إيكونوميست: لماذا تتعاطف أفريقيا والشرق الأوسط مع روسيا في حربها على أوكرانيا؟
هل تستطيع امريكا ان توقف هذا التوجه الفريقي والعربي باتجاه روسيا ؟
افراسيانت - د. زكريا شاهين - لا يخفي الاطلسيون وعلى راسهم الولايات المتحدة الامريكية نواياهم بشان دعم اوكرانيا ضد روسيا , هذا الدعم الذي وصل الى حدود المشاركة الفعلية في هذه الحرب , فالاسلحة والعناصر البشرية المتخفين تحت ستار انهم مرتزقة بينما هم بالغعل جزءا من الجيوش التي يعدها الغرب الاطلسي رويدا رويدا للمشاركة في هذه الحرب وما قرار السماح لاوكرانيا باستهداف العمق الروسي بالصواريخ الغربية الا تاكيد فاضح لهذه المشاركة .
لا يقف الامر عند هذا الحد , ثمة ضغوط من نوع اخر تندرج ضمن الهستيريا الاطلسية بقيادة الولايات المتحدة تتمثل بالضغوط الهائلة التي تمارس على العرب والافارقة للوقوف الى جانب اوكرانيا في مواجهة روسيا بل للمشاركة في الدعم الاوكراني .
منذ ان بدأت العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا ,اتسم رد فعل العرب على الحرب في أوكرانيا بالكثير من الصمت مع القليل من الحماس للعقوبات أو التحركات لقطع العلاقات الدبلوماسية.
وعلى الرغم من الحرب في سوريا، أو ربما بسببها، ثمة إيمان مستمر برؤية فلاديمير بوتين لعالم متعدد الأقطاب. وقد تعززت فقط وجهة النظر القائلة بأن روسيا تحارب الغرب نيابة عن كل أولئك الذين تضرروا من الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي يخسر فيه الغرب بوضوح حرب المعلومات في العديد من البلدان الناطقة بالعربية، تختار العديد من الدول، وهي نفسها ليست غريبة عن الصراع، البقاء على الحياد في الحرب التي يخوضها الكرملين الآن في أوروبا.
وبينما كانت هناك بعض الإدانات الفاترة، التزم البعض بالصمت إذ يبدو أن لا أحد يريد إثارة غضب الولايات المتحدة أو الصدام مع روسيا.
وتقول ميريسا كورما، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون بواشنطن: "إن الولايات المتحدة تنسحب ببطء من المنطقة".
وتضيف قائلة:"كان على العديد من البلدان في المنطقة أن تضع بيضها في سلال مختلفة، وهذا يشمل سلة روسيا".
إنه نهج أصبح يمثل القاعدة بالنسبة لدول العالم العربي.
وسوريا هي الحليف الأقرب لروسيا في كل القضايا. فقد كانت سوريا هي الدولة الأولى، وحتى الآن الدولة الوحيدة، في المنطقة التي تحذو حذو روسيا وتعترف بجمهوريتي دونيتسك الشعبية ولوهانسك الشعبية.
كما صوتت سوريا ضد قرار للأمم المتحدة يدين العدوان الروسي على أوكرانيا، فيما امتنعت الجزائر والعراق وإيران، وفي البداية الإمارات العربية المتحدة، عن التصويت، وقد فضل آخرون مثل المغرب عدم المشاركة في عملية التصويت على الإطلاق.
وتقول كيلي بيتيلو، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "بينما تتمتع غالبية الحكومات في المنطقة بعلاقات أقوى بكثير مع الولايات المتحدة فقد أصبحت روسيا شريكا تجاريا وعسكريا مهما بشكل متزايد".
و تقول ميريسا كورما إن معظم دول الشرق الأوسط اختارت نهج الانتظار والترقب بعد "غزو روسيا لأوكرانيا" حيث صوت العديد منها في النهاية لصالح قرار للأمم المتحدة يدين تصرفات روسيا في أوكرانيا، لكنها لم تتجاوز هذه اللفتة الرمزية.
وقال وزير الطاقة القطري سعد الكعبي لشبكة سي إن إن خلال مؤتمر دولي في الدوحة: "من منظور الأعمال، نحن لا نختار أي جانب نحن نمارس العمل التجاري، ونقوم بأعمالنا".
وفي السنوات الأخيرة، حاول حتى حلفاء أمريكا التقليديون في الشرق الأوسط تنويع علاقاتهم من خلال بناء علاقات مع دول أخرى بما في ذلك روسيا.
ومع تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة، من الواضح أن هذه البلدان تريد تحقيق أقصى استفادة من رأس المال الذي كدسته في أماكن أخرى.
ويقول كيريل سيميونوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي (منظمة غير ربحية تأسست بموجب مرسوم رئاسي من الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف في عام 2011)، إن تصور أن أوكرانيا جزء من صراع أوسع أمر مهم أيضا.
وقال لبي بي سي: "بالنسبة للعديد من الدول العربية فإن روسيا في الواقع في حالة حرب مع كل حلف شمال الأطلسي وليس فقط مع أوكرانيا".
بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001، شرع السياسيون والقادة العسكريون الأمريكيون في "كسب القلوب والعقول" في العراق ودول الشرق الأوسط الأخرى.
و تقول نادية عويدات، الأستاذة المشاركة في جامعة كانساس وزميلة برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون الدولي: "ولكن بعد عقدين من الزمان، تلعب روسيا الآن دورا رئيسيا في معركة كسب قلوب وعقول العالم العربي".
كما ذكرت دراسة مسحية حديثة عن مشاعر الشباب في الدول العربية أن الشباب ينجذبون بالفعل إلى روسيا أكثر من الولايات المتحدة حيث يصف 70 في المئة روسيا بأنها حليفة، و26 في المئة وصفها بأنها عدو. ولعل من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي , يرى المشاعر المعادية للغرب بانتظام على منصات الإنترنت الناطقة بالعربية حيث تتكرر الكتابات حول الاستعمار والمعايير المزدوجة للغرب، ومن الموضوعات المتكررة في هذا الإطار الاختلاف في المواقف تجاه اللاجئين من أوكرانيا الذين تم الترحيب بهم بحرارة في أوروبا مقارنة باللاجئين من اليمن وسوريا وأفغانستان الذين تم "عزلهم وراء السياج".
وتقول نادية عويدات: "لا يتم الدفاع عن الأعراف الديمقراطية أو حتى شرحها، حيث لا يوجد تشكيك في هذه الرواية".
يقول المحلل السياسي السعودي منصور المرزوقي من معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية في الرياض: "الرياض ليست جزءا من هذا الصراع ولا تريد أن تكون جزءا من هذا الصراع".
ويتفق كيريل سيميونوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية، على أن "قضية الأزمة الأوكرانية ، التي تحاول الولايات المتحدة وأوروبا فرضها على العالم العربي ، ليست قريبة من الدول العربية".
ويضيف قائلا إن الحرب في اليمن أهم بكثير بالنسبة للشرق الأوسط، وهي في نظر العديد من دول المنطقة مثل الحرب في أوكرانيا تماما، لذلك فإن موقف روسيا بالنسبة للعديد من البلدان ليس غير مفهوم وغير قابل للتفسير، كما هو الحال، على سبيل المثال، في أوروبا".
عالم جديد شجاع وما علاقة سوريا به؟
إن الانتصار الروسي سيضيف حججا لأولئك الذين يبحثون عن نموذج حكم يختلف عن الديمقراطية، وتحول في الجغرافيا السياسية، ونظرة جديدة على القانون الدولي، ونموذج أمني مختلف.
لم تؤد الاحتجاجات الدموية في عام 2011، والتي دخلت التاريخ باسم "الربيع العربي"، إلى تغييرات ديمقراطية بل كان لها تأثير معاكس على العالم العربي، فمنذ ذلك الحين تحولت جميع البلدان في المنطقة تقريبا نحو الاستبداد حيث فقدت ما تبقى من الإيمان بالديمقراطية.
وأظهر آخر استطلاع للرأي العام أجرته شبكة الباروميتر العربي لصالح بي بي سي نيوز أن الناس في العالم العربي يفقدون الثقة في أن الديمقراطية يمكن أن تحقق الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتقول أنيسي فان إنغلاند، الأستاذة المشاركة في جامعة كرانفيلد: "إذا نجحت روسيا في أوكرانيا، فسيكون هناك الكثير من الشهية في الشرق الأوسط لعمل نسخة مصغرة من روسيا".
روسيا ادركت حقيقة أن الولايات المتحدة فقدت الاهتمام بالشرق الأوسط وتحاول منذ فترة طويلة ملء الفراغ الناتج عن ذلك. ويشير العديد من الخبراء الآن إلى أن الحرب في سوريا، ولا سيما دخول روسيا في ذلك الصراع، تُمثل نقطة التحول التي غيرت ميزان القوى والمواقف تجاه روسيا والعالم.
ويقول فابريس بالانش، الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في جامعة ليون 2 و الزميل المساعد في معهد واشنطن: "لقد أظهرت روسيا ما يمكنها فعله في سوريا حيث أظهرت قوتها الصارمة، والعالم العربي يحترم القوة ويحترم روسيا بالمثل".
ويقول بالانش إنه منذ ذلك الحين تعتقد الدول العربية أن الغرب ليس قويا مثل روسيا ولا يمكنه استخدام القوة كما يفعل بوتين.
ويضيف قائلا: "لم تعد الدول العربية تخشى الولايات المتحدة أو العقوبات الغربية، وإذا لزم الأمر يمكنها اللجوء إلى روسيا".
ومضى بالانش يقول: "كانت الحرب في سوريا بمثابة نهاية للهيمنة الغربية على العالم، فلأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، منعت روسيا الإطاحة بنظام، وكان القذافي آخر زعيم أُطيح به، لقد كان هناك تحول في 2011-2016 ".
ويعتقد بالانش: "إنهم يدركون أن روسيا أصبحت قطبا جديدا نوعا ما، قوة جديدة في العالم متعدد الأقطاب الجديد الذي يتحدث عنه بوتين كثيرا".
وحصل القادة العرب من الحرب السورية على انطباع بأن روسيا مخلصة "لا تتخلى عن حلفائها"، بينما لم تدعم الولايات المتحدة مبارك في مصر أو زين العابدين بن علي في تونس، اللذين أُطيح بهما بعد موجة الاحتجاجات خلال الربيع العربي.
النفط والغاز والحبوب
لقد أثرت الحرب في أوكرانيا بالفعل على عدة قطاعات مهمة لاقتصاد العالم العربي من النفط والغاز والواردات الزراعية إلى تجارة الأسلحة والسياحة.
ويعمل الوضع الحالي لصالح الدول النفطية في الخليج حيث يسمح ارتفاع أسعار الطاقة لتلك الدول بكسب المزيد وزيادة إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وتعتمد لبنان وتونس ومصر على الحبوب الروسية، وينتقل رجال الأعمال الروس إلى دولة الإمارات، وتدعم مصر وروسيا أحد الأطراف المتحاربة في ليبيا المجاورة.
وتشتري الجزائر أسلحة من روسيا، ويأمل المغرب في صوت روسيا في مجلس الأمن في نزاع الصحراء الغربية بينما تُعد إيران وروسيا حليفتين في سوريا.
وتتواصل دول الخليج مع روسيا كجزء من أوبك + ولم تستمع بعد إلى مطالبات الولايات المتحدة وأوروبا بزيادة إنتاج النفط.
وفي الوقت الحالي، يعتقد الخبير الروسي كيريل سيميونوف أن مكانة موسكو في الشرق الأوسط لا تزال آمنة.
وقال لبي بي سي إن "نفوذ روسيا في المنطقة سيبقى كما هو، وستكون روسيا قادرة على الحفاظ على جميع مواقعها، لا شيء يشير، حتى الآن، إلى أنها تضعف".
في المواقف الافريقية ثمة اتجاهات متعددة تتمثل في الترغيب حينا وبالترهيب في غالب الاحيان .في المثال وفي خبث دبلوماسي واضح دفعت امريكا اوكرانيا للتحرك باتجاه افريقا عبر ما سمي بدبلوماسية الحبوب بعد ان قامت روسيا بتزويد العديد من الدول الافريقية بالحبوب مجانا ابان تفاقم هذه الازمة .
تعود علاقة روسيا بالعديد من دول القارة السمراء إلى عقود ماضية حيث ترجع إلى حقبة الاتحاد السوفيتي السابق الذي قدم دعما لبلدان أفريقية في نيل الاستقلال.
وفي ذلك، قال إيليا كوسا، الخبير في المعهد الأوكراني للمستقبل، إن أوكرانيا "فشلت في نيل جزء من الإرث [السوفيتي] في أفريقيا , يشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذل منذ سنوات مساعي حيثية في إحياء العلاقة التي تربط روسيا بأفريقيا أو البحث عن علاقات جديدة سواء عن طريق تقديم الدعم العسكري أو المادي والدبلوماسي, أما فيما يتعلق بأوكرانيا، فكان حضورها الدبلوماسي - قبل العملية العسكرية الروسية في أفريقيا هزيلا إذ كانت تمتلك سفارات في عشر دول أفريقيا في مقابل 43 سفارة روسية.
يقول أوفيجوي إيجويجو، الباحث السياسي النيجيري في شركة Development Reimagined المتخصصة في الاستشارات الدولية، إن "تاريخ أوكرانيا الدبلوماسي في أفريقيا صفر".
ويبدو أن حديث الباحث يتوافق مع بعض المعطيات على أرض الواقع إذ لم تدعم أوكرانيا سوى عدد محدود من الدول الأفريقية خلال التصويت على القرارات الأممية منذ بدء الحرب. وفي هذا السياق، دعمت 28 دولة أفريقية فقط أول مشروع قرار أممي يدعو إلى الوقف الفوري للحرب فيما صوتت دولة أفريقية واحدة ضده، لكن اللافت أن 17 دولة أفريقية امتنعت عن التصويت مع عدم حضور ثماني دول أخرى.
الجدير بالذكر أن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا قام بجولات أفريقية عديدة بين عامي 2022 و2023 فضلا عن زيارته مقر الاتحاد الأفريقي.
ورغم ذلك، يرى أوفيجوي إيجويجو أن أوكرانيا "تأخرت في أفريقيا إذ خلال الثلاثين عاما منذ استقلال كييف، لم يقم أحد رؤسائها أو أحد وزراء خارجيتها بجولة أفريقية".
لا تحاول اوكرانيا التحرك بمفردها في افريقيا , فالسفارات الامريكية تساهم في دعم هذا التحرك بضغوطات على الدول الافريقية التي بها تواجد امريكي رغم ان هذا التواجد بدأ بالتقلص خاصة في دول الساحل والصحراء.
روسيا لم تقف صامتة حيال ذلك إذ أعلنت عزمها فتح أربع بعثات دبلوماسية جديدة ليبلغ عدد سفارتها في القارة 47 بالتزامن مع قيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولات أفريقية عديدة حيث قصد غينيا وتشاد وبوركينا فاسو وجمهورية الكونغو.
كذلك بدأت روسيا إرسال شحنات من الحبوب مجانا إلى أفريقيا كجزء من تعهد قطعه بوتين على نفسه بشحن الحبوب إلى ست دول أفريقية.
بيد أن الأمر لم يتوقف على شحنات الحبوب بل شمل توقيع حكومة مالي اتفاقية مع روسيا لإنشاء مصفاة للذهب في بلد يعد من أكبر منتجي الذهب في أفريقيا وإعادة حكومة بوركينا فاسو عقب الانقلاب، فتح السفارة الروسية بعد إغلاق دام ثلاث عقود وسط نشر قوات روسية لتدريب القوات الأمنية.
بايعاز من الولايات المتحدة شرعت أوكرانيا في التبرع بالحبوب بالمجان في إطار برنامج أطلقه في نوفمبر / تشرين الثاني عام 2022 تحت اسم "حبوب من أوكرانيا" بهدف تصدير الحبوب إلى الدول الافريقية .
ورغم جهود أوكرانيا المتنامية لتعزيز نفوذها في أفريقيا، فقد أشار وزير خارجيتها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأن بلاده "لم تحصل في المقابل إلا على القليل".
وفي تعليقه، قال فابريسيوس إن أوكرانيا "بذلت جهودا كبيرة بما في ذلك زيارة 12 دولة أفريقية وفتح سفارات، لكن يجب عدم توقع أن تقدم دول أفريقية على فتح سفارات في كييف مع استمرار الحرب.
ويبدو أن عدم إحراز أوكرانيا النجاح الكبير في القارة السمراء كان جليا خلال قمة السلام الأوكرانية التي عقدت في سويسرا حيث وقعت 11 دولة أفريقية فقط على البيان الختامي الذي حظى بدعم 82 دولة.
ورغم إعراب دول أفريقية مثل غانا وكينيا، عن دعم أوكرانيا، إلا أن فابريسيوس يرى أن هناك سببين رئيسيين وراء تردد العديد من الدول الأفريقية في الاصطفاف إلى جانب كييف.
وفي ذلك، قال "أحد هذه الأسباب ببساطة هو الحرب في أوكرانيا بعيدة عن أفريقيا. فرغم أن العديد من دول القارة حاولت الحفاظ على درجة كبيرة من عدم الانحياز مثل جنوب أفريقيا، إلا أنها تعتبر الحرب الحالية حربا أوروبية".
من جانبه، يرى أوفيجوي إيجويجو أن المشكلة تكمن في أن "الطابع الغربي" يطغى على رسائل أوكرانيا الدبلوماسية، مشيرا إلى أن العديد من البلدان الغربية قد "فقدت مصداقيتها في أجزاء كثيرة من أفريقيا." وأرجع الباحث ما وصفه بـ، "اللامبالاة في أفريقيا تجاه أوكرانيا إلى أن الأطراف التي تتحدث نيابة عن أوكرانيا لم تعد تتمتع بشعبية في القارة السمراء".
رغم التحرّكات الأوكرانية المكثفة نحو أفريقيا، وعلى الرغم من الضغوطات الامريكية فإن تأثيرها يظلّ محدودًا مقارنة بالنفوذ الروسي. فعلى الصعيد الدبلوماسي، ورغم قيام كوليبا بأربع جولات شملت 12 دولة أفريقية، فإن هذه الدول ذات تأثير محدود على الساحة الدولية والإقليمية باستثناء نيجيريا وإثيوبيا والسنغال وساحل العاج. وعلى الرغم من أن بعض هذه الدول، مثل غانا وليبيريا وساحل العاج، أيدت إعادة شبه جزيرة القرم إلى السيادة الأوكرانية، فإن معظم الدول الأفريقية لم تقدم دعمًا كبيرًا لأوكرانيا في محافل الأمم المتحدة.
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فقد قام بست جولات دبلوماسية خلال نفس الفترة، شملت 14 دولة. بدأت جولاته في يوليو/تموز 2022 بزيارة مصر وإثيوبيا وأوغندا والكونغو، ثم في يناير/كانون الثاني 2023 زار جنوب أفريقيا وإسواتيني وأنغولا وإريتريا. تبعتها زيارات في فبراير/شباط 2023 لمالي وموريتانيا والسودان، وفي مايو/أيار ويونيو/حزيران 2023 زار كينيا وبوروندي وموزمبيق وجنوب أفريقيا، واختتم جولاته في يونيو/حزيران 2024 بزيارة غينيا وتشاد والكونغو برازافيل وبوركينا فاسو.
تركزت زيارات لافروف على دول تعاني اضطرابات سياسية ولها علاقات تاريخية مع روسيا، واصبح من الواضح أن روسيا، مقارنة بأوكرانيا، تمتلك نفوذًا أكبر في أفريقيا سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري. فالتمثيل الدبلوماسي الروسي يتواجد في 43 دولة أفريقية، في حين أن أوكرانيا تسعى إلى رفع عدد سفاراتها من 11 إلى 21 سفارة فقط.
المدخل السياسي الأوكراني، الذي يعتمد على التاريخ المشترك بين أوكرانيا والدول الأفريقية فيما يخصّ الاستعمار، لم يحقق النتائج المرجوة. بل إنه أتى بنتائج عكسية، حيث أدى دعم أوكرانيا بعض الحركات المسلحة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع دول مثل مالي والنيجر.
هذا السلوك اضعف موقف أوكرانيا كدولة تطالب بالدعم الأفريقي في المحافل الدولية، إذ إنها بدلًا من دعم الشرعية، تعمل على تقويضها. كما أن العديد من الدول الأفريقية ترى في أوكرانيا وكيلًا عن الغرب الذي تراجع نفوذه في أفريقيا، خاصة فرنسا والولايات المتحدة في منطقة الساحل الأفريقي.
وبالتالي، فإن هذه الدول تفضل الحفاظ على علاقاتها مع موسكو التي تدعمها سياسيًا وعسكريًا، بالإضافة إلى أن روسيا تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن، وتاريخ طويل من دعم حركات التحرر الأفريقية خلال فترة الاتحاد السوفياتي.
من ناحية أخرى، نجحت روسيا في إبرام العديد من الاتفاقيات العسكرية مع دول أفريقية، مثل مكافحة الإرهاب وتزويد هذه الدول بالسلاح وتدريب قواتها. ووفقًا لدراسة صادرة عن البرلمان الأوروبي، فقد أبرمت موسكو اتفاقيات عسكرية مع 43 دولة أفريقية بين عامي 2015 و2022. وقد ساهمت هذه الاتفاقيات في جعل روسيا المورد الرئيسي للأسلحة في القارة الأفريقية، حيث شكلت صادراتها من السلاح نحو 40% من واردات أفريقيا من أنظمة الأسلحة الرئيسية خلال الفترة من 2018 إلى 2022.
على الصعيد الإنساني , ورغم أن أوكرانيا نجحت في تصدير الحبوب إلى بعض الدول الأفريقية مثل السودان ونيجيريا وإثيوبيا، فإن روسيا دخلت بقوة إلى هذا المجال أيضًا، حيث قامت بتزويد العديد من الدول الأفريقية بالقمح مجانًا. وخلال القمة الروسية الأفريقية، وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشحن الحبوب مجانًا لست دول أفريقية تشمل زيمبابوي، بوركينا فاسو، مالي، إريتريا، أفريقيا الوسطى، والصومال.
رغم التحركات الأوكرانية المكثفة نحو أفريقيا المدعومة من الغرب الاطلسي وعلى راسه الولايات المتحدة الامريكية منذ بداية الحرب مع روسيا، فإن تأثيرها يظل محدودًا مقارنة بالنفوذ الروسي. فموسكو استطاعت أن ترسخ وجودها في القارة الأفريقية، سواء عبر الزيارات الدبلوماسية المكثفة أو عبر الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، ترسخت صورة ذهنية لدى الأفارقة؛ مفادها أن أوكرانيا مجرد وكيل للغرب الاستعماري الذي يتراجع نفوذه في القارة.
ربما لم ينتهي الامر بعد , فالهستيريا الاطلسية والامريكية على وجه الخصوص لم تتعلم بعد ان الضغوطات والعقوبات لم تعد سلاحا ذا جدوى في عالم يتجة تدريجيا نحو عالم متعدد الاقطاب وان العرب والافارقة على حد سواء معنيين الان بالتوجه نحو الشرق وما التحاق بعض الدول وطلب اخرى الانضمام الى بريكس او المنظمات الاخرى خارج سيطرة الغرب السياسية والاقتصادية الا دليلا على بدء الافول المحتوم للسياسة الغربية والامريكية في ترتيبات العالم القادم والمنتظر .