«فيينا 2» السبت .. وموسكو تطالب واشنطن بتليين مواقف السعودية وتركيا وقطر
افراسيانت - السفير - كتب المحرر السياسي - من كان يستحيل جمعهم، سيلتقون ثانية في فيينا يوم السبت في الرابع عشر من تشرين الثاني الحالي.
هذا الموعد جاء تتويجاً لمشاورات مكوكية أجراها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وشملت خاصة دمشق وموسكو وواشنطن وبعض شخصيات المعارضة السورية، على أن يتوّجها الثلاثاء المقبل بعرض يقدمه أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، ويضمنه أفكاراً تصب في خانة جعل «فيينا 2» محطة مفصلية نحو وضع خريطة طريق للحل السوري، في ضوء المبادئ التسعة التي أرساها «فيينا 1».
واللافت للانتباه أنه في موازاة العمليات الميدانية المستعرة نيرانها على أكثر من جبهة، فوق الأرض السورية، ظل دي ميستورا متمسكاً بإطلاق مبادرات حسن نية في الاتجاهين، بينها محاولة فرض وقف جديد لإطلاق النار في حي الوعر في حمص، في ضوء التقرير الذي رفعته إليه مديرة مكتبه في دمشق السيدة خولة مطر التي زارت قبل أيام قليلة الحي المحاصر منذ نحو سنتين.
ووفق مصادر الأمم المتحدة، فإن الحكومة السورية تجاوبت مع الطرح الدولي، كما فعلت سابقاً في المنطقة المحاصرة التي تصلها مساعدات إنسانية، وبات المسلحون فيها «لا يشكلون حالة خطيرة» على مدينة حمص، على حد تعبير مصادر الأمم المتحدة.
كما أن دي ميستورا أثار خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، مسألة إلقاء البراميل المتفجرة على منطقة دوما في ضاحية دمشق، وذلك بالتزامن مع انعقاد «فيينا 1»، وقال المبعوث الدولي للمسؤولين السوريين إنه بعد دخول الروس عسكرياً على خط الأزمة السورية، صارت هناك ترسانة أسلحة أكثر دقة، «فهل يمكنكم الاستغناء عن هذه البراميل المتفجرة؟».
وكما تبلغ دي ميستورا من النظام السوري، فإن الجانب الروسي اعتبر أن تظهير البراميل بالتزامن مع «فيينا 1»، «هو مجرد عمل دعائي لأهداف سياسية».
تقاطعت مواقف الروس والسوريين عند حد القول إن هناك ماكينة إعلامية تحاول الإيحاء بأن الضربات الجوية الروسية أيضا تستهدف مجموعات مدنية سورية، بينما الحقيقة هي أن المجموعات المسلحة تستخدم أسلحة محرّمة وفتاكة، وهذا الأمر أثبته تقرير دولي تحدث صراحة عن توصل التحقيقات إلى أن تنظيم «داعش» استخدم غاز الخردل، خلال معاركه مع مجموعات مسلحة في بلدة مارع في ريف حلب في آب الماضي.
وأبلغت الحكومة السورية دي ميستورا أن المجموعات الإرهابية تستخدم أسلحة وذخائر مصدرها المخازن التركية مثل «مدفع جهنم» (سقطت قذائفه المحمومة على بعض مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين).
بطبيعة الحال، عبّر السوريون عن ترحيبهم بمضمون بيان «فيينا 1»، ولو أنهم لم يكتموا ملاحظاتهم على بعض البنود، وهو الأمر الذي أشار إليه صراحة الوزير المعلم خلال استقباله دي ميستورا، حيث جدد استغرابه لعدم تضمين البيان نقاطا تلزم دولا إقليمية معينة بالتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية، تنفيذا لمضمون قرارات دولية ذات صلة «بمكافحة الإرهاب» وتمويل المجموعات الإرهابية، «وعندها يصبح الحديث عن أي وقف لإطلاق النار مجديا».
ما هو المطلوب من «فيينا 2»؟
أظهرت محادثات دي ميستورا في الأيام الأخيرة، أنه يعول كثيرا على الروس من أجل تذليل الكثير من العقد الحساسة في المرحلة المقبلة، خصوصا أن ثمة انطباعاً مفاده أن الأميركيين بدأوا ينظرون، أكثر من أي وقت مضى منذ خمس سنوات حتى الآن، الى مخاطر استمرار الأزمة السورية وتفاقمها.
على أن دي ميستورا لم يستشعر أن أياً من الأطراف الإقليمية والدولية الأساسية قد عدّل موقفه من الأزمة السورية «بصورة جذرية». بدا واضحا في «فيينا 1» أن همّ كل طرف محاولة تكريس مطالبه، وقد عبّر كل واحد من هؤلاء عن ذلك بطريقته الخاصة، لكن البيان الختامي ببنوده التسعة، «شكل رسالة مشتركة ندر أن وضعت كل هذه العواصم تواقيعها عليها، وبذلك يكون «فيينا واحد» أول محاولة جدية لوضع الأزمة السورية على سكة الحل السياسي».
في المقابل، ثمة ملاحظة رصدتها بعض دوائر الأمم المتحدة في نيويورك، مفادها أنه غداة بدء التحضير لمؤتمر «فيينا 2»، أخذت جهود بعض القوى الإقليمية تثمر تنسيقاً ميدانياً غير مسبوق بين «النصرة» و «داعش» وباقي المجموعات المسلحة على الأرض السورية، خصوصا في الشمال القريب من الحدود التركية. هذه النقطة أثارها السوريون والروس مع دي ميستورا، وطلبوا منه أن يركّز جهوده، بالتنسيق مع الأميركيين، في اتجاه الضغط على كل من السعودية وتركيا وقطر لوقف دعمهم العسكري المتزايد، الذي يصب في خانة تعزيز قدرة «داعش» و»النصرة» ونفوذهما على الأرض.
على طاولة «فيينا 2»، ستوضع مسودة جديدة للائحة الشخصيات السورية المرشحة للجلوس الى طاولة الحوار مع النظام، وهي لائحة طرحها الروس أمام السعوديين، على هامش «فيينا 1» وطلبوا إدخال تعديلات عليها، موضحين أنها لائحة أولية قابلة للتعديل والتوسيع المحدود. ومن أبرز الأسماء التي تضمنتها لائحة الـ36 أسماء: معاذ الخطيب، أحمد الجربا، عارف دليله، خالد خوجة، هادي البحرة، صفوان عكاش، سمير العيطة، ميشال كيلو، صالح مسلم محمد، سليم الشامي، رونا تركماني، رندا قسيس، محمد حبش، محمد طيفور، محمود مرعي، جمال سليمان، لؤي حسين، قدري جميل، وليد البني ومنير هاميش المقرب جدا من المعارض السوري المعروف هيثم مناع. وتضم اللائحة أيضا أسماء رجال أعمال وممثلي تجمعات سورية معارضة في البيئات المسيحية والكردية.
الخطوة الثانية بعد «فيينا 2» هي جلوس الحكومة السورية والمعارضة الى طاولة واحدة. في هذا السياق، سمع زوار موسكو كلاماً مفاده أن زيادة النفوذ الروسي في سوريا «تزيد قدرتنا على إلزام النظام بالحل السياسي واتخاذ خطوات سياسية ملموسة وجذرية».
ليس في قاموس الديبلوماسية الروسية، حسب أكثر من مصدر متابع، أي توجه لوضع سقف مسبق لما يسميها خصوم النظام «المرحلة الانتقالية». موسكو لن تتخلى عن الرئيس بشار الأسد، وهي ردت على من اشترطوا عليها رحيل الأسد: «أنتم تريدون الفوضى لا الحل في سوريا.. للشعب السوري وحده أن يقرر مصيره وقيادته ومستقبله». هذه المعادلة ستصبح مفردة تستخدمها موسكو في كل ساحات الاشتباك بينها وبين باقي مكوّنات النظام العالمي.
ثمة قناعة لدى دي ميستورا بأن حياكة التفاصيل ستكون عملية معقدة، وكل بند يحتاج الى مفاوضات مضنية، لكن المهم أن الأزمة وضعت على السكة والمظلة باتت متوافرة، وسيكون المطلوب تحديد الخطوات العملية الواجب اتخاذها من أطراف النزاع والأطراف المؤثرة اقليميا ودوليا.
بعد «فيينا 2»، يعول الروس على زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الى موسكو قبل نهاية تشرين الثاني الحالي، وهم تلقوا تأكيدات أن الزيارة حاصلة «برغم كل ما يجري من تشويش عليها».
ماذا عن لبنان؟
«الحلول في لبنان مؤجلة ولن تبدأ بالتبلور قبل أن توضع المنطقة على سكة التسويات في العام 2016، وهذا يعني أنه لن يكون هناك قريبا رئيس جديد للجمهورية.. واذا استمر هذا الوضع، فإن لبنان سيكون في ربيع العام 2017 أمام تحدي إنجاز تسوية متكاملة تشمل الرئاسة الأولى والحكومة والمجلس النيابي».
هذا هو الانطباع الذي عاد به أكثر من مسؤول لبناني من الخارج، و «لكن الخطورة على لبنان، ليست اقتصادية وحسب، بل ثمة خطورة أمنية، اذا قرر السعوديون والايرانيون تبريد الساحات المشتعلة في الاقليم وخصوصا في اليمن وسوريا، فإن لبنان سيكون البلد الأكثر قابلية لترجمة التجاذب الاقليمي، سياسيا وأمنيا، وهذا الأمر يتطلب من أهل السياسة في لبنان التفكير في كيفية تحصين بلدهم سياسيا وأمنيا واقتصاديا وماليا.. ولعل البداية تكون بفتح أبواب مجلس النواب وإعادة تفعيل الحكومة» على حد تعبير مسؤول لبناني كبير.