت أوكرانيا وجهةً رائدة لأجنّة مخصّصة لأسر أجنبيّة وما يرافق ذلك من أسئلة قانونية واجتماعية؟ وكيف نما طلبٌ جديد لجولات ميدانية إلى مناطق الحرب، حيث يتحول الدمار إلى مشهد يُستهلك رقمياً؟


يعتقد فاليري بيكار -وهو رائد أعمال وأستاذ في جامعة أكاديمية موهيلا- أن "هناك انفصالا بين زيلينسكي والمجتمع الأوكراني، ففي نظر زيلينسكي غياب الانتقادات والمظاهرات يعني عدم وجود انتقادات".


ووفقا لهذا المختص في تحولات أوكرانيا المعاصرة، "فقد زيلينسكي جزءا من شرعيته في هذه القضية، لان الشرعية تتعلق بالانتخابات والأخلاق في السياسة، أما لحكم بلد في زمن حرب فتحتاج إلى شرعية كاملة لتثبيت نفسك قائدا أخلاقيا".


في السياق تسببت الحرب في اوكرانيا في انعاش السوق السوداء فقد انحرفت شحنات أسلحة عدة موجهة إلى كييف لتجد طريقها إلى السوق السوداء للسلاح في أوروبا وأفريقيا وآسيا. وأسهمت أزمة أوكرانيا في انتعاش سوق السلاح غير الرسمية أو ما يعرف بالسوق السوداء في ظل ولوج نسبة كبيرة من الأسلحة التي كانت من المفترض أن تصل لدعم القوات الأوكرانية إلى هذا السوق، وهي نسب تتراوح وفق التقديرات المنشورة ما بين (50 و70 %) من الأسلحة المرسلة، وهي أسلحة قد تصل في نهاية الأمر إلى دول أخرى أو جماعات جريمة منظمة أو جماعات المتطرفة، بخاصة في ظل خبرة شبكات تهريب السلاح في أوكرانيا وغياب وسائل إنفاذ اتفاقات عدم نقل المعدات، وعدم قدرة الحكومات الغربية على التثبت من وصول الأسلحة إلى وجهتها النهائية داخل الأراضي الأوكرانية. 


في هذا الصدد صرح الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون بأن أوكرانيا باعت حصة كبيرة من الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة و"الناتو" في السوق السوداء، رغم التزام واشنطن بمراقبة المساعدات العسكرية.


وقال كارلسون في مقابلة مع الصحفي الأمريكي كريس كوومو: "لقد باعت أوكرانيا كميات هائلة من أنظمة الأسلحة التي زودتها بها أمريكا وحلف الناتو في جميع أنحاء العالم. والآن يتم شراؤها من قبل الحكومات والجماعات المسلحة".


وأضاف أن الأسلحة التي أرسلها الغرب تنتهي في أيدي تجار المخدرات المكسيكيين وحركة "طالبان" وحركة "حماس" الفلسطينية وغيرها، مما يخلق "تأثيرا مزعزعا للاستقرار بشكل لا يصدق".


واعترف كارلسون بأنه يعرف شخصيا مشتري هذه الأسلحة، لكنه لا يستطيع الكشف عن أسمائهم. ووصف أوكرانيا بأنها "أكثر الدول فسادا في أوروبا"، حيث أن مستوى الفساد فيها مرتفع لدرجة أن حلف الناتو لا يرغب في ضمها إلى أعضائه.


وأضاف: "لقد ضخخنا مليارات الدولارات في أنظمة أسلحة عالية التقنية في هذه الدولة، ولا نقوم بمراقبتها. لدينا أيضا مختبرات بيولوجية هناك.. نحن ملتزمون أخلاقيا بمراقبة ذلك".


في وقت سابق، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أوكرانيا تبيع الأسلحة في الشرق الأوسط، حيث يتم توزيعها إلى أي مكان. وقد ظهرت تقارير إعلامية متكررة تفيد بأن جزءا من الأسلحة الموردة لأوكرانيا ينتهي في السوق السوداء، وهو ما أكده أيضا مسؤولون أوروبيون.


كذلك حذرت رئيسة اليوروبول كاثرين دي بول في مايو 2022 صراحة من أن الأسلحة التي تزودها دول الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا ستنتهي في أيدي الجماعات الإجرامية.
وفي يوليو 2022، أعلنت شرطة الاتحاد الأوروبي أنها تمتلك معلومات محددة عن "تسرب" الذخائر والأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، من منطقة العمليات القتالية في أوكرانيا. وافترضت السلطات أنه تم تجهيز مخابئ سرية للأسلحة على طول حدود دول الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا لتنظيم التهريب.


وفي نهاية أكتوبر 2022، صرح مفوض الشرطة الجنائية المركزية في فنلندا كريستر أهلغين في مقابلة مع صحيفة Yle أن الأسلحة الموردة لأوكرانيا قد تكون في أيدي العصابات الإجرامية الفنلندية.


وفي أبريل 2023، أفاد الصحفي الأمريكي الحائز جائزة بوليتزر سيمور هيرش أنه حتى في المراحل المبكرة من الصراع، كانت الأسلحة التي زودها الغرب تغرق بولندا، وهو ما اعترف به نائب وزير الداخلية البولندي السابق ماتشي فونسيك. 


وسبق أن أشارت روسيا إلى أن إمدادات الأسلحة لأوكرانيا تعيق التسوية السلمية للنزاع، وتورط دول حلف "الناتو" بشكل مباشر في الصراع.


وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في وقن سابق أن أي شحنات تحتوي على أسلحة لأوكرانيا هي هدف مشروع لروسيا، وقال إن الولايات المتحدة وحلف "الناتو" يشاركان مباشرة في الصراع، ليس فقط من خلال إمدادات الأسلحة، ولكن أيضا من خلال تدريب الأفراد في أراضي بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى. 

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology