"زاوية حادة " "من يُموّل الجرافة التي تدفن غزة كل صباح"

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - بقلم: د. هشام عوكل - لا تحتاج الجرافة إلى محرك بل إلى تمويل. وها هو التمويل قد جاء. نصف مليار دولار دفعة واحدة لمؤسسة تُدعى زوراً "مؤسسة غزة الإنسانية" والتي لا تختلف كثيراً عن آلة فرم الأرواح. في غزة الجوع ليس مصادفة بل مشروع ممنهج له مقر تمويلي في واشنطن ومكتب ميداني في تل أبيب وآلة تنفيذية في كل مركز توزيع مساعدات. المقررة الأممية ماري لولور قالتها بالفم الملآن.

"المساعدات تُستخدم سلاح حرب". لا، بل هي قنبلة موقوتة تُلقى في يد الجائع الفلسطيني. فإن لم يُقتل بانتظارها قُتل وهو يمد يده لها. هذه المؤسسة التي تأسست ببركة أميركية وإشراف إسرائيلي تقول إنها تنقذ الناس لكنها تُجبرهم على الاصطفاف في ما يشبه "حظائر الماشية" ثم تسلمهم للرصاص.

ماذا يحدث بالضبط. يحدث أن الجرافة لم تعد مجرد آلة حفر بل هي سياسة.

"مؤسسة غزة الإنسانية" أو كما يسميها سكان القطاع "لجنة الإرهاسة" تُوزع المعونة مرفقة بتذكرة موت. منذ إطلاقها في فبراير ومراكزها الأربعة تُسجّل سقوط عشرات القتلى يومياً عند بواباتها. لا لشيء إلا لأنهم تجرأوا أن يتضوروا جوعاً. الرواية الرسمية تقول. "قتلوا أثناء تدافع".

أما الحقيقة. رصاص إسرائيلي مباشر أمام الكاميرات وذريعة أمنية تُكتب لاحقاً من وزارة الدفاع في تل أبيب أو عبر تغريدة أميركية تقول. "نحن نراقب الوضع بقلق". والسؤال الأعمق. من يموّل هذه المسرحية الدموية.

الجواب صريح. وزارة الخارجية الأميركية تستعد لضخ 500 مليون دولار لدعم "مؤسسة غزة الإنسانية" عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي أصبحت في عهد ترامب مجرد شركة مقاولات أمنية تُوزّع التمويل كما يُوزّع البارود. والأغرب أن الخطة حظيت بدعم نائب مدير الوكالة كين جاكسون المكلّف بتفكيكها ودمجها بوزارة الخارجية. هكذا تتحوّل وزارة التنمية إلى وزارة للتجويع والمساعدات إلى برنامج إعدام جماعي. الأمم المتحدة رفضت التنسيق مع المؤسسة لكن من يستمع للأمم المتحدة أصلاً.

أصبح صوتها مثل بيان نعي قديم لا يقرؤه أحد. فقط الأطفال في غزة هم من يتعلمون اليوم أن طابور المعونة أشد فتكاً من طابور الحرب. أما الذروة المأساوية – الكوميدية السوداء. المؤسسة نفسها أعلنت تعليق عملياتها "حفاظاً على سلامة السكان".

لا عجب. الجلاد يغلق بوابة السجن كي لا تتسرب رائحة الدم للخارج. بعد أن قتلتهم على بوابات المساعدات تقول المؤسسة المشبوهة إنها قلقة على حياتهم. في غزة لا شيء يُمنح إلا بثمن. رغيف الخبز يُشترى بالكرامة وقنينة الماء تُدفع بساعات الانتظار والدماء. من أراد أن يأكل فعليه أن يتخلى عن إنسانيته أو حياته. مؤسسة "الإرهاسة" ليست تجربة إنسانية فاشلة. إنها نموذج دقيق لمستقبل المنطقة. كل شيء قابل للبيع حتى الجوع. 


بشرط أن يكون برعاية إسرائيلية وتمويل أميركي. والسؤال الذي نتركه في نهاية هذه زاوية حادة. هل يُمكن أن تكون المساعدات الإنسانية مشروعاً سياسياً للإبادة الناعمة. أم أننا أمام نسخة عصرية من السجون المفتوحة حيث يكون "الطعام" هو الحارس و"القتل" هو مكافأة الصب

د. هشام عوكل – أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology