افراسيانت - زكريا شاهين - قبل ان تقوم الولايات المتحدة بجر الغرب ورائها لغزو العراق , وقف وزير الخارجية الأمريكي حينئذ كولين باول في مجلس الأمن الدولي عام 2003، حين كان عميدا الدبلوماسية الأمريكية ليلقي خطابا ملوحا بأنبوبة اختبار مدعيا أنها تحتوي على عينات تثبت امتلاك السلطات العراقية أسلحة الدمار الشامل، وتبين لاحقا أن ذلك كان كذبا استخدم كذريعة لغزو العراق , مما دفعه الى الاستقلة لاحقا.
يتكرر المشهد اليوم , ومن خلال العديد من دبلوماسيي الغرب , ولكن هذه المرة ضد سوربا مطلقين التهديدات العسكرية المستفزة , بذريعة استخدام السلاح الكيميائي .
ماذا يخدث .. ولماذا الان ؟
بالطبع .. تقف امريكا على راس المهددين , وهي التي لها سابقة في هذا المجال , اذ تحذر المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن نيكي هايلي، من تقاعس مجلس الأمن عن التحرك بشأن سوريا، مؤكدة أن بلادها ستتدخل في سوريا حال التقاعس.
تضيف: موجهة الكلمة للحكومة السورية قائلة "الولايات المتحدة ما زالت مستعدة للتحرك إذا تطلب الأمر مثلما فعلت العام الماضي عندما أطلقت صواريخ على قاعدة جوية للحكومة السورية بسبب هجوم بالأسلحة الكيماوية أسفر عن سقوط قتلى.
يذكر ان أمريكا قصفت قاعدة جوية سورية بعشرات الصواريخ ردا على مزاعم "كيماوي إدلب"في 6 أبريل/ نيسان 2017 , حين أطلقت سفينتان أمريكيتان صواريخ "توماهوك" على قاعدة الشعيرات الجوية في وسط سوريا.
يلتحق زعماء الغرب بالموقف الامريكي , ليطلقوا مواقف اقل ما يقال عنها انها استفزازية ,دون اية براهين على ما يعتقدون , لكن وقبل ذلك , تلمح وسائل الإعلام الغربية أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تناقش هجمات جديدة على سوريا. وهذا ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقال للصحفيين "إذا تلقينا أدلة دامغة على أن الأسلحة الكيماوية المحظورة بموجب المعاهدات استخدمت.. فسنضرب الأماكن التي أُخذت منها". وتحدث، في المنحى نفسه، وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ووزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون.
لا تتحدث وسائل الاعلام ولو بالتلميح عن ورشات تصنيع اسلاح الكيماوي التي عثر عليها الجيش السوري في اكثر من منطقة قام بتحريرها والتي كان اخرها العثور على ورشة عمل لمسلحين في الغوطة الشرقية تُستخدم في إنتاج أسلحة كيميائية.
العثور على الورشة كان في قرية أفتريس، وأن ما تم العثور عليه يندرج في إطار ما كان يحضّر له المسلحون لاتهام الجيش السوري بشن هجمات كيميائية في الغوطة الشرقية.
من الذي يجزم باستخدام الاسلحة الكيمائية ؟
ورغم ان الخبراء وحدهم هم الذين يمكنهم استخلاص استنتاجات حول استخدام الأسلحة الكيميائية. وهم لم يفعلوا ذلك حتى الان ,فان ابواق الدعاية الغربية تنطلق لتكيل الاتهامات دون اية براهين , لكن ما يمكن استخلاصه , هو انه "كلما ضاق الخناق" على المجموعات المسلحة التي "تلفظ أنفاسها" في الغوطة تأتيها الأوامر من مشغليها لإعادة استخدام الاتهامات الباطلة ضد الجيش السوري باستخدام أسلحة كيميائية ضدّ المدنيين.
لم تفلح امريكا منذ ان القت بثقلها ووكلائها في المنطقة من تركيع سوريا , او ما تقول انها تريد القضاء على الرئيس السوري رغم ان معلومات مؤكدة تحدثت عن أن الاستخبارات الأمريكية كانت قد أعدت في وقت مبكر من العام 2011، للبيت الأبيض، حوالي 50 سيناريوها للقضاء على الرئيس السوري. "لم يأخذ أوباما على عاتقه السير في هذا المنحى. فيما يحاول الرئيس الامريكي الحالي اعادة احياء هذه السيناريوهات رغم الخلافات عى ذلك بين مستشاريه وعسكرييه .
لقد سبق وان أكدت اختبارت أجرتها معامل تتبع لـ “منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لاكثر من مرة ان لا دلائل لديها عن استخدام الجيش السوري للاسلحة الكيمائية .ولذلك , قامت بتعويم الاتهامات وتوزيعا على الجميع .
لقدسبق وان كشف مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري نهاية الشهر الفائت عن معلومات لدى الحكومة السورية تؤكد أن الإرهابيين يحضّرون لعمل إرهابي يتم فيه استخدام الكلور على نطاق واسع لاتهام الجيش السوري بذلك، مضيفاً أن "هؤلاء الإرهابيين لديهم تعليمات صارمة من الاستخبارات الغربية والتركية لفبركة الهجوم الكيميائي قبل تاريخ 13 آذار/ مارس"، ذلك أن انعقاد الدورة الـ87 للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية سيتم بهذا التاريخ.
القوات السورية كانت متنبهة لهذا الامر , فالمؤشرات على عمل عسكري إطلسي وليس أمريكي منفرد مؤشرات حاضرة، وقد تنطلق من استعمال حادث كيماوي مفتعل، لهذه السبب ربما فتشت القوات السورية بدقة الشاحنات الخمس والأربعين المحملة بالمواد الاغاثية التي دخلت الغوطة ، واستبعدت منها بعض المواد مثل بعض أنواع الأدوية أو المنظفات.
يريد مجلس الأمن تطبيق حظر السلاح الكيميائي في العالم لكنه لا يستطيع السيطرة على استخدام هذا السلاح من التنظيمات الإرهابية المسلحة. خاصة مع الحملات الاعلامية المضللة التي تستهدف سوريا .
ذريعة "الكيماوي" لعرقلة الحل السياسي في سوريا
واشنطن تقف بوضوح امام اي حل قد يؤدي الى انهاء الحرب السورية الا اذا كان هذا الحل مفصل على مقاس طموحاتها للهيمنة على المنطقة دون معارضة اي دولة .
تقول ان روسيا تعرقل عمليات التحقق من حالات استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا , لكن روسيا ترغب في انهاء هذا الجدل بتحديد مسؤولية الطرف المستخدم لهذا السلاح ولكن من خلال هيئة مستقلة ,وهي بذلك قدمت مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لإنشاء "هيئة تحقيق دولية" جديدة حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا لتحل محل آلية التحقيق المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة "ولكن اختلاف ما بين الآراء والاتجاهات والأهداف بين البلدين أدت إلى رفض هذا المشروع… فروسيا تسعى إلى أنه يجب أن تكون الهيئة الجديدة مهنية وغير مسيسة وتعمل على أساس بيانات دامغة لا تشوبها شائبة ويتم جمعها بطريقة شفافة وجديرة بالثقة."
أن آلية التحقيق المشتركة السابقة فشلت في إجراء تحقيقات موضوعية حبن أضحت أداة للتلاعب السياسي بيد بعض الدول, فروسيا تشعر بالقلق حيال امتلاك الإرهابيين تقنيات تصنيع الأسلحة الكيميائية وتجاه ظاهرة الإرهاب الكيميائي التي لا تقتصر على الأراضي السورية فقط.
بالمقابل فان واشنطن "أظهرت حقيقتها أمام المجتمع الدولي بأنها لا تريد أي آلية مهنية مستقلة للتحقيق"، ذلك أن أي لجان أو آليات تحقيق مزعومة لن تكون شرعية ما لم يوافق عليها مجلس الأمن.
لا تبتعد سوريا عن فضخ التصريخات الامريكية , اذ تنقل وسائل الاعلام عن مصدر مسؤول في قوله "إن سوريا تؤكد أن هذه التصريحات الأمريكية التي قال أصحابها أنفسهم إنها لا تستند إلى أدلة تثبت صحتها في الوقت الراهن والادعاءات بأن الدولة السورية قد استخدمت غاز الكلور تارة وغاز السارين تارة أخرى تثبت أنها لا تعدو عن كونها أكاذيب مبنية على روايات من سمتهم الإدارة الأمريكية شركاءها على الأرض". وفي نفس الوقت يعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أن روسيا دعت الدول الأعضاء في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية عدم الخضوع لإملاءات أولئك، الذين يرغبون إزاحة السلطات الشرعية في سوريا .
وفي تعليق ريابكوف، فيما يتعلق باجتماع باريس حول ما يسمى "الشراكة الدولية لمكافحة استخدام الإفلات من عقاب استخدام الأسلحة الكيميائية":يقول "إننا ندعو الدول الأعضاء في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لإظهار الإرادة السياسية والحكمة. لا يمكن الاستسلام لإملاءات مجموعة من أولئك الذين هم على استعداد لاستخدام مثل هذه الأساليب الهجومية لتشويه صورة الحكومة الشرعية في سوريا بهدف إزاحتها عن السلطة لاحقا". "الشراكة" هي وسيلة لـ" تحميل" المشاركين التزامات سياسية وسوية تعزيز القرارات المناهضة لسوريا في مجلس الامن الدولي ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ".
وأضاف ريابكوف: "لا تزال التهم عديمة البراهين ضد سوريا وروسيا تصب على خلفية استمرار في الشرق الأوسط، بالتواطؤ مع الغرب عودة الإرهاب الكيميائي، والاستفزاز الصريح للمسلحين باستخدام المواد الكيميائية السامة، و- هذا مهم جدا — على خلفية عدم رغبة واشنطن تنفيذ على الأقل التزاماتها الخاصة في تدمير مخزونات الولايات المتحدة من الأسلحة الكيميائية ".
دارت محاور حلقة "بوضوح"، التي قال فيها عضو البرلمان السوري، النائب عمار الأسد، إن الادعاءات الأمريكية الأخيرة بشأن تطوير دمشق لأنواع جديدة من الأسلحة الكيماوية، هي محاولة يائسة لنسف النجاح الذي حققته سوريا على الصعيد السياسي.
وأوضح خلال حواره في برنامج "بوضوح"، المذاع عبر أثير "سبوتنيك"، إن الذريعة الأمريكية التي تلوح واشنطن باستخدامها بين الحين والآخر، هي سلوك معتاد في السياسة الأمريكية، سواء في سوريا خلال الـ7سنوات الماضية، أم في العراق سابقا، كي تستتر به خلف الفشل الذريع الذي لحق بها وبقواتها في سوريا.
مضيفا، "إن كان هناك استخدام للسارين أو الكلور أو أي من الأسلحة الكيميائية في سوريا، فهو "بأوامر أمريكية موجهة إلى عناصر "داعش"، وإلصاقها بالجيش العربي السوري، مردفا، أن تصنيع غاز السارين يقوم به الإرهابيون باستخدام التكنولوجيا الغربية، بدعم تركي أمريكي مزدوج، رغبة منها في عرقلة نجاح المسار السياسي الذي تسير فيه دمشق في الآونة الأخيرة , مشيرا إلى "تحذير موسكو من وجود تحضير لهجوم إرهابي من قبل المسلحين تخص استخدامهم للأسلحة الكيميائية، منذ مايقرب من شهرين ماضيين.
تشير "رايتس ووتش"، ومقرها في نيويورك، إلى أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أرسلت سابقاً بعثة لتقصي الحقائق في سوريا لكنها "لم تتهم أي جهة بمسؤوليتها عن استخدام الكيماوي" كما لم يشمل التحقيق المجزرة الكيماوية في الغوطة الشرقية وبلدة معضمية الشام في 2013، مطالبة مجلس الأمن بتجديد تفويض لجنة التقصي لمواصلة تحقيقاتها في باقي الهجمات.
مجلس الأمن الدولي تبنى ايضا في الشهر الثالث من العام المنصرم قراراً يدين استخدام غاز الكلور في سوريا، من دون توجيه الاتهام لأي طرف، وهدد بفرض إجراءات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال عدم احترام القرارات الأممية مستقبلاً، حيث يجيز الفصل السابع لمجلس الأمن اتخاذ إجراءات "قاسية" قد تشمل فرض عقوبات، وحتى استخدام القوة العسكرية.
وأشار الرئيس الروسي، في مقابلة أجرته معه الصحفية الأمريكية ميغين كيلي من قناة "إن بي سي"، إلى أن الحكومة السورية قد أتلفت ترسانتها الكيميائية، مؤكدا علم موسكو بتخطيط المسلحين لتزييف هجمات كيميائية من قبل الجيش، على غرار الاستفزازات التي قد حدثت في الماضي، لاستخدامها لاحقا كحجة لتوحيد الجهود الدولية في محاربة الرئيس السوري بشار الأسد.
وقارن الرئيس هذه الاتهامات بخطاب وزير الخارجية الأمريكي حينئذ كولين باول في مجلس الأمن الدولي عام 2003، حين كان عميد الدبلوماسية الأمريكية يلمح بأنبوبة اختبار مدعيا أنها تحتوي على عينات تثبت امتلاك السلطات العراقية أسلحة الدمار الشامل، وتبين لاحقا أن ذلك كان كذبا استخدم كذريعة لغزو العراق.
اذن لماذا كل هذا الضجيج ؟
لماذا اتهام سوريا وحلفاؤها بهذه الاتهامات علما ان روسيا وعل لسان رئيسها تقول وتطالب بإجراء تحقيق شامل في الموضوع لمعاقبة المسؤولين؟ ولماذا لا يثار الضجيج حين يسقط العديد من الضحايا بين المدنيين جراء قصف التحالف الدولي بقيادة واشنطن لمدينتي الرقة السورية والموصل العراقية تحت إطار عمليتي تحريرهما من تنظيم "داعش"؟ .
هي اللعبة القديمة الجديدة في ازدواجية المعايير , ففي الواقع , تاتي هذه التحركات في وقت ادرك الامريكيون ووكلائهم في المنطقة انهم فقدوا اي تاثير يذكر على الارض مع تقدم الجيش السوري وتخبط المنظمات التي لطالما كانت اداة في يد واشنطن ووكلائها.
ليس هذا فقط فالخسارة السياسية افدح من ان تتحملها الولايات المتحدة , فهي تنظر بغضب الى ماحدث في استانا وفي سوتشي حين ترى امكانية ان يتحقق النجاح الدبلوماسي الذي تقوده روسيا لحل معضلة الحرب السورية .
الخلاصة .. وبالرغم من ان امريكا تحاول البقاء داخل المعضلة السورية " البقاء السلبي" من خلال بعض من تواجدها العسكري او من خلال دعم العديد من المنظمات المسلحة فانها تعلم تماما ان لا دور لها مستقبلا في سوريا وربما في المنطقة بفعل الفعل السوري الرسمي المدعوم من حلفاء لا تستطيع الولايات المتحدة الامريكية مقارعتهم.