افراسيانت - فؤاد بكر - استندت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية إلى أنّ النزاع المسلّح الذي حصل منذ السابع من أكتوبر، لم يكن بين السلطة الفلسطينية، بل كان بين "إسرائيل" وأجنحة عسكرية تابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية غير الحكومي.ذ

فصلت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية بالقرار المتعلّق بمذكّرة اعتقال نتنياهو وغالانت بين طبيعة النزاع، إذ اعتبرت أنّ القضية الفلسطينية بشكل عامّ تنطبق عليها اتفاقيات جنيف الرابعة، وصنّفتها نزاعاً دولياً، وأمّا ما حصل في عملية السابع من أكتوبر عام 2023، وما ترتّب عليها من مجازر وجرائم مرتكبة ضدّ الشعب الفلسطيني والتي امتدّت على مدار 15 عاماً، فاعتبرت أنّها نزاع مسلّح غير دولي، فما الفرق إذاً وما الذي يترتّب على ذلك بالبعد القانوني؟

يجب التمييز بشكل جيد بين ما يترتّب على حالة النزاع المسلّح الدولي والنزاع المسلّح غير الدولي، حيث يشير نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنّ اختصاص المحكمة يشمل جريمة الحرب المتمثّلة في تجويع السكان المدنيين كسلاح في إطار النزاعات المسلّحة الدولية، ولم تصادق فلسطين إلى الآن على تعديل المادة 8 من نظام روما الأساسي عام 2019، الذي وسّع من صلاحيات المحكمة لتشمل جريمة الحرب المتمثّلة بالتجويع كسلاح في إطار النزاعات المسلّحة غير الدولية.

وقد استندت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية إلى أنّ النزاع المسلّح الذي حصل منذ السابع من أكتوبر عام 2023، لم يكن بين السلطة الفلسطينية التي حلّت الكفاح المسلّح من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، بل كان بين "إسرائيل" وأجنحة عسكرية تابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية غير الحكومية، وهذا ما يلغي من وجهة نظرها طبيعة النزاع المسلّح الدولي.

وإذا أردنا أن نحلّل قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية، نجد أنها احتجّت بأنّ "إسرائيل" قامت بتجويع السكان كسلاح ضدّ المقاومة الفلسطينية للضغط عليها، لاسترجاع الرهائن الإسرائيليين، وإذا تمّ الاستناد إلى أنّ طبيعة النزاع هو نزاع دولي غير مسلّح، فإنه يرفع الحماية عن المقاتلين في المقاومة الفلسطينية.

شكّل قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة خرقاً لطبيعة النزاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ يجب الاستناد إلى اتفاقية جنيف الرابعة عام 1948، لحماية المدنيين أثناء الحرب، وبأنّ الاحتلال الإسرائيلي فرض قيوداً وتحكّم بحركة البضائع والأفراد وهو ما يدخل من ضمن صلاحيات السلطة الفلسطينية، وهو ما يثبت أنّ سلاح التجويع يدخل ضدّ جميع سكان قطاع غزة بمن فيهم المدنيّون، وهو ما يندرج في النزاع الدولي المسلّح.

وبالعودة إلى قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 19 تموز/يوليو 2024، حيث أكدت أنّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني ويجب إنهاؤه، ولا سيما اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية كعضو غير كامل العضوية في الأمم المتحدة، واستناداً إلى موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي بأنّ قوانين النزاعات المسلّحة الدولية تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكون "إسرائيل" قوة احتلال في أراضي الغير، فلا يمكن أن تسري إلا قوانين النزاعات المسلّحة الدولية.

وبما أنّ الاحتلال الإسرائيلي استهدف كلّ سكان قطاع غزة من دون استثناء ومن دون التفريق بين المدني والعسكري، وبموجب قرارات المنظّمات الدولية التي أكدت أنّ النزاع في فلسطين هو نزاع مسلّح دولي، يجب مراجعة المحكمة الجنائية الدولية من خلال تحرّك قانوني، بشرط أن لا يمسّ بجوهر مذكّرة اعتقال نتنياهو، وضرورة التركيز على استهداف سكان قطاع غزة بسبب انتمائهم الوطني، والتي هي جريمة تدخل في إطار الجرائم ضدّ الإنسانية، والتي هي جريمة الاضطهاد، ولا تحتاج إلى الخوض في تفاصيل طبيعة النزاع ما إذا كان نزاعاً مسلّحاً دولياً أم نزاعاً مسلّحاً غير دولي.

على الرغم من إيجابية القرار بطابعه العام، وعلى أهميته من حيث إصدار مذكّرة الاعتقال ضدّ نتنياهو وغالانت، إلّا أنّ مسألة تحديد طبيعة النزاع، هو أمر فائق الأهمية، من حيث مجريات الأحداث، وكي لا يعتبر قرار المحكمة سابقة، واعتبار أنّ ما يجري بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بأنه نزاع مسلّح غير دولي، كون أنّ المقاومة الفلسطينية هي في إطار حركة تحرّر وطنية، وتطالب بحقّ الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وحريته وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتدخل في صلب القضية الفلسطينية التي تدخل في إطار النزاع المسلّح الدولي بموجب القرارات الدولية، وعدم التفريق بين ما تقوم به الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وإبطال أنّ النزاع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال هو نزاع مسلّح غير دولي كونه في إطار دولتين، وليس داخل دولة واحدة.