سوريا.. إلى أين؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - من واكب التطورات السياسية في سوريا ما بعد نظام الأسد لا يخفى عليه تخبط المجموعة الحاكمة الجديدة أمام التحديات الهائلة التي خلّفها النظام المخلوع. بات وراءنا الآن أكثر من ثلاثة أشهر لم تسجل خلالها الإدارة الجديدة أي تقدم في أهم الملفات كالأمن والعدالة الانتقالية والسلم الأهلي وتفكيك الفصائل المسلحة وتوحيد الجغرافيا السورية والمجتمع السوري.


لقد انبهرت هذه السلطة بسرعة توليها السلطة في اثني عشر يوماً، وبالقبول العربي والإقليمي والدولي الواسع والسريع بها، كما بقبول غالبية اجتماعية قام قبولها على الالتفاف حول الإنجاز الكبير المتمثل في إسقاط النظام. وفي حين تدين السلطة لسرعة إسقاط النظام بظرف إقليمي استثنائي هو ارتدادات عملية «طوفان الأقصى» وتداعياتها الكارثية، قام القبول العربي ـ الإقليمي ـ الدولي على رغبة الدول المعنية باستعادة الاستقرار الذي طال غيابه 14 عاماً وتسبب بتداعيات خطيرة وصلت آثارها إليها، كمشكلات الإرهاب وتدفق اللاجئين والمخدرات والأعباء الاقتصادية المرتبطة بها.

أما القبول السوري العام فكان أساسه الفرح العارم بسقوط النظام وما عناه ذلك من انفتاح الأفق أمام تأسيس جديد يقطع مع الماضي الكارثي، إضافة إلى الأداء المقبول لهيئة تحرير الشام وحلفائها أثناء عملية «ردع العدوان» وبخاصة في مناطق حساسة كحلب ودمشق وجبال الساحل، حيث لم تشهد المعركة عمليات انتقامية واسعة النطاق أو أعمال عنف على أساس طائفي أو تضييقاً واسع النطاق على الحريات العامة والخاصة.


غير أن كل ذلك راح ينقلب إلى تراجع في شعبية الفريق الحاكم بمرور الأيام، بدءاً بمسرحية «مؤتمر الحوار الوطني» الهزلية وصولاً إلى المجازر الطائفية في الساحل مع الأسبوع الأول من شهر آذار الجاري، وأخيراً إصدار الإعلان الدستوري الذي لاقى انتقادات واسعة، فطغى على المشهد السياسي غياب الثقة بين قطاعات واسعة من المجتمع لا تقتصر على العلويين أو الأقليات، مقابل ارتفاع منسوب العدوانية اللفظية لدى مؤيدي السلطة الجديدة في مواجهة أي نقد لمسالكها حتى فيما اعترفت بها هي نفسها وشكلت «لجنة تقصي حقائق» بشأنها. مجمل القول هو أن الرصيد الكبير (المشروط) الذي حصلت عليه السلطة الجديدة في الداخل والخارج آخذ في التآكل كل يوم مع تراجع الآمال التي عقدت على التحول الكبير الذي تمت المراهنة عليه.


لن أدخل في تفاصيل نقد الإعلان الدستوري الذي قام به كثر وشمل مختلف مفرداته، ولكن من الطريف الإشارة إلى بند يتعلق برئاسة الجمهورية حيث ورد فيه شرط يتعلق بدين رئيس الجمهورية من غير أي إشارة إلى جنسيته، ربما لأن اللجنة الدستورية التي عينها الشرع لم تخطر ببالها هذه الثغرة الخطيرة حتى لو تعلقت باحتمال قريب من الصفر. فوفقاً لهذا الشرط يمكن لأي مسلم أن يشغل منصب رئاسة الجمهورية حتى لو كان غير سوري الجنسية، مع العلم أن هيئة تحرير الشام وفصائل جهادية أخرى فيها أعضاء أجانب من جنسيات مختلفة، وبينهم من تم تجنيسهم على عجل وبصورة غير معلنة!


لا يمكن للضبابية بشأن ديمقراطية الدولة وعلمانيتها، وهما شرطان لازمان لقيام دولة في سوريا تمثل جميع مواطنيها، أن تؤسس لهذه الدولة المأمولة.


لعل غموض أجندة الفريق الحاكم، وبخاصة قائده أحمد الشرع، في مسائل أساسية كشكل الدولة ونظام الحكم وغيرها، هو ما شجع كثيرين على المراهنة على تغيير لا بد أن يطال برنامجهما الأيديولوجي المعروف القائم على الفكر السلفي والنزعة الطائفية السنية. لكن هذا الغموض لم ينجلِ في الفترة المنصرمة إلا عن أسوأ الكوابيس التي استبعدها السوريون، فتفجر العنف الطائفي واتضحت الميول السلطوية والإقصائية من غير أن يظهر ضوء في نهاية النفق حتى لو كان طويلاً بحكم حجم المشكلات الهائل وضعف وسائل معالجتها.


وعلى رغم هذه المؤشرات المقلقة، يبقى أن السلطة ما زالت ضعيفة وهشة (وهذا بدوره مقلق) وخاضعة لاشتراطات كثيرة أغلبها للأسف خارجي، ستكون مرغمة على التعاطي الإيجابي معها لاستكمال شرعيتها المنقوصة، ولحل مشكلة العقوبات المفروضة على سوريا التي لا تسمح بإطلاق عجلة الاقتصاد، ولا يمكن للسلطة أن تحافظ على ما تبقى لها من شعبية قبل ذلك.


تطفو على السطح، في الحراك الاجتماعي السوري، مشكلة «المكوّنات» التي فشلت السلطة في إدماجها لأنها لم تر في السوريين إلا مكوّنات طائفية وعرقية وثقافية وسعت إلى التحايل عليها بدلاً من معالجتها بروح وطنية. بدا الاتفاق الذي وقعته السلطة مع قسد وكأنه «تاريخي» في أعقاب مأساة أهل الساحل، لكن الإعلان الدستوري بالصورة التي صدر بها قد أضعف من تاريخيته المحتملة، فلا رضيت عنه قسد ولا تيار وازن من دروز السويداء بقيادة الشيخ حكمت الهجري.


لا يمكن للضبابية بشأن ديمقراطية الدولة وعلمانيتها، وهما شرطان لازمان لقيام دولة في سوريا تمثل جميع مواطنيها، أن تؤسس لهذه الدولة المأمولة، حتى لو تجنب أركان السلطة الكلمتين بذاتهما بحكم الإيديولوجيا التي تحكم تفكيرهم. ما لم تمض السلطة في هذا الاتجاه، ولو بخطوات بطيئة، نخشى سيناريوهات كارثية كتقسيم البلاد أو الحكم بالعنف المعمم مع شعبوية قاتلة. ويحتاج الفريق الحاكم إلى تحالف عريض مع فئات اجتماعية واسعة ليتمكن من تأسيس شرعيته. في حين أن الاستفراد بالسلطة والعجز عن تفكيك الجماعات المسلحة وتوحيد مناطق البلاد هو السائد إلى الآن. سوريا ليست بخير.ان التفرد بالسلطة في بلد غتي بالتنوع العرقي والديني يحيلنا الى المثال المصري عندما تولى محمد مرسي السلطة حيث تكرس الحكم للون الواحد وهو الاخوان المسلمون دون اشراك مكونات الشغب المصري مما ادى الى سقوطه .


من ناحية اخرى تتسارع الاحداث فيما يتعلق بالتواجد الامريكي والاسرائيلي والتركي وايضا التواجد المسلح لفصائل لمنظمات ترفض حتى الان الاندماج في الدولة الجديدة فيما تعاني حكومة الامر الواقع مشاكل كبرى تتعلق بكل شئ .


فمثلا أمريكا تبلغ إسرائيل بأنها ستبدأ بسحب قواتها تدريجيا من سورية خلال الشهرين القادمين، مخالفة بذلك رغبة تل أبيب.


فإسرائيل أرادت وطلبت من الولايات المتحدة الأمريكية إبقاء قواتها في سورية وتحذر من "عواقب محتملة" لهذه الخطوة، ولذلك تطالب بإعادة النظر بالقرار الذي على ما يبدو دخل حيز التنفيذ.


وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية: "أبلغ مسؤولو الدفاع الأمريكيون نظراءهم الإسرائيليين أن الولايات المتحدة تُخطط لبدء انسحاب تدريجي لقواتها من سوريا في غضون شهرين".


وأضافت: "على الرغم من الجهود الإسرائيلية السابقة لمنع مثل هذه الخطوة، أوضحت واشنطن أن تلك الجهود باءت بالفشل".


واستدركت: "ومع ذلك، فإن مسؤولي الدفاع الإسرائيليين لم يستسلموا ويواصلون الضغط على إدارة ترامب لإعادة النظر".


وأشارت الصحيفة إلى أن "الانسحاب المُخطط له لا يمثل مفاجأة، فقد وعد دونالد ترامب، الذي عاد إلى منصبه الآن، منذ فترة طويلة بسحب القوات الأمريكية من المنطقة في ظل عقيدة إدارته الانعزالية، والتي تأثرت جزئيًا بنائبه جيه دي فانس".


وقالت: لقد صرّح به ترامب مرارًا وتكرارًا بأن "هذه ليست حربنا، ويستعد البنتاغون لهذه الخطوة منذ فترة".


وبحسب الصحيفة، "تنتقل واشنطن الآن إلى المرحلة العملياتية، حيث تُطلع مسؤولي الدفاع الإسرائيليين على آخر المستجدات بانتظام. وفي المناقشات بين الطرفين، أعرب ممثلون إسرائيليون عن مخاوف جدية بشأن العواقب المحتملة".


وأشارت إلى أن "مسؤول إسرائيلي كبير قدر أن الانسحاب قد يكون جزئيًا فقط، وتحاول إسرائيل منع ذلك أيضًا، خوفًا من أن يُشجع تركيا، التي تسعى علنًا إلى توسيع نفوذها في المنطقة منذ سقوط نظام الأسد".


وقالت: "تتمركز القوات الأمريكية حاليًا في عدة نقاط رئيسية في شرق وشمال سورية، حيث تلعب دورًا في تحقيق الاستقرار. وتخشى مصادر دفاعية إسرائيلية أن يُحفّز انسحابها الجهود التركية للاستيلاء على المزيد من الأصول العسكرية الاستراتيجية في سوريا".


ولفتت إلى أنه "حذّرت إسرائيل كلاً من أنقرة وواشنطن من أن الوجود التركي الدائم في قواعد مثل تدمر وقاعدة تي-4 سيتجاوز خطًا أحمر ويهدد حرية عمليات الجيش الإسرائيلي في الساحة الشمالية" أي سوريا.


وتجري مفاوضات مباشرة بين إسرائيل وتركيا حول الوضع في سوريا.


وسبق أن أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأربعاء الماضي، أن أنقرة تجري محادثات على المستوى الفني مع إسرائيل لخفض التوترات بشأن سوريا، لكنها لا تتحرك نحو تطبيع العلاقات.


وقالت الصحيفة: "في اجتماع عُقد الأسبوع الماضي في أذربيجان، ناقش مسؤولون إسرائيليون وأتراك هذه القضية. وأفادت التقارير أن إسرائيل أكدت أنها تُحمّل الحكومة السورية الجديدة مسؤولية جميع الأنشطة العسكرية في أراضيها، مُحذّرةً من أن أي انتهاكات قد تُؤدي إلى عمل عسكري".


ولكنها أضافت: "أعرب الجانبان عن اهتمامهما بخفض التصعيد، وبدأت محادثات حول إنشاء آلية تنسيق تُشبه نموذج منع الاشتباك الإسرائيلي الروسي المُستخدم سابقًا في سوريا".


مؤشرات «فك ارتباط»


إلا أن الصحيفة استدركت: "مع ذلك، فإن الانسحاب الأمريكي الوشيك، إلى جانب لهجة ترامب الودية تجاه (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان خلال اجتماعه الأخير مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، قد زاد من حدة التوترات في المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية".


وقالت: "ولم يُطمئن عرض ترامب للتوسط بين إسرائيل وتركيا المسؤولين في إسرائيل، لا سيما في ظل تزايد مؤشرات فك الارتباط الأمريكي".


ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن الغارات الجوية الأخيرة على قاعدة تي فور في سوريا هي جزء من "سباق مع الزمن" قبل أن "يحزم الأمريكيون أمتعتهم ويغادروا".


وركز الاجتماع بين المسؤولين الإسرائيليين والأتراك في أذربيجان الأسبوع الماضي على قضايا تقنية، مثل إنشاء آلية لمنع الصراع في سوريا، وفق المصدر نفسه.


وصرح مصدر دبلوماسي بأن إسرائيل "أوضحت بوضوح تام أن أي تغيير في انتشار القوات الأجنبية في سوريا - وخاصة إنشاء قواعد تركية في منطقة تدمر - هو خط أحمر وسيُعتبر خرقًا للثقة".


وأضاف المصدر الإسرائيلي: "سبق أن صرحت إسرائيل بأن منع هذا التهديد مسؤولية دمشق".


وكانت قاعدة تي فور، الواقعة بالقرب من تدمر في وسط سوريا، محورًا رئيسيًا للهجمات الإسرائيلية مؤخرًا.


الولايات المتحدة بدأت تقليص عدد قواتها في شمال شرق سوريا، في خطوة تعكس تغيّر الواقع الأمني في البلاد منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.


الجيش الأمريكي قرر إغلاق ثلاث من قواعده الصغيرة الثمانية في المنطقة، ما سيخفض عدد القوات من 2000 إلى نحو 1400 جندي، بحسب "نيويورك تايمز".


وتشمل القواعد العسكرية المغلقة "قرية جرين" و"الفرات" وقاعدة ثالثة أصغر.


كما ان القيادة العسكرية ستُقيّم خلال 60 يوماً إمكانية إجراء تخفيضات إضافية، وسط توصيات بالإبقاء على 500 جندي على الأقل في سوريا. 


الرئيس دونالد ترامب، يبدي شكوكاً حيال الإبقاء على أي قوات هناك، لكن الخطوة الحالية جاءت بتوصية من القادة الميدانيين ووافقت عليها البنتاغون والقيادة المركزية.


في المحصلة لا يمكن قراءة المشهد السوري دون التذكر ان من يتسلمون الحكم الان هم انفسهم الذين صنفوا قبل وصولهم الى السلطة بانهم ارهابيون فهل يتغير المشهد بعد ان غيروا مشهدهم من الجلابيب الى ربطات العنق ؟

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology