افراسيانت - د. زكريا شاهين - فيما تتعهد المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية، كامالا هاريس، ، بالعمل على وقف الحرب في الشرق الأوسط إذا فازت بمنصب الرئيس. تصل القاذفات أميركية من طراز بي-52 إلى منطقة الشرق الأوسط، وذلك غداة إعلان واشنطن عن نشرها بالمنطقة في تحذير لإيران.
تقول القيادة العسكرية للشرق الأوسط والدول المحيطة في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي "وصلت قاذفات إستراتيجية من طراز بي-52 ستراتوفورتريس من جناح القنابل الخامس بقاعدة مينوت الجوية، إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية".
قبل ذلك بيوم واحد تعلن الولايات المتحدة نشر قدرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط في خطوة قالت إنها تأتي "دفاعا عن إسرائيل" ولتحذير إيران، وفق بيان أصدره البنتاغون.
وأورد البيان أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن "يواصل القول بوضوح إنه إذا استغلت إيران أو شركاؤها أو المجموعات التابعة لها هذه اللحظة لاستهداف الأفراد أو المصالح الأميركية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن الأميركيين".
وتشمل هذه القدرات العسكرية الجديدة وسائل دفاع ضد الصواريخ الباليستية وطائرات مقاتلة وقاذفات قنابل بي-52 وأنواع أخرى من الطائرات العسكرية.
دبلوماسية أميركية: دعم إسرائيل وصمة عار ستطارد واشنطن لأجيال
تخرجت الدوبلماسية غريط من جامعة جورج واشنطن بتخصص في الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط، ثم حصلت على درجة الماجستير من جامعة جورج تاون، وانضمت إلى وزارة الخارجية عام 2006، وبدأت مسيرة مهنية شملت دولا عدة، كان من أبرزها اليمن، حيث شغلت منصب ضابطة سياسية.
تقول غريط إن دعم الإدارة الأميركية الأخير للحرب الإسرائيلية على غزة شكل نقطة تحول حاسمة في مسيرتها، حيث لم تعد قادرة على الدفاع عن سياسات تتجاهل حقوق الإنسان وحرية الصحافة وحماية المدنيين.
وأوضحت أن وزارة الخارجية الأميركية استخدمت مصطلحات وبيانات لتبرير أعمال لا تعتبرها شرعية، مشيرة إلى أن تعبيرات مثل "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" لم تعد كافية لتغطية ما وصفته بـ"جرائم الحرب" التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني.
وأضافت غريط أنها تعرضت لضغوط لاستخدام المصطلحات التي يروج لها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لتجنب الاصطدام بالقوانين الأميركية، ومنها قانون ليهي المتعلق بعدم دعم أي برنامج تدريبي يشمل قوات أمن أجنبية متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.
إبادة وتطهير عرقي
واعتبرت الدبلوماسية المستقيلة أن ما يحدث في غزة ليس إلا "إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا" يترافق مع صمت دولي مخجل، مؤكدة أن الحكومة الأميركية تتحمل مسؤولية كبيرة في استمرار هذا النزاع بسبب دعمها العسكري لإسرائيل.
وأعلنت غريط استقالتها في أبريل/نيسان الماضي عبر حسابها على موقع "لينكدإن"، موضحة أن قرارها لم يكن سهلا نظرا لارتباطها بعملها الدبلوماسي 18 عاما.
لكنها رأت أن استمرارها في العمل كناطقة باسم سياسة تبرر الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين أمر لا تستطيع تقبله على المستوى الأخلاقي والإنساني.
وأشارت إلى أن ازدواجية المعايير التي تتبعها الخارجية الأميركية زادت من إحساسها بالعار، خاصة في تعاملهم مع حروب أخرى مثل الحرب في أوكرانيا، حيث أبدت الخارجية تعاطفا كبيرا مع المدنيين الأوكرانيين، بينما صمتت عن مقتل الصحفيين والمدنيين في غزة.
وعلى مدار مسيرتها الدبلوماسية، كانت غريط تَعدّ أصولها العربية الأميركية مصدر قوة في عملها، وشعرت أن خلفيتها الثقافية ولغتها ساعدتاها على فهم واقع المنطقة والمساهمة في بناء جسور بين الولايات المتحدة والعالم العربي.
لكنها وجدت أن الأحداث الأخيرة، وخصوصا دعم واشنطن لإسرائيل، تعمِّق الفجوة وتضرب كل القيم الإنسانية بعرض الحائط.
انحياز بايدن للصهيونية
وتعتقد غريط أن إصرار بايدن على دعم إسرائيل بلا قيد أو شرط مرتبط بانحيازه الأيديولوجي، مشيرة إلى تصريحاته العلنية التي قال فيها إنه "صهيوني ملتزم".
وأوضحت أن الفساد المؤسسي لعب دورا كبيرا في توجيه السياسات الأميركية؛ فهناك تداخل قوي بين جماعات الضغط الموالية لإسرائيل وصناعة الأسلحة بواشنطن.
وأضافت في هذا السياق "السياسيون الذين يقررون إرسال الأسلحة هم أنفسهم مستفيدون ماليا من هذه الصفقات، مما يخلق تحفيزا لاستمرار تدفق السلاح بدلا من إيقافه".
وترى غريط أن العنصرية سمحت بتبرير الانتهاكات ضد الفلسطينيين، مشيرة إلى نزعة متأصلة في الولايات المتحدة لنزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين والعرب والمسلمين، لدرجة أن مقتلهم أصبح مقبولا.
وأشارت غريط إلى أنها لم تندم على قرار الاستقالة، بل شعرت بأنها اتخذت القرار الصحيح على المستويين الأخلاقي والإنساني، رغم أن عملها بالخارجية الأميركية كان يمثل لها أكثر من مجرد وظيفة، إلا أنها لم تستطع أن تكون جزءا من إدارة تبرر قتل الأبرياء.
وفي ختام حديثها مع برنامج "المنشقون"، وجهت غريط رسالة إلى المدنيين الفلسطينيين، خاصة النساء والأمهات في غزة، قائلةً "أنا معكم، وقلبي معكم. يجب أن تعلموا أن غالبية الشعب الأميركي معكم، وسنستمر في الوقوف إلى جانبكم حتى انتهاء هذه الإبادة الجماعية".
الفوضى الامريكية
بينما العالم يتوجس من أن تشعل حرب أوكرانيا الحرب العالمية الثالثة، تفاجأ ببداية حرب أخرى تشنها حكومة بنيامين نتنياهو على قطاع غزة؛ بهدف القضاء على حركة حماس، لتخرج إلى العالم سرديات مختلفة، منها إعادة تشكيل خريطة المنطقة بحسب ما يتناسب مع مصالح إسرائيل فيها.
توسعت الحرب في الشرق الأوسط، ونقلت إسرائيل حربها من الجبهة الجنوبية إلى الجبهة الشمالية، حيث يشهد لبنان أعنف حرب في تاريخ صراعه مع العدو، ويتوقع البعض أن تتدحرج الحرب مع الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.
هناك دور أميركي في بناء فوضى كبرى في المنطقة، نشرتها إدارة بايدن، وهي استمرار لسياسات متتالية لحكومات تعاقبت على السلطة في الإدارات الأميركية، لطرح مشروع الفوضى الخلاقة لبناء الشرق الأوسط الجديد.
أمام مشهدية الحرب من شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط، يبرز لاعب رئيسي خلف الكواليس، يتمثل في الولايات المتحدة ودورها في إشعال الحروب. إذ أخذت أميركا على عاتقها محاربة روسيا من خلال أوكرانيا، حيث تسعى من خلال تلك الحرب إلى تحقيق هدفين:
الهدف الأول يرتبط بسياسة الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ توليه السلطة في البيت الأبيض، إذ طرح سياسة الاحتواء للقوى الصاعدة – على رأسها روسيا وحليفتها بكين – في مشروع الانقلاب على الهيمنة الأميركية في العالم.
أما الهدف الثاني من وراء الدور الأميركي في الصراع الأوكراني، فهو حاجة أميركا إلى جعل أوروبا خائفة أمام الدب الروسي، كي تُبقي القارة العجوز إلى جانبها، لا بل خاضعة لقراراتها.
هذا ما تريده الولايات المتحدة خصوصًا، وإنّ هناك أصواتًا خرجت من عواصم أوروبية، على رأسها فرنسا، لتأسيس جيش أوروبي قادر على حماية مصالح أوروبا، هذا ما يسهل العمل على بكين وموسكو في بناء نظام عالمي قائم على تعددية قطبية.
لا يقف المتابع للأحداث الدائرة في الشرق الأوسط، عند ما تريده الحركة الصهيونية التي وصلت إلى السلطة وشكلت حكومة نتنياهو، ومع بداية رِحلتها نحو إقامة دولة قومية يهودية. أبعد من الطموح والأحلام، هناك دور أميركي في بناء فوضى كبرى في المنطقة، نشرتها إدارة بايدن، وهي استمرار لسياسات متتالية لحكومات تعاقبت على السلطة في الإدارات الأميركية، لطرح مشروع الفوضى الخلاقة لبناء الشرق الأوسط الجديد.
هذا ما أكدته الوقائع منذ عام 2006، من خلال ما صرحت به وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس من بيروت عن انطلاق المشروع الأميركي، والمشروع لم يزل قائمًا إلى عام 2024، مع سعي هذا المشروع إلى إبطال مفعول اتفاقية سايكس بيكو، وإلى إعادة تقسيم المنطقة، بما يتناسب مع المصلحة الأميركية.
الفوضى الخلاقة – كما طرحها عالم النفس مارتن كروزرز – بهدف إعادة ترتيب نفسية المريض، تبنتها الإدارة الأميركية لتطبيقها على منطقة الشرق الأوسط، ومن أفضل من نتنياهو لتطبيقها؟
حتى لو فُرضت التسويات في المنطقة، وفي شرقي أوروبا، سيبقى السلام مفقودًا ما دام أن الأميركي لم يصل إلى أهدافه، وأنه لم يستطع لجم جنون نتنياهو في توسيع الحرب.
تستفيد أميركا من تلك الفوضى على صعد مختلفة، منها فصل الارتباط بين الدول والشركات النفطية، تمامًا كما حال شركة النفط الوطنية العراقية المملوكة من الحكومة العراقية؛ حيث إن الفوضى في المنطقة قد تضع حقول النفط في يد جماعات تستطيع أن تبيعها في السوق السوداء بأسعار أدنى من سعر السوق، فهذا ما كان عليه تنظيم الدولة عندما فرض سيطرته على حقول النفط في سوريا والعراق، وكان التنظيم بحاجة إلى ميزانية كبرى، فما كان منه إلا بيع براميلها لأميركا بالسوق السوداء.
تحتاج أميركا إلى نقاط توتر في العالم، علّ ذلك يساعدها على تحقيق أهدافها، ويضمن لشركاتها الاستفادة بتحقيق فائض من الأرباح. ولأجل ذلك كانت أميركا بحاجة إلى فولوديمير زيلنيسكي آخر في الشرق الأوسط، فكان نتنياهو الرجل الذي قدم أهم خدمة لواشنطن لإعادة نفوذها فيها، وجعلها تمسك أوراقًا كانت قد سُحبت منها مع دخول روسيا في الحرب السورية، ووصول الصين عبر تعبيد مشروعها "طريق والحرير".
لهذا، حتى لو فُرضت التسويات في المنطقة، وفي شرقي أوروبا، سيبقى السلام مفقودًا ما دام أن الأميركي لم يصل إلى أهدافه، وأنه لم يستطع لجم جنون نتنياهو في توسيع الحرب.. كما أن بايدن لم يستطع إقناع نتنياهو، وثنيه عن مهاجمة طهران، بعد اتصال هاتفي حصل بين الرجلين يوم الأربعاء 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.