من أوكرانيا إلى فلسطين... العالم يكشف النقاب عن ازدواجية المعايير

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


- المحكمة أصدرت مذكرات اعتقال بحق 8 مسؤولين روس بينهم بوتين بشأن الحرب في أوكرانيا بينما لم تصدر أي مذكرة ضد مسؤولين إسرائيليين  

بين إسرائيل وروسيا.. فلسطين تفضح "ازدواجية معايير" الجنائية الدولية (تقرير)

ضغوط إسرائيلية وأمريكية لمنع المحكمة من إصدار مذكرات اعتقال في ما يتعرض له الفلسطينيون.. وبريطانيا تعتزم تقديم حجج قانونية من شأنها عرقلة العملية

افراسيانت - تواجه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بـ"ازدواجية المعايير"؛ بسبب بطء تحقيقها في ما يتعرض له الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، مقارنة بسرعتها في التحقيق بشأن أوكرانيا.

ومنذ بدء سريان اتفاق تأسيسها، نظام روما الأساسي، مطلع يوليو/ تموز 2002، تعرضت المحكمة (مقرها في لاهاي بهولندا) لانتقادات كثيرة بلغت ذروتها مع حرب إسرائيل المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وبدعم أمريكي مطلق، أسفرت الحرب على غزة عن أكثر من 150 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.

وبموازاة ذلك، صعَّد الجيش الإسرائيلي اعتداءاته بالضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، فقتل 560 فلسطينيا، بينهم 136 طفلا، وأصاب نحو 5 آلاف و300 واعتقل حوالي 9 آلاف و510، وفق جهات فلسطينية رسمية.

حرب روسيا وأوكرانيا

في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أكملت المدعية العامة للمحكمة آنذاك فاتو بنسودا (2012-2021) دراستها الأولية للوضع في أوكرانيا، ثم بدأت المحكمة تحقيقا بشأن الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ فبراير/ شباط 2022.

وأصدرت المحكمة، في مارس/ آذار 2023، مذكرتي اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمفوضة الروسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا؛ بتهمة المسؤولية عن ارتكاب جرائم مزعومة خلال الحرب.

كما أصدرت، في يونيو/ حزيران من العام التالي، مذكرتي اعتقال بحق أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو (وزير الدفاع الروسي السابق)، ورئيس الأركان العامة الروسي فاليري غيراسيموف.

وإجمالا، أصدرت المحكمة بين مارس/ آذار 2023 ويونيو الماضي مذكرات اعتقال بحق 8 مسؤولين روس؛ على خلفية الحرب في أوكرانيا المدعومة من الغرب.

وروسيا ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك أوكرانيا لكنها منحت المحكمة اختصاص البت في الجرائم المزعومة على أراضيها.

وبينما أصدرت مذكرات اعتقال بحق مسؤولين روس رفيعي المستوى، لم تصدر المحكمة حتى اليوم أي مذكرة اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، منذ أن بدأت التحقيق في الانتهاكات بالأراضي الفلسطينية في مارس/آذار 2021.

وفي 20 مايو/ أيار الماضي، طلب مدعي عام المحكمة كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" بغزة. لكن ذلك لم يحدث حتى الان رغم ان هنالك دولا عدة من بينها الاردن تطالب ياصدار هذه المذكرات والابتعاد عن الرضوخ للضغوط الغربية .

وتواصل إسرائيل حربها على غزة متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.

وللعام الـ18، تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء.

ورغم استمرار الحرب على غزة، فإن الميزانية والموارد البشرية التي خصصها مكتب خان للتحقيق في فلسطين، وفق منتقدين، أقل بكثير مقارنة بما خصصته المحكمة الجنائية لملف أوكرانيا، ما زاد الانتقادات الموجهة للمحكمة.

والمحكمة الجنائية هيئة دولية مستقلة غير تابعة للأمم المتحدة أو أي مؤسسة دولية أخرى، وتعد قراراتها ملزمة، لكن إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة لا تعترفان بالولاية القضائية للمحكمة، التي قبلت عضوية فلسطين عام 2015.

وعبر تصريحات علنية وتحركات خلف الستار، وفق تقارير إعلامية، تضغط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على المحكمة؛ لمنعها من إصدار مذكرات اعتقال بحق أي مسؤول إسرائيلي.

وتوعد أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي بتداعيات سلبية على المحكمة وموظفيها، في حال أصدرت مذكرة اعتقال بحق نتنياهو و/ أو أي مسؤول إسرائيلي آخر.

كما تمارس إسرائيل، حسب تقارير إعلامية، أنشطة تجسس وترهيب ضد المحكمة؛ لوقف تحقيقاتها بشأن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي يونيو/ حزيران الماضي، استدعت الخارجية الهولندية سفير إسرائيل مودي أفرايم؛ لتقديم تفسيرات بشأن تقارير عن تنفيذ جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) عمليات مراقبة وتجسس سرية استهدفت المحكمة الدولية.

وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في مايو الماضي، أن الرئيس السابق لجهاز "الموساد" يوسي كوهين هدد بنسودا بأمن أسرتها، خلال اجتماعات سرية في إطار الضغط عليها للتخلي عن التحقيق بخصوص فلسطين.

وجرت اتصالات سرية بين كوهين وبنسودا في السنوات التي سبقت قرارها فتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي 27 يونيو الماضي، قرر قضاة المحكمة السماح لبريطانيا بتقديم حجج قانونية في القضية، بينما يدرسون ما إذا كانوا سيوافقون على إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.

ومن شأن الخطوة البريطانية المرتقبة أمام دائرة الفحص الأولي للمحكمة، حسب "الغارديان"، أن تؤخر قرار القضاة بشأن مصير الطلبات التي تقدم بها المدعي العام.

وتدعي بريطانيا أن فلسطين ليس لها الحق في الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية عبر قبول نظام روما الأساسي، وبالتالي لا تملك المحكمة سلطة التحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

ومنذ 2012، تمتلك فلسطين وضع "دولة مراقب غير عضو" بالأمم المتحدة، ويحول استخدام واشنطن لسلطة "النقض" (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي دون حصول الفلسطينيين على عضوية أممية كاملة.

اتخذ مجلس الأمن نحو 131 قراراً تتلق بالصراع الفلسطيني مع إسرائيل لم يطبق أي منها  

وتنهال الانتقادات على المنظمات الأممية بشأن التفرقة بين التعاطي مع القضية الفلسطينية والحرب على أوكرانيا . 

فقد أثارت العملية العسكرية التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا تساؤلات فلسطينية حول ازدواجية موقف المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة في التفريق بين الموقف المتخذ حول الأزمة في كييف، وممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

وفجّر تساؤلات الفلسطينيين وغضبهم، مقطع فيديو مصوَّر انتشر للنائب الإيرلندي ريتشارد بويد، انتقد فيه ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة، في فرض العقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في غضون خمسة أيام، فيما لم يتم فرض أي عقوبات على إسرائيل التي تمارس انتهاكات جسيمة ضد الفلسطينيين.

وقال بويد إن "المجتمع الدولي يتعامل مع الفلسطينيين كعرق أدنى شأناً، ولاحظت أن قادة العالم استخدموا لغة قوية عندما وصفوا أفعال فلاديمير بوتين، ولكن هؤلاء القادة لم يستخدموا اللغة ذاتها وكانوا حذرين في وصف الجرائم بحق الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين وتم توثيقها من مجلس حقوق الإنسان". وأضاف، "إسرائيل مارست الاضطهاد الوحشي واللاإنساني ضد سكان غزة أثناء قتالها العسكري الأخير، وخلال التطبيق المنهجي لقواعد الفصل العنصري في الضفة الغربية، وحينها لم يتجرأ قائد على وصف ذلك بالإرهاب، ولم تفرض هيئات الأمم المتحدة ولا زعماء العالم أي عقوبات على إسرائيل".

وتابع، "خلال خمسة أيام، فرض العالم عقوبات كثيرة على الرئيس الروسي، لكن بعد 70 عاماً من قمع الفلسطينيين، لم يقُم القادة بالإجراءات ذاتها ضد إسرائيل، بحجة أنه من غير المفيد فرض عقوبات على تل أبيب".

لم يكُن بويد وحده الذي انتقد ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع القضية الفلسطينية، إذ نددت النائبة في برلمان المملكة المتحدة جولي إليوت بالازدواجية في تعامل الغرب مع فلسطين وأوكرانيا، وقالت، "إن العالم يعاقب روسيا ، لكن الفلسطينيين يسألون لماذا لا نفعل شيئاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لهم، ومن الضروري الاعتراف بهم كدولة وهو الحد الأدنى لحقوقهم".

المفارقة التي أجراها النائب الإيرلندي ريتشارد بويد، إضافة إلى عقد جلسات متتالية لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، وإعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بشأن الوضع في أوكرانيا، كشف عن حجم ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي، في التعامل مع معاناة الفلسطينيين في ظل استمرار ارتكاب إسرائيل ممارسات خارج القانون الدولي.

خلال العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، لم ينجح مجلس الأمن بعد ثلاثة اجتماعات من إصدار قرار يطالب تل أبيب  بوقف العدوان. وخلال الاجتماع الوحيد للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يصف أي متحدث قتل الجيش لأطفال غزة بالإرهاب أو أي كلمة إدانة أخرى، بينما استغرق فتح تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية في انتهاكات تل أبيب بحق المشاركين في مسيرة العودة على حدود غزة نحو عامين، لكن خلال أيام قررت المدعية العامة التحقيق في مزاعم عن جرائم روسيا ضد أوكرانيا.

اذن، "هل الدم الفلسطيني بالنسبة إلى المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة من الدرجة الثانية، وهل الإنسانية تُصنّف وفقاً للعرق واللون؟"،  

أن تتخذ المنظمات الدولية والأممية مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمة أوكرانيا، بينما تمتنع عن اتخاذ موقف حازم تجاه جرائم إسرائيل التي امتدت لأكثر من سبعة عقود ضد السكان في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية على حد سواء، يعكس ازدواجية في المعاملة وغياباً للعدالة".

"المجتمع الدولي لا يرغب بأن يتعامل مع القضية الفلسطينية بإنسانية ولا حتى وفق قواعد القانون الدولي، لذلك من لا يطبّق القانون الدولي في فلسطين لا يحق له أن يتحدث عنه في مكان آخر بالعالم"، وأن "الكيل بمكيالين بالموضوع الفلسطيني يؤثر في مصداقية النظام الدولي عموماً".

يعتبر مصدر فلسطيني أن "المجتمع الدولي منحاز لصالح إسرائيل دائماً ويتجاهل المعايير الإنسانية".  

"الأمر لا يقتصر على ازدواجية المعايير، إذ يصل إلى حد تواطؤ المنظومة العالمية مع إسرائيل نظراً إلى علاقات المصالح التي تربطهما". يضيف "على الرغم من توثيق مؤسسات حقوقية وازنة، مثل منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، فإن العالم يرفض فرض عقوبات على إسرائيل، وهناك رفض للتحقيق من قبل الأمم المتحدة في تلك الجرائم على الرغم من الإنجازات التي يحققها الفلسطينيون في هذا الملف".

يؤكد المصدر أن "الحماية التي تتمتع بها إسرائيل، إضافة إلى الإفلات من العقاب بسبب التواطؤ الدولي مع نظامها، ومجرد التحقيق في جرائمها لم يحدث، وهناك رفض واسع من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لأي إدانة لها".

وأوضح انه في "كل يوم تنتهك إسرائيل القانون الدولي، وترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومنها الحصار الذي تفرضه على غزة والعمليات العسكرية ضد القطاع، والاستيطان في الضفة الغربية ونظام التمييز العنصري في القدس، ولم يتحرك العالم، وهذا على أقل تقدير يوصف تواطؤ مع إسرائيل في ارتكابها جرائم ضد الإنسانية".

ومنذ بدء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة نحو 310 قرارات تعالج الخلاف بين الطرفين وبعضها يدين إسرائيل ويطالبها بضرورة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، كما اتخذ مجلس الأمن 131 قراراً تعالج بشكل مباشر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن لم يطبّق على الأرض أي منها.

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology