حروب الموارد الناعمة.. لماذا لا يستطيع العرب الاستثمار في افريقيا بشكل جاد ؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


لا توجد حالة نجاح بين الدول النامية للخروج عن المخطط الرأسمالي، إلا تجربة تجمع "بريكس"
 
افراسيانت - افريقيا كنز ثمين ولكنه مختبيء خلف ستار، تتعمد القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة إخفائه وتسخيره للاستفادة منه... الغريب في الأمر إنه في نفس الوقت الذي يتصارع فيه العالم على الحصول على المواد الخام ومصادر الطاقة، نجد أنه لم يتم الاستفادة من كنز ممتلىء بالموارد الطبيعية الواسعة، والفرص الاستثمارية التي من الممكن أن تُغير خريطة العالم اقتصاديا وماليا وحتى سياسيا.


منذ مطلع الألفية الثالثة، وقمم الشراكة الاقتصادية تتواصل بين أفريقيا والدول الكبرى والصاعدة، مع أميركا والصين والاتحاد الأوروبي وتركيا، وكانت هناك قمة عربية أفريقية، ولكنها لم تحظ بما ظفرت بها الفاعليات مع الكيانات الأخرى. فالعرب على ما يبدو ممنوعون من الاستثمار في افريقيا بقرار امريكي يجسد مبدأ حروب الموارد الناعمة . ولان الانظمة العربية الغنية رهن اشارة التوجهات الامريكية فاتها غالبا ما تنصاع الى هذه التوجهات رغم اليقين بان هذه التوجهات هي حتما ضد مصلحتها .


وعلى الرغم من وقوع معظم دول أفريقيا تحت الاحتلال الأجنبي فترات طويلة، ونهب ثرواتها، وكذلك غياب مشروع للتنمية بمعظم بلدانها، فإن القارة مازالت تحتفظ بموارد طبيعية في مجال الزراعة والمعادن بنسب كبيرة، وهو ما يجعل الدول الكبرى حريصة على شراكتها الاقتصادية مع دول أفريقيا.


يبلغ عدد سكان أفريقيا  نحو 1.3 مليار نسمة، وتبلغ المساحة الجغرافية نحو 30.2 مليون كيلومتر مربع، ويتوقع أن تشهد القارة تزايدا كبيرا خلال السنوات القادمة، ويقدر الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.5 تريليون دولار، وقد بلغ معدل النمو الاقتصادي عام 2018 نحو 4.3%.


تنتج أفريقيا نحو 5.2 ملايين برميل نفط يوميا، ولديها نحو 12% من احتياطيه العالمي، وقرابة 10% من احتياطيات العالم من الغاز، وبلا شك فإن معدلات النمو الطموحة لأفريقيا خلال الفترة القادمة ستجعلها بحاجة شديدة لكل احتياطاتها من النفط والغاز، ولذلك تتوجه العديد من الدول الأفريقية للاستفادة من إنتاج الطاقة المتجددة.


كما تمتلك أفريقيا نسبة 18% من إنتاج اليورانيوم المستخدم في الصناعات النووية، ولديها 33% من احتياطيات العالم من هذا الخام، كما تنتج 40% من الإنتاج العالمي من الألماس.


وتستحوذ أفريقيا على 25% من الإنتاج العالمي للذهب، كما يتوفر بها 50% من احتياطيات الذهب على مستوى العالم.


إضافة إلى ذلك فإن أفريقيا تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، تقدر بنسبة 60% من الأراضي الزراعية على مستوى العالم، ولكن لا تحظى بالاستغلال الأمثل، وجانب كبير منها غير مزروع.


ان الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وإن كانت القمم العربية الأفريقية وغيرها تأخذ واجهة اقتصادية، إلا أن المشروعات السياسية تتصارع في أفريقيا على قدم وساق، ولا مانع من الاستفادة من خيرات أفريقيا التي تتمثل في المواد الخام، وكذلك حالة الاستقرار السياسي والتقدم الديمقراطي النسبي للدول الأفريقية الذي مكن لأن تكون أفريقيا سوقا نشطة للسلع والمنتجات تامة الصنع.


إن الشراكات الإستراتيجية تعتمد على تبادل المصالح الآنية والمستقبلية، وليس الحديث عن عمق العلاقات التاريخية، ولذلك فنتائج القمة العربية الأفريقية الرابعة يمكن اعتبارها تكريسا لفرقة عربية أفريقية وليس شراكة إستراتيجية. بالرجوع للتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2015، تبين أن التوزيع الجغرافي لحركة التجارة الخارجية للعالم العربي تخلو تماما من وجود لأفريقيا ككيان إقليمي أو حتى على صعيد الدول ضمن الشركاء الرئيسيين للعالم العربي، سواء في مجال الصادرات أو الواردات.


وكذلك الحال بالنسبة لأفريقيا، فما زالت الصين تهيمن على صدارة الشركاء الرئيسيين لأفريقيا منذ مطلع عام 2000، وذلك بما تملكه الصين من حركة صادرات نشطة، وكذلك جسر علاقات التعاون الاقتصادي والثقافي، من منح تعليمية أو تمويل مشروعات بنية أساسية أو إسقاط ديون وغير ذلك من الإجراءات ذات المردود الاقتصادي.


إن ما ترصده أرقام التقرير الاقتصادي العربي الموحد بشأن أفريقيا يأتي في إطار العون الإنمائي والاقتصادي، حيث حصلت أفريقيا على نسبة 20.1% من عمليات التمويل لمؤسسات التنمية العربية في عام 2014، بواقع 3.1 مليارات دولار، ولنا أن نتخيل هذا الرقم في إطار نحو 46 دولة أفريقية (عدد الدول الأفريقية غير العربية).


وإذا ما أشرنا إلى حجم التبادل التجاري بين التجمعين العربي والأفريقي فإننا نتحدث عن قرابة سبعين دولة، ولا يتجاوز التبادل التجاري بينهم ثلاثين مليار دولار سنويا، ويمثل النفط عاملا رئيسيا في هذه التعاملات، ولذلك يميل التبادل التجاري لصالح الدول العربية، وفي الوقت نفسه نجد أن التبادل التجاري للصين وحدها مع أفريقيا يفوق الـ 130 مليار دولار سنويا، وهذا هو الفارق بين السعي الحقيقي لإيجاد شراكة إستراتيجية والحديث الذي لا يتجاوز قاعات الاجتماعات. ثمة لافتات ترفع في إطار العلاقات بين تجمعات الدول النامية منذ ستينيات القرن العشرين، مثل تعاون "الجنوب-جنوب"، ولكن الواقع يعكس غير ذلك تماما، حيث يكرس أداء اقتصاديات هذه الدول أنها تسير في إطار المخطط الرأسمالي الحاكم للعلاقات الاقتصادية الدولية، وهو نظرية "المركز والمحاور" حيث ترتبط كل مجموعة من الدول النامية بواحدة من الدول الرأسمالية الكبرى، وعادة ما تكون الدولة التي كانت تستعمر هذه المجموعة من الدول النامية.


ليس هنالك من توجهات لكسر حاجز التبعية لاملاءات الولايات ىالمتحدة الامريكية سوى " تجمع بريكس " اذ لا توجد حالة نجاح بين الدول النامية للخروج عن المخطط الرأسمالي، إلا تجربة تجمع "بريكس" حيث استطاع هذا التجمع إحداث حالة من التوازن في العلاقات الاقتصادية الدولية، وإن كانت التجربة لا تزال في البداية ولكنها تجربة واعدة بالتاكيد . ويمكن للدول الخليجية ان تحذو جذو الجزائر ومصر وغيرها من الدول التي ترغب فعلا من التحرر من تبعية الولايات المتحدة الامريكية .


وبالنظر إلى العلاقات العربية الأفريقية، يلاحظ أنها تعاني من مجموعة من المشكلات، حيث إن هذه الدول سواء العربية أو الأفريقية لها خصائص اقتصادية متنافسة، فمثلا تعتمد صادرات الدول العربية والأفريقية على السلع الأولية، وفي أحسن تقدير على تصدير بعض السلع التقليدية ذات القيمة المضافة الضعيفة.


كما تتنافس كل من الدول العربية والأفريقية على استقدام الاستثمارات الأجنبية، كما أن هذه الدول تفتقد لإنتاج التكنولوجيا، وتضطر إلى استيراد العدد والآلات من الغرب ومؤخرا من الصين والهند وبعض الدول الصاعدة الأخرى، فضلا عن عدم دخول الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية حيز التنفيذ، كما لا توجد منظومة إقليمية في كياني جامعة الدول العربية أو الاتحاد الأفريقي تلزم هذه الدول بمستهدفات في إطار تعاون أو تكامل أو شراكة اقتصادية حقيقية.


ومن هنا فالعلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول العربية والأفريقية تأتي في إطار التنافس وليس التكامل، وإن الحديث عن إمكانية وجود شراكة إستراتيجية بين الطرفين هو من قبيل المجاملات الإعلامية أو السياسية، وليس له نصيب من الواقع الحالي ولا المستقبل المنظور على صعيد الأجلين القصير والمتوسط.


رغم أن عودة صياغة العلاقات العربية الأفريقية في شكل مشروع بين كيانين إقليميين وهما جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، أتت من خلال قمتين إحداهما في ليبيا عام 2010 والثانية في الكويت عام 2013، فإنهما لم يغنيا عن حالة السبق من قبل قوى دولية ودول صاعدة لديها إمكانيات الشراكة الحقيقية، لكن تاريخ الشراكة الإستراتيجية للعلاقة بين العرب وأفريقيا يبدأ من مؤتمر القاهرة في عام 1977، ولكن وضع القمتين في ليبيا والكويت كان يعكس إمكانيات اقتصادية أفضل، حيث كانت تتوفر للدول العربية وفورات مالية من ارتفاع سعر النفط الذي استمر لأكثر من عقد من الزمن، وكان يمثل لأفريقيا وغيرها مستهدفا لاستجلاب الاستثمارات أو نمو العلاقات التجارية والاقتصادية.


ولكن مع انعقاد القمة الرابعة في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، نجد أن وضع العرب أكثر ضعفا، ولم يعد يساعد على وجود حقيقي في واقع اقتصاديات أفريقيا، فدول الفائض العربي أصبحت تعاني ما تعانيه الدول الأفريقية من عجز بالموازنات العامة واتباع برامج للتقشف، وتعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، بل واتجهت الدول النفطية العربية إلى الاستدانة الخارجية بعد البدء في الاستدانة المحلية في عام 2015.


إن التقديرات بشأن صراع القوى الاقتصادية العالمية في أفريقيا لم تعد تقتصر على الاتحاد الأوروبي والصين وأميركا، ولكن المشهد يكرس لصراع حقيقي بين كيانات أخرى من تركيا وإيران وإسرائيل صاحبة الوجود الممتد على مدار العقود الأربعة الماضية..


تزايد التدخل الامريكي للهيمنة على سرقة الموارد الافريقية تحت عناوين الاستثمار حين تعهد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بأن تستثمر الشركات الأمريكية ما قيمته 14 مليار دولار في أفريقيا، في قطاعات مثل الطاقة والبنى التحتية.


وأعلن أوباما عن هذا المبلغ في قمة أفريقيا-الولايات المتحدة الأولى، التي حضرها، أكثر من 40 من قادة الدول الأفريقية.


وقد هدفت القمة إلى تعزيز العلاقات الأمريكية الأفريقية، أمام تزايد الاستثمارات الصينية في أفريقيا.


وتتضمن الصفقات المتفق عليها اتفاق شراكة بقيمة 5 مليارات دولار بين شركة بلاكستون الخاصة وأغنى رجال أعمال أفريقيا، أليكو دانغوت، في مجال البنى التحتية والطاقة، بدول جنوب الصحراء الأفريقية، واستثمارات أخرى ضمن مبادرة أوباما للاستثمار في أفريقيا.


وأعلن البنك الدولي استثمار 5 مليار دولار في إطار مبادرة أوباما في أفريقيا، كما التزمت شركة جنرال إلكتريك بملياري دولار لدعم البنى التحتية وتوفير الطاقة في أفريقيا.


وقال مدير عام جنرال إلكتريك، جف إيملت: "تركناها للأوروبيين أولا، ثم بعدها للصينيين، أما اليوم فأبوابها مفتوحة لنا".


وقال أوباما إن الولايات المتحدة ستمنح 7 مليارات دولار إضافية لتمويل حملة تشجيع الاستثمار في أفريقيا، ليصبح إجمالي التزامات الولايات المتحدة الاستثمارية في أفريقيا المعلن عنها 33 مليار دولار.


قامت الحكومة الأمريكية، منذ عام 2021، في إبرام أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه عبر 47 دولة أفريقية بقيمة إجمالية تقدر بأكثر من 18 مليار دولار، وأغلق القطاع الخاص الأمريكي صفقات استثمارية في إفريقيا بقيمة 8.6 مليار دولار. وقد بلغ إجمالي السلع والخدمات الأمريكية المتداولة مع إفريقيا في عام 2021  83.6 مليار دولار. وتدعم هذه الاستثمارات والبرامج المبادرات الشاملة PGII وازهار أفريقيا وطاقة أفريقيا.


وأعلن الرئيس بايدن، في منتدى الأعمال الأمريكي الأفريقي ، عن أكثر من 15 مليار دولار في الالتزامات التجارية والاستثمارية والصفقات والشراكات التي تعزز الأولويات الرئيسية، بما في ذلك مجالات الطاقة المستدامة والأنظمة الصحية والأعمال الزراعية والاتصال الرقمي والبنية التحتية والتمويل. وكانت إدارة بايدن هاريس قد استثمرت، منذ كانون الثاني/يناير 2021، وهي تخطط لاستثمار أكثر من مليار دولار في التجارة والاستثمار والتنمية الاقتصادية في إفريقيا.


اذن هل يمكن القول إن حالة الانقسام العربي الناتجة عن الصراعات السياسية والحربية غير مؤهلة لأن يقيم العرب شراكات إستراتيجية مع أفريقيا أو غيرها من قوى إقليمية أخرى؟ ولكنه أعتقد قد آن الأوان لتبدأ دول مجلس التعاون الخليجي وضع مُخطط منظم جماعي يشجع رواد أعمالهم ويحفز شركاتهم الناشئة على القدوم للقارة السمراء والاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة، وابتكار برامج استثمارية تُفيد القارة السمراء، وتعود في نفس الوقت بالفائدة على السوق الخليجي، الذي يتطلع لتنمية قدراته الغذائية وتوسيع موارده الطبيعية وتنويع مصادره الاستثمارية، وكما قلنا فان الطريق سيكون ممهدا من خلال تجمع بريكس الذي سيكون ضامنا اكيدا لاعضاءه من تاثيرات التدخل الامريكي الفج.


بعد كل هذه الارقام .. هل ستسمح امريكا للعرب بالاستثمار في افريقيا ؟ وهل يمكن ان يتمرد اغنيائهم على الاملاءات الامريكية ؟ انها ضرورة يجب ان تكون .

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology