افراسيانت - في اعتراف غير مسبوق ,يؤكد مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الاتحاد الأوروبي يدعم أوكرانيا ليس من منطلق حبه للشعب الأوكراني، ولكن لأن ذلك يصب في مصلحة الغرب الخاصة وواشنطن.
يقول في مقابلة مع قناة "سي إن إن" التلفزيونية الأمريكية: "لا يمكننا أن نسمح لروسيا بالانتصار في هذه الحرب. لأن مصالح الولايات المتحدة وأوروبا ستتضرر بشدة. الأمر ليس من باب بالكرم. ولا يتعلق بدعم كييف لأننا نحب الشعب الأوكراني. بل لأن هذا يصب في مصلحتنا، وفي مصلحة الولايات المتحدة كلاعب عالمي".
وكان قد أكد في وقت سابق أنه إذا انتصرت روسيا في أوكرانيا، "فسيكون لذلك عواقب وخيمة على أمريكا وعلى نظام التحالفات القائم حول الولايات المتحدة وأوروبا"، مضيفا أنه في مثل هذا السيناريو، "لا يمكن لأي دولة أن تكون واثقة" من أن الولايات المتحدة "سوف تهب لمساعدة أي حليف" يتعرض للهجوم.
ومع ذلك تُظهر الأرقام والتحليلات والوقائع، أنّ الغرب "أخطأ في حساباته"، وفشل في رهانه على إخضاع روسيا، وعرقلة صعودها وانتشارها في محيطها، ونمو اقتصادها، وخوضها انتخابات رئاسية.
قبل أكثر من عامين، قرّر الغرب تحويل أوكرانيا إلى ساحة حرب مع روسيا عسكرياً وسياسياً، بهدف تطويقها وخنقها وعزلها عن محيطها، وأيضاً، لكبح صعودها كدولة ذات قوة اقتصادية في العالم.
لكن بعد مرور أكثر من عامين، سعى فيها الغرب، بالعقوبات الاقتصادية الهائلة والخطابات والدعايات المُحرّضة على روسيا ورئيسها، لدعم كييف وكسر موسكو، تُظهر الأرقام والتحليلات والوقائع أنّ الغرب "أخطأ في حساباته"، وفشل في رهانه على إخضاع روسيا، وعرقلة صعودها وانتشارها في محيطها، ونمو اقتصادها، وقد خاضت انتخابات رئاسية، بعد كل التحديات التي واجهتها البلاد في العامين الماضيين.
إذاّ، كيف تكشّف إخفاق الغرب في تحدّي روسيا في الشقين السياسي والاقتصادي؟
نجحت روسيا، طوال عامين من الحرب، في تحدّي محاولات عزلها دولياً، عبر تعزيز علاقاتها وروابطها السياسية والاقتصادية مع شركائها المقرّبين، مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران والبرازيل. وهي دولٌ قدّمت المساعدة لموسكو بأشكال مختلفة.
كما استطاعت روسيا خلق وتطوير شبكة علاقات قوية في أجزاء من آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، وتوسيع حضورها أيضاً في أفريقيا والهند، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".
وكان بوتين قد تحدّث، بدوره، عن مسألة التعاون الروسي مع دول الإقليم ورؤيته في هذا الإطار، قائلاً إنّ "التعاون بين روسيا ودول آسيان يتطوّر بشكل إيجابي"، ومؤكّداً أنّ "موسكو تتمتع بعلاقات جيدة طويلة الأمد مع الدول العربية والأفريقية".
وأشار أيضاً إلى أنّ "هناك دولاً جديدة تنضم بنشاط إلى منظمات مثل منظمة شانغهاي للتعاون وبريكس"، لافتاً إلى أنّ "موسكو ستقوم بالتعاون مع الدول الصديقة، بإنشاء ممرات لوجستية فعّالة وتطوير التفاعل على أساس المساواة".
وقد بات من الواضح اليوم، أنّ روايات الزعماء الغربيين بشأن عزلة روسيا هي روايات بعيدة عن الواقع، خاصةً وأنّ العديد من الدول أحجمت عن الانحياز إلى أي طرف في صراعات القوى العظمى، وعارضت القرارات التي تدين روسيا في المحافل الدولية، مثل جلسات الأمم المتحدة.
في هذا السياق، قال مؤرخ الحرب الباردة في الجامعة الكاثوليكية الأميركية، والذي كان أيضاً مسؤولاً في وزارة الخارجية في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، إنّ "روسيا ليست محاصرة بأي حال من الأحوال"، فهي ليست محاصرة لا سياسياً ولا اقتصادياً، بل وتنشر رسالتها بشأن الحرب".
من الناحية الاقتصادية، استطاعت روسيا أن تواجه محاولات حصارها وفرض العقوبات على نفطها وغازها وشركاتها، بقوّتها المتمثلة في إمداداتها الهائلة من النفط والغاز الطبيعي، والتي "كانت سبباً في تعزيز قدرتها الاقتصادية، والسياسية أيضاً"، والتي مكنتها من الصمود في وجه عاصفة المقاطعة الغربية.
فقد تحدّى الاقتصاد الروسي التوقعات المتشائمة بشكل متكرر خلال العامين الماضيين، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إذ إنّ "الانهيار المالي، الذي كان متوقعاً على نطاق واسع في ربيع عام 2022، لم يحدث قط"، بحسب صحيفة "ذي إيكونوميست".
ووفقاً لـ صحيفة "فايننشال تايمز"، فإنّ "موسكو نجت من الجهود المبذولة لعزل اقتصادها من خلال تطوير علاقات تجارية جديدة مع الجنوب العالمي وزيادة الاستثمار في الإنتاج المحلي".
فثروة روسيا من الموارد الطبيعية جعلت منها شريكاً تجارياً جذاباً للغاية بالنسبة إلى الدول التي تعتمد على صادراتها من الطاقة والمعادن والغذاء، بحيث لا يمكنها التخلي عنها.
وبحسب الأرقام، فقد ارتفعت التجارة مع الصين بنسبة 32% على أساس سنوي في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 إلى 155 مليار دولار، في حين تضاعفت التجارة مع الهند 3 مرات في النصف الأول من العام نفسه إلى 33 مليار دولار، وفقاً لوكالة أنباء ريا نوفوستي الحكومية.
كما أنّ هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى ضائقة الشركات، فالواقع أنّ معدل إغلاق الشركات بلغ مؤخراً أدنى مستوى له منذ 8 سنوات، في وقتٍ تأمل بورصة موسكو أن تشهد أكثر من 20 طرحاً عاماً أولياً هذا العام، ارتفاعاً من تسعة في العام الماضي، وفق وكالة "بلومبرغ".
ويبدو أيضاً أنّ روسيا لا تزال تتجه نحو "الهبوط الناعم"، حيث يتباطأ التضخم، وأصبح أداء الاقتصاد "يتماشى مع اتجاه ما قبل الحرب"، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية بأكثر من 3% العام الماضي، ولا تزال البطالة عند مستوى قياسي منخفض.
وتبعاً لهذه الوقائع، تتزايد الثقة بين النخبة في موسكو بأنّ "روسيا خرجت سالمة نسبياً، على الرغم من المخاوف من أن تؤدي العقوبات إلى انهيار الاقتصاد في وقت مبكر من الحرب".
وكان صندوق النقد الدولي قد صرّح بأنّ الاقتصاد الروسي سينمو بنسبة 2.6% في عام 2024، أي أكثر من ضعف النمو البالغ 1.1% في الناتج المحلي الإجمالي الذي حقّقه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
إذاً، بعد سنتين على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يسير الاقتصاد الروسي على الطريق الصحيح لتجاوز النمو الأميركي، وفق مجلة "نيوز ويك" الأميركية.
هذه المرونة الواضحة التي تتمتع بها روسيا، على الرغم من عزلتها عن الأسواق العالمية ومحاولات قطع سلاسل التوريد، كانت بمثابة نقطة فخر لبوتين، الذي قال الأسبوع الماضي إنّ "مرحلة التعافي بالنسبة إلى الاقتصاد الروسي قد انتهت" بعد التخلص من ضغوط خارجية غير مسبوقة".
وبما ان ذلك لا يرضي الاطلسيين الذين يحاربون روسيا فلا يزال الوهم الهستيري يسيطر على عقولهم ويدفعهم الى المزيد من محاولات الحاق الاذى بروسيا.
في نهاية فبراير، يصرح الرئيس الفرنسي ماكرون بأن باريس ستبذل قصارى جهدها لمنع روسيا من "الانتصار" في الصراع الأوكراني. ووفقا له، ناقش زعماء الدول الغربية إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا، ولكن لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء حول هذه المسألة.
وخلال اجتماعه مع زعماء المعارضة في أوائل مارس، أكد ماكرون أن فرنسا "ليس لديها حدود ولا خطوط حمراء" في يتعلق بمساعدة كييف.
يقود ماكرون فكرة ارسال قوات من الناتو الى اوكرانيا علما ان هذه القوات موجودة فعليا وتاكيدا على ذلك يؤكد وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور وجود عسكريين من جميع الدول الأعضاء في حلف "الناتو" في أوكرانيا.
يقول الوزير في مقابلة مع صحيفة "دي بريس" النمساوية: "الحقيقة هي أن كل دولة عضو في الناتو لديها أفراد عسكريون في أوكرانيا، ويضيف: "نقوم بتدريب الأوكرانيين في بريطانيا، وقد تم تدريب 1500 جندي أوكراني هنا في إستونيا، وعددا كبيرا في بولندا. والسؤال هو ما إذا كان بوسعنا أن نقوم بنفس الشيء في أوكرانيا لتسريع عملية التدرب، لأن كل رحلة عبر الحدود تستغرق وقتا، وفي محاولة تبرير اقوال ماكرون يوضح أن تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن إرسال قوات إلى أوكرانيا "تتعلق بشكل أساسي بمجال التدريب".
فيما يعلن ماكرون ايضا عن تشكيل "التحالف التاسع" لتزويد أوكرانيا بصواريخ متوسطة وطويلة المدى، ويعد بأن باريس ستبذل قصارى جهدها لمنع روسيا "من الانتصار في هذه الحرب".وأنه لا ينبغي "استبعاد" إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا.
فيما يعلن وزير القوات المسلحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو أنه يدرس جديا إرسال طلبات إلى الشركات المصنعة في قطاع الأسلحة لتسريع الإنتاج، للمرة الأولى منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
ويعتبر الضغط الذي يحاول الوزير ممارسته بمثابة خطوة ملموسة في أعقاب التصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في يونيو/حزيران 2022 لدعم كييف، والمتمثل في اعتماد ما أسماه "اقتصاد الحرب".
من جانبه، يرى المستشار السابق بالخارجية مناف كيلاني أن هذا المسار هو "إعلان سياسي لتغطية عري الجيش" لأن البلاد لا تملك الوسائل اللازمة لجيوشها، خاصة فيما يتعلق بالقدرة العسكرية، مثل طائرات "إي إم إكس" التي دمرها الروس.
ويتمثل السبب وراء ضعف أداء وكفاءة الأسلحة الفرنسية على أرض المعركة في أوكرانيا بكونها "قديمة وغير فعالة لأنه تم تكييفها حصرا للحملات الاستعمارية التي قامت بها منذ الستينيات حتى الآن" وفق نفس المتحدث.
كما وصف كيلاني تصريحات الوزير بأنها "كاذبة ومضللة ومنفصلة عن الواقع" لافتا إلى أن المهنة العسكرية في فرنسا لم تعد تجذب المواطنين بعد أن أقدم عدد من الضباط على الاستقالة وأصبح الجيش يجد صعوبة في تجنيد عناصر جدد.
الولايات المتحدة الامريكية بالطبع تقف خلف كل هذه التحركات من خلال تابعيها اي الاوربيون بشكل خاص والذين تحولوا وكانما هم يديرون مستعمرات امريكية لا تملك اي قرار ومحكومة بالتعليمات الامريكية .
اخر التحركات الامريكية يتمثل وفق ما أعلنت عنه وزارة الدفاع المولدوفية انطلاق مناورات "جي سي إي تي-2024" بمشاركة قوات خاصة من مولدوفا ورومانيا والولايات المتحدة.
يشار هنا إلى أن دستور البلاد ينص على أن مولدوفا دولة محايدة، غير أنها، منذ عام 1994، تتعاون مع حلف "الناتو"، بموجب اتفاقية شراكة.
ومع وصول حزب "العمل والتضامن" إلى السلطة، الذي تتزعمه بشكل غير رسمي الرئيسة مايا ساندو، تجري مولدوفا مناورات بمشاركة عسكريين من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ورومانيا.
بالمقابل يجدد السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف توجيه الحديث للرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون .. مذكراً إياه بأن سقوط نابليون بدأ بعد غزوه لروسيا".
يكتب بوشكوف على قناة تيليغرام: هل يطلع إيمانويل ماكرون على الأحداث التاريخية أصلاً؟ أم أن التاريخ بالنسبة له بدأ بعد وصوله إلى قصر الإليزيه؟ ربما علينا أن نذكره بأن سقوط نابليون بدأ بدخول جيشه المؤلف من 530-550 ألف جندي إلى روسيا في عام 1812.
ويشير بوشكوف إلى أنه تم تدمير جيش نابليون بأكمله تقريبا، ونهر بيريزينا، الذي تعرض العدو على ضفافه لخسائر فادحة، ورد ذكره في التاريخ الفرنسي باعتباره تجسيدا للكارثة التي تعرض لها جيش نابليون.
وأشار السيناتور أيضا إلى أنه قبل 210 سنوات بالضبط، وتحديدا في 31 مارس 1814، أدت المغامرات المتهورة التي أقدمت فرنسا على القيام بها عندما شنت حربا على روسيا لسقوط باريس.
في ذلك الوقت، بحسب بوشكوف، كانت غالبية جيش التحالف من الروس، (63 ألف جندي). وفي 6 أبريل 1814، كان نابليون مجبرا على التنازل عن العرش.
يقول احد المؤرخين ان روسيا لا تعرف سوى الانتصار مذكرا بان روسيا ذهبت للنهاية في حربها ضد نابليون وكذلك ضد هتلر والنازيون الذين يقاتل اشباههم روسيا اليوم.. هكذا هو التاريخ .
في الخلاصة، لم تتحقق آمال الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، في عزل روسيا، وهم إلى الآن، لم يتقبّلوا خيبتهم بأنّ تدابيرهم التقييدية باءت بالفشل إلى حد كبير، ولم "يأخذوا في الاعتبار هذه الواقع بشكل كامل"، بحسب بعض الخبراء الروس.
إنّ تجربة روسيا هذه في مواجهة أشرس أنواع محاولات العزل السياسي والاقتصادي، إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على فشل سلاح العقوبات للضغط على الدول وإجبارها على الانسياق تبعاً لما تريده الولايات المتحدة وحلفائها، وقد أظهرت نموذجاً جديداً للعالم في سبل الالتفاف على مثل هذه العقوبات، ومحاربة سياسات الغرب الإلغائية، يضاف إلى النموذج الإيراني والصيني، ويبشّر بالتأسيس لقوّة عالمية خارجة عن سلطان الاقتصاد الغربي وتأثيرات عقوباته المتمادية.