افراسيانت - زكريا شاهين - لا تخفي الولايات المتحدة دائما ميلها الى الهيمنة والتوسع لكن ذلك لا يسير وفق ما تريده خاصة اذا كانت الدولة المقصودة بالاستهداف الامريكي بحجم الجزائر التي تعتمد استراتيجية ثابتة في تعاملها مع مختلف القضايا الاقليمية والدولية .
في الاونة الاخيرة ومنذ عدة شهور تعددت زيارات مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا إلى الجزائر، وكانت آخرها زيارة وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، والذي التقى رئيس البلاد عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة.
وأثارت هذه الزيارات أسئلة عدة حول ما تريده الولايات المتحدة من الجزائر، خصوصا بعد مرور أكثر من 15 عاما على زيارة دونالد رامسفليد، آخر مسؤول أمريكي رفيع المستوى يزور الجزائر، ومع تصريح إسبر وتمنيه بأن تكون زيارته سببا في تدعيم الشراكة والصداقة الجزائرية الأمريكية.
ان اقل ما يمكن قوله ان الولايات المتحدة الامريكية تهدف ال توسيع نفوذها في المنطقة
فقد شملت زيارة إسبر ثلاث دول مغاربية، فحل ضيفا على كل من عواصم تونس والجزائر والمغرب، والتقى كبار المسؤولين فيها، ليعكس طموح بلاده في توسيع النفوذ هناك، بعد غياب عن الساحة الأفريقية لفترة طويلة، حيث كان التركيز الأمريكي منصبا على منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا الخليج العربي ومحيط إسرائيل، وبدت هذه الرغبة واضحة في تصريح الوزير الأمريكي بمواجهة النفوذ الصيني والروسي، فخرج بتصريح بعد لقاء المسؤولين في تونس، بأن عدم الاستقرار في المنطقة يفاقمه الأنشطة الخبيثة الصينية والروسية في القارة الأفريقية.
من الممكن إدراج التحركات الأمريكية ضمن الحرب الباردة الجديدة، التي اشتعلت تجاريا بين الولايات المتحدة مع الصين، بعد أن وضع العملاق الآسيوي أقدامه في القارة السمراء بكل ثقة، عبر مشاريع استثمارية واقتصادية ضخمة وتبادل تجاري كبير مع دول أفريقية، يقابل كل ذلك علاقات روسية متميزة جدا مع إفريقية، وتحديدا مع دول شمال أفريقيا العربية، واعتماد العديد من الدول الأفريقية على المعدات الروسية لتسليح جيوشها، وعلى رأسها الجزائر التي تعتبر أكبر شريك لروسيا في القارة الأفريقية، وتوج كل ذلك القمة الأفريقية الروسية العام الماضي في منتجع سوتشي، بحضور الكثير من القادة والمسؤولين الأفارقة.
وتثبت هذه الإدعاءات صحيفة "واشنطن بوست" والتي تقول بأن المسؤولين الأمريكيين قلقون من توسع نشاط روسيا والصين في أفريقيا، بعد أن حولوا تركيزهم على مواجهة خطرهم المتزايد، وخصوصا بعد نية قادة البنتاغون بتخفيض قواتهم في افريقيا، كجزء من تعديل القوات المرتبط بهذا التحول.
كل هذا قد يدفع الولايات المتحدة إلى لعب دور أكثر قوة على الساحة الأفريقية، محاولة أن ترسخ دورها كقائدة للعالم، وإن كانت نهاية نظام القطب الواحد قد لاحت في الأفق وبزوغ نجم قوى جديدة على الساحة الدولية.
وبحسب مجلة "آرمسكي ستاندرات" فقد اشترت الجزائر من موسكو أسلحة بقيمة 13.5 مليار دولار، ما بين عامي 2006 و 2018، لتكون أكبر الموردين للسلاح الروسي في القارة السمراء، بالإضافة إلى العديد من الصفقات مع دول الجوار وفي مختلف أنحاء القارة، وهو ما يجعل لعاب القادة الأمريكيين يسيل للاستحواذ على السوق الأفريقية في مجال التسليح.
ويبدي المتحدث باسم القيادة الأمريكية في أفريقيا العقيد كريس كارنز امتعاضه من صفقات السلاح الروسية هناك، وكونها أكبر مورد للأسلحة في المنطقة، ويعترف أن المسؤولين الأمريكيين يحاولون إثبات أن أسلحتهم والتدريبات الأمريكية المتفوقة ستكون أكثر فائدة لهم، ولو أنها ستورد مع مزيد من الشروط مثل مراقبة الاستخدام النهائي أو قواعد حقوق الإنسان.
وهو ما ترجمه وزير الدفاع الأمريكي في مباحثاته مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ودعمه لتوسيع العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين، والعمل يدا بيد على تطوير وتعزيز ما وصفها بأنها علاقات متينة وطويلة، وأبدى ثقته بإمكانية العمل المشترك بين الطرفين.
تعتبر الجزائر إحدى أبرز القوى العسكرية في الشمال الإفريقي، بجيش يبلغ تعداده 130 ألف عسكري، ويحتل المرتبة الثانية في ترتيب جيوش القارة بعد الجيش المصري، كما تربط الجزائر حدود طويلة مع اثنتين من أسخن البؤر في إفريقيا حاليا، حيث تربطها حدود طويلة وصحراوية مع ليبيا التي تشهد نزاعا داميا في السنوات الأخيرة، وكذلك هي الحدود مع مالي، الدولة الإفريقية بانقلابها العسكري الأخير والجماعات الإرهابية الناشطة فيها.
ويجعل الموقع الجغرافي للجزائر لاعبا أساسيا في هذه الملفات، يزيد على قوة الجزائر علاقاتها الجيدة مع مختلف الأطراف في إفريقيا، كما أن التعديل الدستوري الذي يسمح بمشاركة الجيش في مهام خارج الحدود قد يفعل الدور الإقليمي للجزائر، وهو ما يجعل العلاقات مع الجزائر مكسبا مهما لأي طرف يريد لعب دور محوري في الصراعات التي تحدث في القارة الإفريقية، وإن كانت هذه المشاركة مرتبطة بالعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، وأن تحصل على موافقة ثلثي أعضاء البرلمان كما وضح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
اكتسبت الجزائر خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب الذي عانت منه طويلا، ومع التهديدات الإرهابية من القارة الأفريقية، يرى المسؤولون الأمريكيون ضرورة التعاون في هذا المجال، خصوصا وأنهم يرفعون شعار مكافحة الإرهاب منذ ما يقارب عشرين عاما.
الجزائر تؤكد انها"تغلبت على الإرهاب وحدها ودون مساعدة من أي طرف أجنبي كان"، وذلك إلى "عزيمة وإصرار قواتها المسلحة والتعاون الوثيق بين مختلف الأسلاك الأمنية وكذا القناعات العالية للمواطنين".
عند زيارة قائد "أفريكوم" إلى الجزائر وهي الأولى من نوعها منذ تولي تبون رئاسة البلاد، وكانت آخر زيارة في أبريل/نيسان 2018، أجراها القائد السابق للقوات الأمريكية في أفريقيا الجنرال توماس وولدهاوسر. كشفت حينها تقارير إعلامية محلية، بأن الجزائر "أبدت تحفظاً على طلب إشراك جيشها في الحرب على الإرهاب خارج حدودها، وتحديدا في منطقة الساحل الأفريقي".
كذلك فقد جدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، رفض بلاده أي تدخلات خارجية في ليبيا، مطالبا بضرورة مغادرة المرتزقة الأجانب الأراضي الليبية.
وأكد تبون، خلال كلمته أمام الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الجزائر عملت على التقريب بين الفرقاء في ليبيا وجمعهم في مفاوضات حول عملية سياسية.
وقال الرئيس الجزائري: "سياستنا الخارجية مبنية على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها"، مطالبا بضرورة مغادرة جميع المرتزقة الأجانب الأراضي الليبية.
وعن الوضع في دولة مالي قال تبون: "نتابع عن قرب الوضع الحساس في مالي ونتطلع إلى عودة سريعة للنظام الدستوري".
وفيما يخص الوضع الداخلي في بلاده، جدد الرئيس الجزائري التزام بلاده بمحاربة الإرهاب والتطرف باعتبارهما تهديدا للأمن والتنمية في العالم.
وأضاف: "قاربنا على الانتهاء من وضع إطار وطني لقياس مدى التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة".
وأكد تبون أن الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ دعائم الديمقراطية وتكريس بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية.
كل هذه الامور لا تعجب الجانب الامريكي الذي يرى ضرورة ان تكون الجزائر تابعا وليس متحررا ومتمسكا بثبات مواقفه وسياساته الداخلية والخارجية لذلك سرعان ما لجأت امريكا لمحاولة زج الجزائر في مسالة خرق حقوق الانسان من خلال ما تدعي انها منظمان دولية مختصة فيما هي اداة بيد واشنطن .
على كل حال ووفق مراقبين، فإن الولايات المتحدة وانطلاقا من التحولات التي تشهدها الجزائر على المستوى التشريعي (الدستور)، تأمل في الوصول إلى توافق بشأن أدوار أمنية للجزائر في محيطها الإقليمي، وعلى وجه الخصوص في الدول التي كانت محل مباحثات بين الرئيس تبون ووزير الدفاع الأمريكي، مثل ليبيا ومالي ومنطقة الساحل.
سعي الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون العسكري مع الجزائر في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، جاء بعد فشل فرنسا ومن ورائها الأوروبيين، في ضبط الأمن في دولة مالي وجيرانها، رغم القوة العسكرية التي زجت بها باريس في هذا البلد منذ العام 2013، والتي بدأت بعملية “سرفال” وانتهت بـ”برخان” ولم تصل إلى نتيجة إلى حد الآن.
وقد تم التمهيد لزيارة إسبر، بزيارة قائد القوة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، الجنرال ستيفن تاونسند، وهي قوة تضم نحو 800 جندي، وتباحث مع كبار المسؤولين الجزائريين، وتوج زيارته بعبارة قال فيها إن واشنطن “تثق في الجزائر كشريك ملتزم في محاربة الإرهاب”.
كما تولي واشنطن أهمية بالغة للوضع في ليبيا، باعتبارها في تماس مع نشاط (أفريكوم)، غير أن امريكا ترى ان روسيا سبقتها بتعزيز تواجدها في المنطقة، الأمر الذي أحرج إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي استفاق مؤخرا وهو يحاول استدراك ما فات، من خلال العمل على استثمار وضع الجزائر كدولة لها علاقات جيدة مع جميع الأطراف السياسية والقبلية في الجارة الشرقية. ومن خلال الترغيب حينا واشهار ما يسمى زيفا بمسالة حقوق الانسان