المنظمات التي كانت تصنف بالارهابية اصبحت الان تحكم سوريا مدعومة من نفس من صنفوها بالارهابية .
افراسيانت - آلاف السوريين شيّعوا شهداء مدينة نوى، في ريف درعا، جنوبي البلاد، والذين ارتقوا خلال الاشتباكات مع الاحتلال الإسرائيلي وقصفه لهم، وهتفوا: "بالروح، بالدم، نفديك يا أقصى".
وخلال التشييع، حمل المشيعون صور الشهداء والأعلام الوطنية، ورددوا الهتافات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي وممارساته الوحشية بحق المواطنين الآمنين، مؤكدين
مواصلة مسيرة الكفاح حتى تحرير كل شبر من الأراضي السورية . فهل يمكن ان تكون هذه الاشتباكات مقدمة لتشكيل جبهة واسعة للمقاومة في سوريا ؟
وشهدت المنطقة استنفارا شعبيا كبيرا ودعوات إلى مواجهة الاحتلال غربي درعا في ظل تقدم قوات الاحتلال لأول مرة إلى هذا العمق من الأراضي السورية، ما أسفر عن اشتباكات بين مقاومين محليين وقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسط تقارير إعلامية عن إسقاط طائرة "درون" تابعة للاحتلال.
المنظمات التي كانت تصنف بالارهابية اصبحت الان تحكم سوريا مدعومة من نفس من صنفوها بالارهابية .
هي نقس المنظمات التي كانت اسرائيل ترعاها بالسلاح والدعم . يعالج جرحاها في المستشفيات الاسرائيلية وتزود ببعض الاسلحة ومنها المسيرات والمال كذلك , فما الذي تغير؟
إسرائيل لا تزال غير مقتنعة بأن النظام السوري الجديد سيكون مطيعا إلا إذا جردته من كل العوامل التي تساعده على التمرد وممارسة الدور الذي كان النظام السابق يمارسه.
عبر سنوات الحرب الأهلية السورية لم يتوقف الطيران الإسرائيلي عن الإغارة على مواقع عسكرية داخل الأراضي السورية. مرة بزعم ان إيران تتخذ من تلك المواقع مخازن لأسلحتها التي تستعمل في سوريا أو هي في طريقها إلى لبنان، وأخرى لأن تلك المواقع تمثل تجمعات لحزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية، ومرة ثالثة لشعور إسرائيل بأن سوريا ليس من حقها أن تسعى إلى تطوير واقعها العلمي، وهو ما يشير إليه الإصرار على ضرب مركز البحوث العلمية شمال دمشق مرات ومرات كما لو أنه مفاعل نووي قد شارف على صنع القنبلة الذرية.
كل شيء تغير على الأرض في سوريا وانقلبت المعادلات القديمة وكُسرت المقاييس التقليدية، ولم يعد الأسد يحكم سوريا ولا إيران موجودة على التراب السوري ولا حزب الله هناك، غير أن إسرائيل لم تتوقف هجمات طائراتها على الأراضي السورية، مطارات ومعسكرات ومراكز بحوث ومخازن أسلحة. الأدهى من ذلك أن القوات الإسرائيلية وسّعت من تمددها داخل الأراضي السورية، ربما تعبيرا عن رغبتها في مشاركة الشعب السوري تحول أبي محمد الجولاني إلى أحمد الشرع وانتقاله من قفص الإرهاب الدولي إلى قصر الرئاسة السوري باعتباره الخلف المنتصر على السلف المهزوم. الفرق بين الاثنين أن المنتصر لم يعد يكترث بما تفعله اسرائيل لا لشعوره بالحرج بل لأنه يعرف جيدا أن إسرائيل التي لو لم توافق عليه لما كان رئيسا على السوريين تفعل ما تراه مناسبا لها وأنه لا يملك الإرادة في منعها، أما القوة فإنه يدّخرها لسد الفراغات الأمنية ومعالجة الأزمات عن طريق تفخيخها.
ولعل حكام سوريا الجدد لم يعد يهمهم سوى السلاح الذي يمكّنهم من فرض سلطتهم على الشعب السوري وهو سلاح لن تفكر إسرائيل في تدميره ذلك لأنه يخدمها في تحويل سوريا إلى بلد مطيع .
ليس صحيحا القول إن إسرائيل كانت قد تحولت إلى ثور مجنون بعدما حدث في السابع من أكتوبر 2023. ذلك صحيح على مستوى لجوئها إلى إبادة أهل غزة كونهم الحاضنة الشعبية ومصدر التمويل البشري لحركة حماس. غير أن محاولة تدمير حزب الله وإنهاء الوجود الإيراني في لبنان ومن ثم في سوريا تتم بطريقة عقلانية غلب عليها طابع صفقات متداخلة الأطراف لتداخل المصالح.
ليست الولايات المتحدة ولا إسرائيل وحدهما كانتا وراء ترحيل الأسد من دمشق ونقله إلى موسكو ومن ثم فتح دمشق أمام أيدي مقاتلي هيئة تحرير الشام متعددي اللغات.
وكما يبدو فإن إسرائيل لا تزال غير مقتنعة بأن النظام السوري الجديد سيكون مطيعا إلا إذا جردته من كل العوامل التي تساعده على التمرد وممارسة الدور الذي كان النظام السابق يمارسه. ستكون سوريا الأخرى مدرسة للخنوع والطاعة. بمعنى أن مدرسة المقاومة والممانعة القديمة لن يتم السماح باستعادتها حتى ولو على سبيل الكذب والاحتيال والابتزاز. تتلقى سوريا اليوم الضربات لا من أجل تنعيم مواقفها فتلك المواقف لا قيمة لها بل من أجل إنهاء أيّ مستقبل للتفكير بإرادة وطنية مستقلة وحرة. ام وهم حكم سوريا الان يستمد قوته من محاولة استرضاء إسرائيل وتمثيل دور الحمل الوديع الذي لن يفكر حتى في استعادة زمن الرد المناسب ومكانه.
ان المجازر التي حدثت وما زالت تحدث من اذرع الحكام الجدد انما تخدم اسرائيل وهي تؤشر على مرحلة هي غاية في الخطورة لذلك .
إسرائيل لم يعد في أجندتها المرحلية سوى أن تصنع من سوريا دولة منزوعة السلاح. أما حكام سوريا الجدد فلم يعد يهمهم سوى السلاح الذي يمكّنهم من فرض سلطتهم على الشعب السوري وهو سلاح لن تفكر إسرائيل في تدميره ذلك لأنه يخدمها في تحويل سوريا إلى بلد مطيع. فهل تنجح في ذلك ؟ ام ان سوريا بشعبها الذي تمرس في النضال ضد المستعمرين والمحتلين قادرة على استعادة زمام المبادرة ؟ وهل ستكون اشتباكات درعا مع جيش الاحتلال مقدمة لبدء مسيرة النضال من اجل عودة سوريا الى دورها القومي ؟ وهل يمكن للحكام الجدد ان يسمحوا بذلك ؟