ما يجري في لبنان اليوم هو جزء من مخطط إسرائيلي أكبر بقيادة نتنياهو لتوسيع دائرة
الصراع، بهدف الضغط على المقاومة اللبنانية وتوريط الولايات المتحدة والقوى الدولية في حرب إقليمية شاملة.
افراسيانت - إلهامي المليجي - في مشهدٍ يمزج بين الألم والفاجعة، انفجرت الأوضاع في لبنان بصورة غير مسبوقة، ليتحول من جبهة إسناد إلى ساحة مواجهة مباشرة. لم يعد لبنان مجرد داعم للمقاومة الفلسطينية، بل أصبح في قلب المواجهة؛ يحمل جراحه ويكافح على جبهته.
الهجمات السيبرانية الأخيرة التي استهدفت كوادر وقادة حزب الله وحاضنته الشعبية في الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان، تعكس حجم التصعيد الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في إطار سعيه لتوسيع رقعة الحرب على حساب أرواح المدنيين اللبنانيين.
لم تقتصر الدماء التي نزفت على عناصر المقاومة اللبنانية، بل امتدت لتغمر الأطفال والنساء، في مشاهد تختزل المأساة. أجهزة الاتصال المتفجرة مزّقت الأجساد، فبترت الأيدي، وأطفأت العيون، وأحياناً أصابت الرأس أو الجسد، كاشفةً حجم العنف المتعمد الذي لا يترك مجالاً لأي أملٍ في الأمان. إنها حرب إبادة لا تميز بين طفل وشيخ، ولا بين مقاتل ومدني، وتتجاوز كل القوانين والأعراف، لتجعل من لبنان مسرحاً لفصول مأساوية تتجاهل أبسط مبادئ الإنسانية.
لبنان جبهة مواجهة
لطالما كان لبنان داعماً أساسياً للمقاومة الفلسطينية، وخصوصاً خلال الصراعات مع الكيان الصهيوني. ومع تصاعد التوترات الإقليمية وزيادة العمليات العسكرية، أصبح لبنان اليوم محور المواجهة المباشرة. الهجمات التي استهدفت عناصر وكوادر حزب الله وبيئته الحاضنة لم تكن تقليدية، بل جاءت ضمن إطار حرب سيبرانية متقدمة. استُهدفت أجهزة الاتصال الخاصة بهم لتحدث انفجارات واسعة النطاق، موقعة العديد من الشهداء والمئات من الجرحى.
هذا الاستهداف المتعمد يُبرز تحولاً خطيراً في استراتيجية "إسرائيل" تجاه لبنان، إذ لم تعد تعتمد فقط على القصف أو المواجهات العسكرية المباشرة، بل باتت تستخدم أدوات الحرب التكنولوجية لضرب مراكز القوة لدى حزب الله، متعمدةً توجيه الأضرار إلى المدنيين لتوسيع دائرة الخوف والرعب. ما يجري هو جريمة حرب تهدف إلى تدمير قدرة لبنان على الصمود وتحويله إلى ساحة قتال لا تهدأ.
توسيع دائرة الحرب
ما يجري في لبنان اليوم هو جزء من مخطط إسرائيلي أكبر بقيادة نتنياهو لتوسيع دائرة الصراع، بهدف الضغط على المقاومة اللبنانية وتوريط الولايات المتحدة والقوى الدولية في حرب إقليمية شاملة. هذا التصعيد العسكري المتواصل يأتي في وقت تعيش المنطقة حالة توتر شديدة.
الهجمات على لبنان تتجاوز الأهداف العسكرية التقليدية لتصل إلى استهداف الأبرياء والبنية التحتية الحيوية. النزوح الجماعي وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات دفع العديد من المنظمات الدولية إلى وصف هذه الهجمات بأنها ترتقي إلى مستوى "الإبادة"، إذ لم تقتصر الأضرار على العسكريين، بل شملت المدنيين بشكل غير مسبوق.
إن توسع دائرة الحرب في لبنان قد يؤدي إلى توريط قوى دولية كبرى، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا، فالولايات المتحدة تقدم دعماً كبيراً لإسرائيل وتعتبرها حليفاً استراتيجياً في المنطقة. في المقابل، قد تواصل روسيا دعمها لحلفائها التقليديين في سوريا ولبنان عبر حزب الله. إذا تصاعد الصراع، فقد نجد أنفسنا أمام مواجهة غير مباشرة بين القوى العظمى في المنطقة، حيث يقدم كل طرف الدعم لأطراف الصراع المختلفة.
مخاطر الحرب الإقليمية الشاملة
إن تصعيد الهجمات الإسرائيلية على لبنان قد يؤثر بشكل مباشر في سوريا وإيران، فإيران، التي تقود محور المقاومة، قد ترى في هذا التصعيد استهدافاً مباشراً لها، ما قد يفتح الباب أمام جبهات جديدة للصراع. كما أن التوترات المتصاعدة قد تدفع الدول العربية التي بدأت مؤخراً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى إعادة النظر في مواقفها.
إذا ما استمر التصعيد الإسرائيلي تجاه لبنان، فقد تتطور الأوضاع إلى صراع إقليمي واسع، وخصوصاً إذا تم استدراج سوريا أو إيران بشكل مباشر. هذا السيناريو قد يشمل العراق واليمن. زيادة الضغط على حزب الله قد تدفع هذه الأطراف إلى التحرك، ما يفتح الباب أمام حرب إقليمية شاملة يمكن أن تكون مدمرة للمنطقة بأكملها.
تأثير الصراع في أسواق الطاقة العالمية
أي تصعيد إضافي في لبنان والمنطقة قد يؤثر في طرق الشحن البحري في البحر الأبيض المتوسط، وخصوصاً إذا تم استهداف موانئ أو مناطق شحن رئيسية. هذا قد يؤدي إلى اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، ما سيؤثر بشكل مباشر في اقتصادات كبرى، مثل أوروبا والولايات المتحدة. ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي سيكون أحد أبرز التداعيات المحتملة، ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.
تحول لبنان إلى جبهة مواجهة مباشرة مع إسرائيل لا يحمل تداعيات محلية فحسب، بل إن تداعياته الإقليمية والدولية قد تكون مدمرة. الصراع المفتوح في لبنان قد يقود إلى توسيع رقعة الحرب، ما قد يؤدي إلى صراع إقليمي شامل يؤثر في التوازنات الدولية.
علي عمار وتحدي الألم بالفخر
بعد ساعات على وقوع الكارثة، وقف النائب علي عمار ليجسد بموقفه مشهداً من الصلابة والصمود. وسط جموع المعزين، كان يتحدث بثبات وطمأنينة، شاكراً لله أن ابنه نال شرف الشهادة في سبيل تحرير القدس. رغم مرارة الفقد، لم يحمل حديثه سوى فخر عظيم بانضمامه إلى أسر الشهداء، واعتزاز بأن ابنه قدم قرباناً على طريق الحرية.
مشهد علي عمار يقف شاهداً على قوة الشعب اللبناني؛ هذا الشعب الذي يواجه الموت، ليس بالخوف، بل بالأمل. أي نوع من البشر هؤلاء الذين يجدون في الموت معنى للحرية؟ هم أبناء لبنان، الذين يحملون في قلوبهم قضية لا تعرف الاستسلام، وكرامة لا تنحني أمام أي قوة.
لبنان اليوم، رغم كل الجراح، يبقى رمزاً للتضحية والصمود في مواجهة عدو يسعى لطمس هويته، لكنه يظل شامخاً بأبنائه الشجعان الذين يكتبون بدمائهم فصولاً جديدة من الكرامة والنضال.